* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي فراج:
بعيداً عن حرب التصريحات بين طهران وواشنطن حول برنامج إيران النووي وهل هي لأغراض سلمية كما تقول إيران أم خطوة نحو امتلاك قنبلة نووية كما تزعم الولايات المتحدة وإسرائيل؟ فإن هناك طرفاً ثالثاً يوقن أن ثمة ضرراً قد يقع عليه من السلاح النووي الإيراني لكنه في الوقت نفسه يخشى أن يتخذ موقفا واضحا من هذه القضية؛ هذا الطرف هو الوطن العربي الذي وجد نفسه بسبب طموحات إيران النووية بين نارين؛ نار توازن القوى في المنطقة وبين الحيلولة دون قنبلة نووية إسلامية كما تروج طهران لمشروعها.. هذه الإشكالية تصاعدت في الآونة الأخيرة بسبب أن الرأي العام العربي أو بعض منه يرى أحقية طهران في امتلاك سلاح نووي لردع أمريكا وإسرائيل وتقليص قوتهما ونفوذهما في الشرق الأوسط، في حين أن هناك دعوات رسمية عربية كان أولها من مصر يطالب بمنطقة شرق أوسطية خالية من أسلحة الدمار الشامل وضرورة إجبار إسرائيل على الانضمام إلى معاهدة حظر هذه الأسلحة وبذلك يكون الموقف المصري ضد امتلاك طهران لقنبلة نووية لأن اعترافه بحق طهران في ذلك سوف يضعف دعوته لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ويوقع القاهرة في فخ الكيل بمكيالين ومن شأن ذلك أن يؤخذ ضدها على الصعيد الدولي.. إذن الموضوع شائك ومتداخل إلى حد التعقيد، لذلك طرحت (الجزيرة) السؤال حول جدوى القنبلة النووية الإيرانية ومدى تأثيرها على التوازن الإقليمي وفي الوقت ذاته مدى استطاعتها على ردع واشنطن وتل أبيب.
في البداية أوضح الدكتور محمد عبدالسلام رئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي أن الفكرة النهائية هي أن القنبلة الإيرانية المفترض..لن تحل معضلة القنبلة الإسرائيلية القائمة في المنطق.
سواء فيما يتعلق بالتوازن معها أو الدفع في اتجاه إزالتهاوإنما على الأرجح ستوجد مشكلة ثانية إضافة إلى المشكلة الموجودة أصل.
وبدلا من وجود تهديد واحد في الوسسيبرز تهديد آخر في الجوار.. ومن هنا بدأت المواقف العربية الرسمية عموما في التحول باتجاه التحفظ على استمرار برنامج اليورانيوم الإيراني، وأشار عبد السلام إلى أن الصمت الذي اتسمت به مواقف الدول العربية لفترة طويلة تجاه مشكلة إيران النووية لم يكن سوى تعبير عن حالة من الارتباك الحقيقي إزاء وضع معقد لا يتيح اتخاذ موقف محدد على غرار ما حدث في شرق آسيا من جانب الدول الأربع المحيطة بكوريا الشماليةالتي كانت ترفض امتلاك بيونج يانج الأسلحة النووية وفي نفس الوقت تقف ضد أية محاولة لضربها أو معاقبت.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أن هناك إشكاليتين تحولان دون طرح مثل هذا السؤال بصورة واضحة.
أولاهمأن هناك سلاحاً نووياً حقيقيا يوجد في المنطقة ويهدد أمن الدول العربية هو السلاح النووي الإسرائيل.
وربما يسهم ما تقوم به إيران في حل تلك المشكلة بصورة ما،ثانيتهماهو أن الجهد النووي الإيراني بدا موجها نحو الولايات المتحدة التي تستهدف النظام الإيراني علنوتحيط قواتها بها من الجانبيوليس الدول العربية
وبالتالي بدت المباراة وكأنها بعيدة عن الساحة العربية.
