* الجزيرة - خاص :
للمرأة دورها الدعوي، سواء في منزلها بين أولادها وزوجها، وبين أقاربها، أو في محيطها الاجتماعي بين الجيران والأهل والأصدقاء، بل وفي الأمكنة العامة والخاصة التي ترتادها، سواء في المستشفيات، أو في الأمكنة الترفيهية، ولا يمكن لأحد أن ينكر تأثير دور المرأة الدعوي، خصوصاً بين النساء،
وكما جاء في دراسة أعدتها أكاديمية سعودية، أن المرأة الداعية الأكثر تأثيراً في الدعوة الموجهة للنساء، والأكثر فهماً لقضايا النساء، ولا سيما في أمور التجميل والحيض والنفاس وغيرها.ولكن يختلف البعض حول المجالات الدعوية بين النساء، فالبعض يؤكد أن المنزل هو المركز الأساسي في دعوة المرأة، في حين أن البعض يوسع دائرة الدعوة النسائية، لتشمل جميع الأمكنة المخصصة للنساء.
وفي هذا التحقيق، سوف نتعرف على دور المرأة المسلمة في الدعوة، ومجالات عملها، وأثرها الملموس على الدعوة.
دور مؤثر
تقول د. مها بنت محمد العجمي عميدة كلية التربية للبنات للأقسام الأدبية بالأحساء، إن للمرأة المسلمة دوراً في الدعوة إلى الله لا يقل بحال من الأحوال عن دور أخيها الرجل، فهي شقيقته، ولا فرق بينهما في التكاليف الشرعية، والأعباء الدعوية، إلا أن لكل منهما خصوصية في دعوته بحسب فطرته التي فطره الله عليها.
فالمرأة المسلمة الملتزمة الداعية إلى الله تلعب دوراً مهماً في خدمة دينها في دوائر شتى، تبدأ من أسرتها التي هي راعية فيها، ومسؤولة عنها أمام الله، فتكون قدوة لأبنائها وبناتها، تغرس فيهم الفضيلة والإيمان والتقوى، وحب الآخرين، وحب العمل، والنجاح والتفوق، ليكونوا نافعين لأنفسهم ودينهم ووطنهم، ولا عجب في ذلك، فهي المدرسة الأولى، كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم عن الأم الملتزمة الداعية، ودورها في بناء المجتمع.
ثم تتسع الدائرة لتشمل أسرتها الكبيرة، من أبوين وإخوة وقريبات وأقارب، وهي كذلك تستطيع التأثير في هؤلاء بحسن رعايتهم، والعطف على صغيرهم، وتوقير كبيرهم، وقضاء حوائجهم، وإيثارهم وتوجيههم إلى الخير باللين والحكمة والموعظة الحسنة، حتى يتقبلوا نصحها، ويلتفوا حولها، ولا ينفروا منها، فالكلمة الطيبة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة، والتبسم في وجه الأخ أو الأخت صدقة، وكف الأذى عن الناس صدقة، وعون المحتاج صدقة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، كما أن زيارة المريض صدقة، ويعجز القلم عن تسجيل أبواب الخير والصدقات، فكل ما يفعله المسلم أو المسلمة من خير مقروناً بالنية الصادقة الخاصة لله، يكون في ميزانه يوم القيامة.
وتتسع دائرة الدعوة إلى الله لتشمل جيران المرأة، فقد أوصانا رسول الله بالجار، وقال: ألا إن أربعين جاراً جار، وقال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، والجار يشمل المسلم وغير المسلم، والقريب والبعيد، فإذا أحسنت الداعية المسلمة معاملة جيرانها، كان ذلك أدعى إلى قبول ما تدعو إليه من خير وبر، ويتحقق ذلك بمجاملتهم في أفراحهم وأتراحهم، ومواساتهم ومعونتهم إذا كانوا فقراء، فنبي الرحمة يقول: (ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم)، كما أمرنا بكف الأذى عن الجيران، نافياً الإيمان عمن لا يأمن جاره بوائقه، حتى إنه ليأمرنا ألا نحجب الريح عن الجار بالاستطالة عليه في البنيان إلا بإذنه، وأن نراعي شعوره إذا كان فقيراً فنواسيه بالمال، ولا نؤذيه بقتار القدر حتى نغرف له منها، فأية رحمة هذه، وأي دين عظيم هذا الذي يراعي حقوق الجار إلى هذا الحد الذي قصرت عنه كل القوانين الوضعية..؟ إنه الإسلام الخالد العظيم الذي يضمن سعادة البشرية، لأنه من عند رب البرية، العليم بما يصلح أحوال خلقه، فتبارك الله أحسن الخالقين.
