كل من الجارة الشقيقة إيران من جهة والدول الغربية من جهة أخرى يتسابقون مع الزمن في خضم الأزمة الدائرة بينهم الآن حول السلاح النووي الذي تسعى إيران إلى الحصول عليه؛ فإيران تعرف - كما يعرف المجتمع الدولي بأسره بما في ذلك الدول الغربية التي تتزعم الصراع معها حول برنامجها النووي - بأن حصولها على السلاح النووي سيقلب أو حتى سيغير قواعد اللعبة بأكملها، وعلى هذا الأسباب فإن إيران تسعى لكسب الوقت عن طريق المماطلة والمراوغة إلى أكبر قدر ممكن حتى تسبق الدول الرافضة لامتلاكها هذا السلاح لها وتنتج القنبلة النووية قبل أن تتمكن الدول الغربية من اتخاذ موقف صارم وحازم ضدها عن طريق مجلس الأمن الدولي.
وواقع الأمر أن إيران حتى الآن قد كسبت هذا السباق واستفادت من كل السنوات الماضية بالمراوغة حول نواياها الحقيقية في مجال برنامجها النووي؛ فتارة تعلن أنها مستعدة للتفاهم والجلوس على مائدة المفاوضات، وتارة تعلن عن معارضتها ورفضها لأي مسعى دبلوماسي.
حتى عرض موسكو بأن تقوم هي بتخصيب اليورانيوم لصالح إيران كان مشهدا للمراوغة، فقد قبلت طهران به تارة ورفضته تارة أخرى وبقي الحال على حاله بين الأخذ والرد، وفي مقابل ذلك تستعجل الولايات المتحدة الأمريكية هذا السباق وتحاول إقناع حلفائها الغربيين وكذلك روسيا والصين بالإسراع في اتخاذ الموقف الواضح ضد إيران ووضع النقاط على الحروف قبل أن تفاجئ إيران العالم بالإعلان عن نجاحها بصناعة السلاح النووي وبخاصة أنها قد نجحت في تطوير صواريخها العابرة للقارات وأصبحت على عتبة أن تصبح الدولة النووية الأخرى التي حصلت على السلاح النووي ووسائل نقله.
ومن المؤكد أن الدول الغربية ستعيد النظر في مواقفها إزاء إيران فيما إذا كسبت السباق وأصبحت فعلاً دولة نووية ولا تستطيع هذه الدول عند ذلك القيام بأي عمل عسكري أو غير عسكري ضدها في هذه الحالة لأن السلاح النووي الإيراني سيكون رادعاً لأي عمل عدواني كما حصل بالفعل مع كوريا الشمالية التي غيرت موازين القوى وطرق المعاملة معها عندما أصبحت دولة نووية وقادرة على استعمال السلاح النووي ضد أعدائها من الدول، وبذلك تأتي الرياح بما لا تشتهي واشنطن أو أي من حلفائها المعنيين بربح هذا السباق والذين بدأوا أصلا بالمطالبة بتطبيق العقوبات على إيران عبر مراحل الأمر الذي سيعطي طهران الوقت الإضافي للوصول إلى غاياتها.
أما لماذا اختارت إيران هذا الوقت بالذات لتصعيد خلافها مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حول برنامجها النووي، وتصعيد حدة الخلاف إلى درجة قد تقودها إلى حرب مع هذه الدول؟ فإن الجواب الذي قد نراه ماثلا أمامنا هو انشغال الولايات المتحدة بأزمة العراق والاستنزاف الحاصل للقوات الأمريكية على الساحة العراقية الأمر الذي يحول دون فتحها جبهة ساخنة أخرى على مقربة من الحدود العراقية.
غير أن هناك عوامل أخرى لهذا التصعيد لعل أهمها هو أن السوق العالمي للبترول والارتفاع غير المسبوق على أسعار الطاقة قد جعل من بترول إيران سلاحا اقتصاديا فعالا؛ حيث إن أول ضحايا هذه الحرب سيكون - ولا شك - انقطاع الإمدادات البترولية الإيرانية للأسواق العالمية الأمر الذي سيربك هذا السوق ويرفع أسعار الطاقة إلى مستوى لم يشهده العالم من قبل، ويضعف الاقتصاد العالمي برمته.
إضافة إلى ذلك أن إيران قد أصبحت على عتبة صناعة الأسلحة النووية وقادرة على إنتاج قنبلة نووية إن لم تكن قد حصلت عليها بالفعل، كما أن لإيران صواريخ بعيدة المدى تستطيع من خلالها ضرب عدة عواصم غربية بما في ذلك إسرائيل الحليف الرئيس للغرب في الشرق الأوسط.
|