وأضاف عبد السلام أن المثير في المسألة أن إيران كانت دائما تمثل دولة جوار مقلقة بالنسبة إلى الدول العربيقبل قيام الثورة الإيرانية عام 1979وبعدها وأن كثيرا من سياسات إيران كانت تحمل تهديداً مباشراً لعدد من الدول العربية
ولا يتعلق الأمر فقط بفكرة تصدير الثورة التي سيطرت على توجهاتها في البدايولكن بمجموعة من التفاعلات التي ارتبطت بالحرب العراقية - الإيرانيوأثارت توترات واسعة النطاق.
وقد عادت تلك المخاوف المرتبطة بإيران لتتصاعد في الفترة الأخيرة، وبالتالي فإن المنطق هو أن أية خطوة إيرانية في اتجاهات نووية عسكرية كان من المفترض أن تثير فورا إنذارات مبكرة في معظم العواصم العربية
إلا أن ذلك لم يحدث لفتربفعل التشابكات المشار إليها مع الولايات المتحدة وإسرائيل وأشار عبد السلام إلى أن الموقف المصري الرسمي قد بدأ يشهد تعديلات في اتجاهات تشير إلى أن مصر تعتقد أن الخيار النووي العسكري المحتمل لإيران يمثل تهديدا لأمن المنطقةوعلى الرغم من أن بعض الكتابات المصرية قد بدأت تشير إلى أن هذا الموقف قد يعني قبولا باحتكار إسرائيل للأسلحة النووية في المنطقأو تدعو إلى إعادة التفكير مرة أخرى في امتلاك الأسلحة النوويإلا أن الموقف المصري لا يزال يسير في اتجاهه في ظل معضلة حقيقية.. وهي أن مصر لا تملك ترف فك الارتباط بين أي تطور نووي إقليمي وبين المشكلة النووية الموجودة بالفعل
لكنها أيضا لا تملك ترف اتخاذ موقف يؤيد بأية صورة إمكانية امتلاك أية دولة أخرى لخيار نووي متطوفي ظل دعوتها لإخلاء المنطقة من تلك الأسلحة
وبالتالي فإن ما بدا على السطح هو أن مصر لا تقوم بشن حملة في أي اتجالكن ربما توجد قناعات بما يأتي.
الأولى أن نيات إيران ربما لا تتجه بالفعل نحو الدول العربية.
الثانية أن أسلحة إيران النووية المحتملة لن تفيد كثيرا في التعامل مع حالة إسرائيلبل على العكس قد تؤدي إلى تفاقمها.
وأضاف عبد السلام أنه على الرغم من ذلك، فإن هناك فوائد جانبية هائلة ترتبط بالمشكلة الحالية
فنهاية المشكلة النووية الإيرانية سلمياً بتوقف برنامج اليورانيوم الإيراني سوف تنهي أي احتمالات تالية لحدوث انتشار نووي على نحو يترك الحالة الإسرائيلية في العرابحيث يمكن طرح أفكار جادة بشأنها
أما إذا انتهت الأزمة الحالية بالصدام الكبير على نحو يدفع إيران إلى امتلاك السلاح النووفإن الإقليم سيشهد تغيرات كبرى ستطرح جداول أعمال مختلفة أمام الجميع.
وطالب الخبير الاستراتيجي بضرورة التمييز بين توجهات الرأي العام، وضمنه جماعات المثقفين، وبين التوجهات الرسمية للحكومات، والصورة هنا معقدة إلى حد كبير، بحيث يمكن رصد نقطتين.. الأولى، تتصل بالرأي العام الذي يتخذ موقفا بسيطا ومتوقعا ذا طابع غرائزي، فهو يؤيد ما تقوم به إيران، ويرفع صوته بالتشجيع المدوي لها.
الثانية تتصل بالحكومات التي يصعب عادة إدراك ما تفكر فيه، لكن ثمة مؤشرات بشأن قلق عربي مما تقوم به إيران، ورغبة في التوصل إلى تقديرات محددة حول ما يدور داخلها، في ظل إدراك لحقائق الصورة، فإيران حتى لو امتلكت السلاح النووي لن تتمكن من ضرب إسرائيل أو تهديد الولايات المتحدة فيما يتجاوز ردعهما عن مهاجمتها عسكريا أو محاولة التفكير في تغيير نظامها بالقوة كما فعلت في العراق، لكنها يمكنها أن تلعب بتلك الأسلحة كالسيف في مواجهة الدول المجاورة.