محيط العمل
وتضيف د. مها العجمي قائلة: إن على الأخت المسلمة عموماً، والداعية خصوصاً، أن تحب جيرانها، وتراعي مشاعرهم، وتجند نفسها لخدمتهم، وتكف الأذى عنهم، فإن امرأة دخلت النار لأنها كان تؤذي جيرانها بلسانها، كما أخبرنا المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يتفقد جيرانه حتى من غير المسلمين.
وإذا كانت الداعية موظفة أو عاملة، فإن دائرة دعوتها تتسع لتشمل محيط عملها، فلا تكلف مرؤوسيها فوق طاقتهن، وإذا كلفتهن فعليها أن تعينهن بالعمل معهن، والرفق بهن، وبذل النصح لهن، وتوفير المناخ الملائم للعمل من الحب والعطف والرحمة والبر، وتنمية الجوانب الإيجابية في محيط العمل، وتعزيزها، ومحاولة إبعاد الجوانب السلبية التي تعوق العمل، وعليها أن تربط العمل والإتقان بالثواب، وتعفو عن الهفوات والزلات بما لا يخل بمصلحة العمل، فتكون متسمة بالمرونة، وأن تسوي بين مرؤوسيها في المعاملة، لتكسب ودهم واحترامهم، وتنال رضاهم، فتحصل منهم على أقصى ما يستطيعون تقديمه في عملهم بحب وتفانٍ وإخلاص، يثابون عليه، كما تثاب هي من الله عز وجل.
وتتسع دائرة الدعوة إلى الله بالنسبة إلى الداعية لتشمل كل المجتمع بحسب استطاعتها، فلكل طاقة وقدرة، فلتشارك في العمل الخيري عن طريق الجمعيات الخيرية، وجمعيات البر، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وغير ذلك من المؤسسات الخيرية والدعوية، بما يلائم قدراتها، مقدمة كل ما تستطيع من دعم مادي، إذا كانت موسرة، أو معنوي، أو بدني، إذا كانت لا تملك المال، فالدعوة تحتاج إلى كل الطاقات، لتتكامل منظومة العمل الدعوي.
ولأضرب بعض الأمثلة، فإذا كانت المرأة الداعية متعلمة، فلتأخذ بيد غيرها من النساء، لكي يتعلمن ويتفقهن في دينهن، فمَنْ يُرِدِ اللهُ به خيراً يفقهه في الدين، وإذا كانت حافظة لكتاب الله، مجيدة لتلاوته، فدونها جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، فلتسهم في التدريس بها، وتعليم أخواتها حسبة لوجه الله، وإذا كانت تجيد حرفة أو مهنة فلتساعد أخواتها المسلمات على إجادتها، مثل الطهي والحياكة والحاسوب، وغيرها ما يعين المسلمة في حياتها.
وإذا كانت معلمة فلتخلص في عملها، ولا تبخل بعلمها على طالباتها، ولتعمل على الارتقاء بعلمها، وتنمية مهاراتها في الأداء للارتقاء بطالباتها، ولتساعد المقصرات منهن محتسبة أجرها عند ربها، وقديماً قالوا: نماء العلم مدارسته وزكاته تعليمه للآخرين، ومن كتم علماً ألجمه لجاماً من نار يوم القيامة، وإذا كانت الداعية موسرة، فلتساعد أخواتها بفتح مجالات للعمل والإنفاق على التعليم والتدريب للمسلمات، حتى تكفيهن شر الحاجة، وتؤهلهن ليكن مسلمات صالحات نافعات لمجتمعهن ووطنهن.
