الدعوة إلى الله سبيل الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108). وهي ميراث علماء السلف والخلف، والعلماء ورثة الأنبياء، وهي أشرف الأعمال وأفضلها عند الله سبحانه وتعالى، وهي أحسن الكلام والقول، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33). ومن هذا المنطلق كان واجباً على الدعاة المصلحين حمل هذه الرسالة والتحلي بالصفات والآداب التي ينبغي توافرها فيمن يتصدى لهذا العمل الجليل.
أولاً: التسلح بالعلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، فبالعلم الشرعي يكون الداعي كالجبل الأشم والطود الشامخ ويسهل عليه أن يؤثر في المجتمع بما لديه من علم يجعله إماماً يُقتدى به، قال تعالى: )وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 24).
ثانياً: الحكمة في الدعوة إلى الله كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل: 125). وكلما كان الداعية متصفاً بهذه الصفة كان على علم واطلاع - بعد توفيق الله - على أحوال المدعوين.
والحكمة يلازمها الرفق، والعلم يزينه الحلم. ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) الحديث. فبدأ بالتوحيد؛ لأنه أساس الملة، ثم بقية الأحكام. فعلى الداعية أن يسلك سبيل التدرج في دعوته فيبدأ بالأصول، وكذلك ترتيب الأولويات فيبدأ بالأهم ثم المهم في دعوته إلى الله، ومراعاة فقه الموازنات؛ أي: مراعاة المصالح والمفاسد، فكل ذلك ينبغي أن يُراعى في الخطاب الدعوي.
ثالثاً: التخلُّق بالخلق الحسن، وهذه الصفة من الصفات المهمة التي يحسن أن يتحلى بها الداعي إلى الله؛ لأنه يعدُّ مثلاً يُحتذى به وقدوة لمن يدعوهم، فقدوة البشر وإمامهم محمد - صلى الله عليه وسلم - أكرم الناس خصالاً وأحسنهم خلقاً، فقد امتدحه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، وقال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) ( آل عمران: 159). وبيَّن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانة الخلق الحسن فقال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء). وعندما يتصف الداعي بهذه الصفة يكون أقرب إلى قلوب المدعوين.
رابعاً: الاتسام بالحلم في الأمور كلها، وفي الدعوة بخاصة؛ لأن الحلم من صفات الأنبياء والمرسلين كما أثنى بذلك ربنا سبحانه على إبراهيم عليه السلام؛ حيث قال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ )( هود: 75). والحلم من الخصال التي يحبها الله، وقد قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة). فهذه الصفة تكسب الداعي محبة الله ورضوانه، وقليل مَن يتصف بهذا الخُلق.
خامساً: الصبر في الدعوة إلى الله، فالصبر دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وهو من صفات الأنبياء والمرسلين كما قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل} (الأحقاف : 35). فبالصبر يُنال المراد بإذنه تعالى، ولا شك أن طريق الدعوة صعب وشائك فإذا صبر واحتسب نال الدرجات العلى، فإمام المرسلين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ناله ما ناله من الأذى، فصبر حتى أظهره الله على العالمين وانتشرت رسالته ودعوته في مشارق الأرض ومغاربها.
فهذه جملة من الصفات التي ينبغي للداعي إلى الله أن يتحلى بها؛ لأنها من صفات الأنبياء والمرسلين والسلف الصالح.
(*) مدير مركز الدعوة والإرشاد بالرياض |