أما محمد عباس ناجي باحث متخصص في الشؤون الإيرانية فيرى أن الموقف العربي إزاء أزمة الملف النووي الإيراني يمثل استثناء من المعادلة فرغم ما يمكن أن يتمخض عن هذه الأزمة من تداعيات سوف تطول، في أغلب الحالات، مصالح وأمن الدول العربية، إلا أن الملاحظ أن ثمة عزوفاً عربياً عن الولوج مباشرة إلى داخل الأزمة والتعامل معها من منطلق الحرص على تجنب تداعياتها السلبية المحتملة موضحاً أن التقديرات المتعلقة بالملف النووي الإيراني تشير إلى سيناريوهات محتملة تقع الدول العربية في القلب منها وربما الأكثر خطورة، هو قيام إيران بتنفيذ تهديداتها التي وردت على لسان بعض مسؤوليها التي تتعلق ب ضرب مصالح أمريكية في الخليج وهنا أيضا سوف تصبح الأراضي العربية في مدى النيران الإيرانية.وأوضح عباس ناجي أن الموقف العربي من أزمة الملف النووي الإيراني يضبط أداءه محددان أساسيان:
المحدد الأول مفاده، أن ثمة اطمئنانا نسبيا لدى الدول العربية بأن أزمة الملف النووي الإيراني لن تصل إلى حافة الهاوية، بشن ضربة أمريكية، أو إسرائيلية، أو أمريكية - إسرائيلية مشتركة ضد إيران. أما المحدد الثاني، فيتلخص في أن ثمة تبايناً عربياً في رؤية الملف النووي الإيراني، إذ تنقسم الدول العربية في هذا الإطار إلى فريقين:
الفريق الأول يرى أن امتلاك إيران برنامجاً نووياً يمثل آلية يمكن أن تنهي حالة الاحتكار الإسرائيلي للسلاح النووي.
أما الفريق الثاني فيحاول استغلال هذا الملف لدعم الدعوة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
لكن وفي كل الأحوال لا يغيب عن أذهان القادة العرب في هذه اللحظة أن ثمة ازدواجية في التعامل الأمريكي مع القضية النووية في المنطقة.. وأشار ناجي إلى أن المبرر الخاص بإنهاء الاحتكار الإسرائيلي للسلاح النووي فيمكن الرد عليه بأنه في حالة امتلاك إيران سلاحاً نووياً، فإن ذلك من شأنه إنهاء هذا الاحتكار بالفعل، لكنه في الوقت نفسه سيعرض الدول العربية لحالة انكشاف إستراتيجي مزدوجة من قبل إسرائيل وإيران، وقد يمتد الأمر إلى تركيا الساعية بدورها إلى تدعيم دورها الإقليمي في المنطقة بعد تعثر خطواتها للانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني إمكانية خضوع المنطقة لمعادلة توازن ثلاثية سوف تكون الدول العربية الهدف المباشر لتداعياتها.
وذكر أشرف محمد كشك باحث في شؤون الخليج أن برنامج إيران النووي سوف يترك آثاراً عدة على المنطقة؛ أولها تهديد الاستقرار الإقليمي في المنطقة العربية وتكريس الخلل القائم في موازين القوى كما أن هناك آثاراً بيئية مباشرة، وتعد دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي سوف تصاب بالضرر المباشر من جراء الأسلحة النووية الإيرانية، حيث يقع مفاعل بوشهر الذي يعد أحد أهم مرافق المشروع النووي الإيراني على بعد 280 كم من مدينة الكويت، ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسية على تقنيات مستوردة من روسيا التي لا تملك عناصر الأمان النووي المضمونة.وبالتالي فإنه في ظل الحظر الغربي على الآلات والمعدات التي تستخدم في الصناعة النووية، فإن إيران قد تسعى لإنجاز وإتمام تسلحها النووي اعتماداً على آلات نووية أقل ضماناً، ومن ثم تصبح دول الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث تسرب.وثمة شواهد تاريخية على مثل هذه الأخطار، ومنها حادث تشرنوبل عام 1986م.
