وداعُ هذا أو ذاك من أبناء هذا الوطن الحبيب نكاد نمر به كل يوم وقد يختلف وداع هذا عن ذاك، لكنْ الوالد عثمان الصالح - رحمه الله - لا بد أن يكون وداعه مميزاً.. لماذا؟ لأنه الرجل الذي توفرت فيه معظمُ - إنْ لم تكن كلها - صفاتِ الأخلاقِ الفاضلةِ والوفاء والكرم والمحبة التي فرضت على الجميع محبته واحترامه وتقديره؛ يؤكد ذلك ويشهد عليه تلك الجموع الغفيرة التي جاءت من داخل وخارج المملكة لوداعه وتقديم العزاء لأفراد أسرته ومحبيه الذين اكتظ بهم جامع الملك خالد والمقبرة التي دُفن بها وتلا ذلك استقبال أبنائه وأفراد أسرته طيلة أيام العزاء للمعزين الذين ضاقت بهم المجالس الذين لا أبالغ إذا قلت إن الذين يتقبلون العزاء لم يجلسوا دقيقةً واحدةً نظراً لكثرة الوافدين عليه كل هذا يدل أن أبا ناصر كان شخصية مميزة كيف لا وهو الذي أبلى بلاءً حسناً في تعليم وتربية أجيال عديدة على أسس سليمة ومتقنة، أضف إلى ذلك مقالاته الصحفية التي تناول فيها جوانب علمية وتربوية واجتماعية ووطنية، ودعوة إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة ومحبة ولاة الأمر، ولم يمنعه مرضه - رحمه الله - من مواصلة أعماله الخيرة حينما تبنى ما بين فترة وأخرى إثنينيته المعروفة التي يستضيف فيها نخبة من العلماء والأدباء والمؤرخين والمفكرين وينصب البحث خلالها على ما يعود على المجتمع بالخير والفائدة، وعندما أعجزه المرض عن حضورها استمر أبناؤه بناءً على توجيهاته في إقامتها، أما بالنسبة للمناسبات أياً كان نوعها سواء ما يتعلق منها بالندوات والمحاضرات وجلسات ولاة الأمر والعزاء والأفراح وزيارة الأصدقاء والمرضى، فإنَّه - رحمه الله - متفوق على غيره في هذه الناحية، أما إذا جلست معه وكنت من بين الذين يزورونه ما بين فترة وأخرى، فإنك تسعد كثيراً لما تستفيد منه، ولا أذكر أنني رأيته مضطرباً فالبشاشة باستمرار مرسومة على وجهه، ومن تواضعه يشعر كلُّ مَنْ حوله ممن هم أكبر منه أو أصغر أنه بمثابة الأخ الصغير لهم، كما أنني لا أذكر أنه تناول أحداً من الناس بما يكرهه، فالثناء على الناس والدعاء لهم بالتوفيق هذا ما يغلب عليه لسانه، وله من المزايا الأخرى الطيبة ما لا يحضرني حصرها نظراً لكثرتها وتنوعها وليس بغريب أن أعزي نفسي به، فوالدي حمد المالك - رحمه الله - وعموم أسرة المالك تربطهم بالفقيد علاقة صداقة ومحبة وصلة مميزة، فتبادل الزيارات بينه وبين الوالد وابن عمي محمد بن عبدالله المالك بالرس وبالبقية منا بالرياض كانت مستمرة وكنا أشبه ما نكون بأسرة واحدة؛ أرجو الله سبحانه وتعالى وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجبر مصابنا ومصاب ذويه فيه وأن يعظم الأجر وأن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يعفو عن زلاته وأن يجعله ممن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأن يجعل مَنْ بعده خير خَلَفٍ لخير لسلف و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
|