حمل همّ الدعوة
وتقول د. شيخة بنت مفرج المفرج الأستاذة المساعدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض: إن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأوجب الواجبات، بها يستقيم أمر الفرد، ويصلح حال المجتمع، وقد كان للمرأة المسلمة دور مبكر في الدعوة إلى الله، ونشر هذا الدين، فهي شريكة للرجل في حمل همّ الدعوة تعلماً وتعليماً، إذ إن الله لما خاطب البشر وكلفهم بعبادته وطاعته والدعوة إلى دينه، خاطبهم رجالاً ونساء، قال تعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (104) سورة آل عمران.
وقد بيّن القرآن الكريم قدرة النساء المؤمنات على الدعوة إلى الإيمان بالله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى:
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة، ولم يقتصر القرآن الكريم على البيان النظري لقدرة المرأة على الدعوة، بل إنه ضرب مثلاً عملياً لجهود المرأة الداعية، قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (12) سورة التحريم.
والمرأة المباركة هي التي تجعل من الدعوة إلى الله لها شعاراً ودثاراً في كل مكان، وفي أي مجال يفتح أمامها، مستشعرة قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (33) سورة فصلت.
مجالات عمل المرأة
وتحدد د. شيخة المفرج مجالات عمل المرأة في الدعوة في عدة مجالات، هي:
أولاً- المنزل: محضن الأسرة هو ميدان عظيم للدعوة إلى الله، وهو أول مجال يحتاج إلى إصلاحك، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (6) سورة التحريم، وقال صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، فالمرأة تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية الدعوية في المنزل، لأنها هي الحامل والمرضع والحاضن للطفل حتى سن التمييز، تلازمه ملازمة شبه دائمة، وهذه المدة تمثل الأهمية العظمى في الإعداد للدعوة إلى الله بالعلم الشرعي، والعمل بهذا العلم، والصبر على العقبات فيه، ينغرس في نفس الطفل حب الله وحب رسوله، ولازمهما من الاتباع وتعليم النشء كتاب الله، سواء في البيت، أو إلحاقه في حلق التحفيظ في المساجد، أو الدور، وأمر الذرية بالصلاة عند بلوغهم السابعة، مع تعليمهم أهميتها، وتدريبهم على أدائها الأداء الصحيح، وما يتعلق بها من أحكام الطهارة وغيرها، وتعويدهم على الصيام قبل البلوغ حتى لا يصعب عليهم بعده، وربطهم بذكر الله في كل حركاتهم وسكناتهم، من تحفيظهم أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والأكل والشرب، ودخول الخلاء والخروج منه.. فينشأ ذاكراً لله، مرتبطاً به في كل أحواله، وفي المنزل يوجد أناس لهم علينا حق الدعوة، وهم الخدم سواء كانوا رجالاً أو نساء، ليرجعوا إلى بلادهم دعاة للإسلام، فتنالي بذلك الأجر العظيم.
ثانياً: تتسع دائرة الإصلاح والدعوة ليدخل فيها الأقارب ، قال تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (214) سورة الشعراء، فتجمعي بذلك أجر الدعوة إلى الله وأجر صلة القربى.
ثالثاً: الجيران يجب أن يكون لهم حظ ونصيب من دعوتك، قال صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
رابعاً: إصلاح من حولك في مدرستك سواء كنت مدرسة أو موظفة أو طالبة، وأخص المعلمة لأن قدرتها على الدعوة أقوى، وتأثيرها أوضح.
خامساً: استغلال الدروس التي تقام في المساجد التي بها أمكنة مخصصة للنساء، في الإلقاء أو الحضور، ودعوة من تعرفين لمثل هذه الحلق.
سادساً: دور التحفيظ مجال للدعم الدعوي عن طريق إلقاء المحاضرات فيها أو التدريس.