ومن ناحية أخرى، فإن إيران في محاولتها التخلص من النفايات النووية، قد تتجه إلى التخلص منه داخل الماء الثقيل في الخليج الأمر الذي من شأنه أن يخلق أزمة تلوث لكل دول المنطقة تنتج عن تسرب المواد النووية المشعة في مياه الخليج، وتستمر آثارها عشرات السنين.
السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ القانون الدولي يرى أن مشكلة الملف النووي الإيراني قد دخلت بالفعل طور التعقيد، ولكن الوطن العربي ما زال يتصرف حيال ذلك وكأنه ليس معنياً بهذه الأزمة.. وتساءل الأشعل كيف ينظر العالم العربي إلى التسلح النووي الإيراني من ناحية، وإلى الأزمة التي تثيرها الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية أخرى خصوصاً تهديد الولايات المتحدة؟ وأخيراً ما هو موقف العالم العربي من تداعيات الأزمة واحتمالات مهاجمة إسرائيل والولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية.
أجاب الأشعل بقوله: إنه من الصعب القول إن العالم العربي قد حسم موقفه من القضايا التي تثيرها أزمة المفاعل النووي الإيراني، فمن ناحية، هل يعتقد العالم العربي أن التسلح النووي الإيراني جزء من القوة الشاملة العربية ضد إسرائيل، وورقة في يد العرب عند التفاوض مع إسرائيل
هذا الاعتقاد يساور عدداً من الدول العربية، كما يساور القطاع الأكبر من الشعوب العربية التي تريد قوة إسلامية أو عربية في مواجهة القوة الإسرائيلية الكاسحة.
غير أن هناك اتجاهاً آخر ينظر إلى التسلح النووي الإيراني على أنه تهديد لدول المنطقة. وأضاف أن الموقف السياسي فهو متضمن فيما تعلنه الدول العربية جميعاً وفي مقدمتها مصر من أنها ملتزمة بسياسة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية، ومعنى ذلك أن قيام أي دولة في المنطقة بالتسلح النووي يناقض هذه السياسة، ومن ثم تستطيع الدول العربية أن تطالب إيران بوقف تسلحها النووي، ولفت الأشعل إلى أن فشل سياسة الولايات المتحدة في منع الانتشار النووي عندما ميزت بين إسرائيل وغيرها، وتساهلت مع كل من الهند وباكستان، وعندما كان مقابل هذا التساهل هو مساندة البلدين لها مساندة تامة في أفغانستان، فإن هذا الفشل سوف يغري دولاً أخرى مثل إيران وغيرها في أن تنظر إلى أمنها على أساس أن هناك فوضى في النظام الدولي، وأن الأمن الجماعي أصبح وهماً، وأن التمييز في المعاملة بشكل واضح أصبح قاعدة، وفي ضوء هذه الحقائق فإن الدول العربية يجب أن تهتم بمتابعة الأزمة النووية الإيرانية، وأن تدرس احتمال تطورها في مختلف الساحات، وأن تقرر لنفسها الموقف الذي يجب اتخاذه في ظل كل الاحتمالات، حتى لا تفاجأ بنتائج لا تستطيع تداركها أو مواجهتها.
وخلص أستاذ القانون الدولي إلى أن العالم العربي مطالب بأن ينظر بدقة في عدد من العوامل المهمة لتحديد موقفه.. أولها، أن إيران يجب أن تكون إضافة إلى قدرات العالم العربي والإسلامي، وثانيها أن نزع سلاح إيران لا يخدم في رأيي المنطقة العربية ولكنه يخدم إسرائيل وحدها، وثالثها أن إيران محاطة بالوجود الأمريكي من كل جانب، ولذلك فإن التسلح النووي يعد رادعاً مهماً ضد الولايات المتحدة إذا فكرت في مهاجمة إيران.
|