سابعاً: المستشفيات، ولا تستغربي إن قلت إن استخدام الطب في الدعوة إلى الله له أثر كبير، لأن الإنسان يحتاج للشريعة التي تعالج روحه أكثر من حاجته للطب الذي يعالج جسده، كما أشار إلى ذلك الإمامان ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، ولعل المنصرين شعروا بقيمة ذلك، فاستغلوا هذا المجال لنشر دياناتهم.
ثامناً: إلقاء المحاضرات في المستشفيات للطبيبات والمرضى.
تاسعاً: إلقاء المحاضرات ومناصحة السجينات في السجون، وتذكيرهن بفضل التوبة، وغير ذلك كثير.
هذا ما حضرني في هذه العجالة، وأختم بأن عمل المرأة الدعوي يسد ثغرة كبرى من ثغور الإسلام، وتحمي عرينه، وتجعله صامداً أمام الباطل الموجه ضده بعامة، وشؤون المرأة بخاصة.
مجالات مهمة جداً
ويقول د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة مكة المكرمة: إن هناك فهماً قاصراً لدى الكثير في معرفة وتحديد مجالات عمل المرأة المسلمة في الدعوة إلى الله، ولعل مرد هذا الفهم القاصر إلى الفهم الخاطئ لأساليب وطرق الدعوة إلى الله، وكذلك الفهم الخاطئ لدور المرأة في المجتمع، وما يمكن أن تقوم به، ثم عدم تأقلم المجتمع مع التطورات السريعة التي يعيشها العالم بأجمعه بشكل عام، والعالم الإسلامي بشكل خاص.
وأود أن أشير إلى أن كل مجال يدعو فيه الرجل الداعية من الممكن أن يكون مجال دعوة وعمل للمرأة المسلمة، بعد تعديل بعض الخصوصيات المتعلقة بالجنس، وفيما يأتي بعض المجالات التي من الممكن أن تبرز فيها المرأة المسلمة الداعية:
أولاً- الدعوة وسط النساء: وهو مجال واسع وخصب، والنساء يمثلن نصف المجتمع كما يقال، والمرأة بطبيعتها تميل إلى جنسها، خصوصاً في المسائل ذات الخصوصية النسوية، وكم سمعنا عن نساء كن المرجع الأول لبنات جنسهن.
ثانياً- التعليم: وهو مجال كبير وواسع أيضاً، وفي بلادنا - حيث لا اختلاط بين الذكور والإناث ولله الحمد - فإن دور المرأة المسلمة الغيورة على دينها، يظهر من خلال تنشئة البنات، وغرس القيم والمبادئ الإسلامية فيهن، والفترة التي تقضيها الفتاة في المدرسة فترة طويلة، من الممكن أن تستغلها المعلمة المسلمة في التربية.
ثالثاً- المجال الطبي: فللطبية المسلمة، أو الممرضة المسلمة دور دعوي جيد، إذ تركن المرأة المريضة إلى طبيبتها، وتسمع إلى نصيحتها ومشورتها، وبالتالي من الممكن للمرأة المسلمة العاملة في القطاع الصحي أن تدعو إلى الله من خلال عملها، وتلقن المريضة بعض الأذكار المناسبة، وتحثها على الارتباط بالله باعتباره الشافي من كل الأمراض.
رابعاً- مجال الخدمات الاجتماعية: وذلك عن طريق الهيئات والجمعيات الخيرية التي تهتم بشؤون الأسرة، والأطفال، والأرامل، والمطلقات، وهذا المجال من المجالات المهمة التي لو أحسن استثمارها لآتت أكلها ضعفين، بل أضعافاً كثيرة، ويخطئ من يظن أن دور الجمعيات الخيرية يتوقف عند جمع التبرعات والزكوات، وتوزيعها على الفقراء والمساكين.
خامساً- في المجال الإعلامي والثقافي: بالكتابة في الصحف والمجلات، والمشاركة الكتابية في الإذاعة والشبكة العنكبوتية، وتأليف الكتب والمطويات.
سادساً- في المجال الاقتصادي: الذي دخلته المرأة الآن بقوة، وعن طريقه تستطيع المرأة فتح وتبني عدد من المشروعات التي تجمع بين الاقتصاد والدعوة.
المرأة مثل الرجل
ويقول م. ناصر بن مسفر بدران المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة الباحة: إن الدعوة إلى الدين الحق، وهداية البشر، هي من صلب الدعوة الإسلامية، وثواب الدعوة إلى الله كبير، وبها يحافظ الإسلام على حيويته، ولعرف الناس شموليته، فهو ليس محصوراً بأمة دون أخرى، أو بجنس دون آخر، إنه للبشر كل البشر الذكور والإناث، الأسود والأبيض: لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، ولا فضل لأبيض على أسود، ولا لذكر على أنثى إلا بالتقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (13) سورة الحجرات.
لقد كانت المرأة المؤمنة، ومنذ فجر الدعوة الإسلامية، عنصراً أساسياً فيها، فكانت الداعية إلى الحق، وكانت أخت الرجل وابنه وزوجته وأمه، تدافع عن الدين الحق، وتدعو إليه، إننا لو رجعنا وتصفحنا كتب التاريخ الإسلامي، أو كتب السيرة النبوية، أو كتب التراجم، لرأينا كم هو كبير دور المرأة المسلمة في المجتمع المسلم على مر العصور، أليست أمهات المؤمنين قدوة نسائنا؟ أليست الصحابيات الجليلات مثلاً أعلى لفتياتنا؟ إننا في عصر يمتاز بالتقدم العلمي الكبير، والتقنيات الهائلة، والتطورات التكنولوجية التي لا حدود لها، وكل هذا يوجب علينا كمجتمع مسلم أن نجمع كل طاقاتنا ذكوراً وإناثاً، وأن نتسلح بعد التوكل على الله بالإيمان والعلم، وأن نسخر علوم العصر في نصرة الدعوة وانتشارها، وهذا واجب وجهاد.. الأمر لا يقتصر على إيصال الدعوة إلى البلاد البعيدة، ولكن لننتبه إلى عقر دارنا، فقد غزتنا الثقافات الغربية، واستهدفتنا القيم الخبيثة، وركز الأعداء اهتمامهم على المرأة المسلمة لإفسادها، ومن هنا يتبين كبير الواجب الملقى على عاتقنا وعاتق فتياتنا. إن المرأة تفهم المرأة أكثر مما يفهمهما الرجل، ولهذا تكون المرأة الداعية أقرب إلى عقول وفهم النساء، وأقدر على إعطاء الأجوبة، وحل المشكلات الحاصلة أو الغامضة.
تكريم المرأة
ويؤكد م. بدران أن الدعوة واجب كبير، وأن تحميل الإسلام هذا العبء للمرأة المسلمة لهو تكريم لها، ورفع من شأنها، وهذا هو الإسلام في تعامله مع المرأة على الدوام، يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات، والإٍسلام أيضاً هو دين العلم، وهو الدين الذي رفع من قدر العلم، وعظّم منزلة العلماء، حتى إن أول ما نزل به الروح الأمين جبريل - عليه السلام - على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) العلق، لقد حصر الله تعالى الخشية منه على العلماء، فقال جل من قائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (28) سورة فاطر، وقال عز وجل: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} (18) سورة آل عمران، أما الأحاديث النبوية الشريفة، والسنة المطهرة، وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، فإنها زاهرة بذكر فضل العلم والعلماء، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللهِ به خيراً يفقهه في الدين)، والحال يقصد منها الرجال والنساء طبعاً.
لقد كانت المرأة في الجاهلية تورث للرجل كأي متاع، فألغى الإسلام الحنيف ذلك، وأولى المرأة عناية فائقة، وحررها من قيود المجتمع الجاهلي لتكون عضواً نافعاً في الأمة الإسلامية، ورد لها اعتبارها، ومنحها حقوقها، وضمن لها كرامتها وعزتها، بعد طول معاناة وشقاء.
|