درجت العادة في أوساط الصحافة، بمناسبة كل عام جديد، على اختيار رجل من البارزين، وعلى إطلاق هذا اللقب عليه: رجل السنة.
فإن بعضهم رأى أن رجل السنة على الصعيد العالمي كان نيكسون.. لولا إقدامه على غارات الذعر فوق سكان هانوي قبيل انتهاء السنة.
أما في القارة الإفريقية فيبدو أن معظم المعلقين يرون في رئيس أوغندا الجنرال عيدي أمين (رجل السنة) وبديهي أن مقاييس الاختيار باختلاف النزعات والميول، ومهما يكن من ذلك فليست هذه العادة الشائعة على عتبة كل سنة جديدة سوى أسلوب صحافي لوصف رجل من رجال السياسة المعاصرين.
وعلى هذا فكيف يصفون الجنرال أمين الذي قالوا: إن جميع المتناقضات قد وجدت سبيلاً للتساكن لديه. ومنهم فئة ترفعه إلى السحاب، ومنهم فئة تتهكم على قراراته الفجائية، وتطوى بين ميزاته كل ميزة حسنة، فلا ترى سوى العيوب.
الحق يقال: إنه من العسير جداً وصف هذا الرجل الذي يعرف أن يراوح بين القساوة والطلاوة وأن يناوب بين الشدة واللين، وبين الغضب والابتسام.
منذ تسلمه مقاليد الحكم في 25 يناير (كانون الثاني) من سنة 1971م لم يزل يحير المحللين - السياسيين فإن لندن كانت ولم تلبث طويلا حتى غيرت رأيها تظن انه ألين من سلفه أوبوتي! إذ لاحظت ان هذا الجندي السابق في جيش الجلالة البريطانية إنما يعاندها بصلابة مدهشة، ويرد لها الحجر بالحجر! فعندما هددته لندن بقطع المعونة البريطانية إذا طرد الآسيويين، أجابها من كامبالا ان المعونة البريطانية لا تهمه، وأن خير ما يمكن ان يفعله البريطانيون هو أن يسحبوا رعاياهم من أوغندا.
ولما قالت له لندن: إنه يسلك التمييز العنصري، إجاب عيدي أمين: إنما أنتم العنصريون بدليل أنكم قيدتم دخول مواطنيكم الآسيويين إلى بلادكم بحجة أن لونهم يختلف عن لونكم!
ولما سافر الوزير البريطاني جوفروا ريبون إلى كامبالا للتفاوض مع عيدي أمين فانما اضطر إلى الانتظار بضعة ايام ريمثما يرضى رئيس أوغندا استقباله، وهذا ما لم تسمع به أذن بريطانية حتى الآن! فكيف يمكن أحدا من رعايا الجلالة البريطانية والكومنولث البريطاني أن يرفض استقبال وزير اليزابيث؟
غير أن الدهشة من سلوك عيدي أمين، ومن قراراته الفجائية لم تقتصر على البريطانيين فقط، فإن الإسرائيليين أيضا قضوا عجبا من قراره عندما قطع كل علاقة مع إسرائيل حيث كان قد تدرب على فن الهبوط بالمظلات وتخرج برتبة ضابط، وكان الاسرائيليون يظنون قبل ذلك انه لهم في اوغندا حليف وصديق امين.
وتذكر أنه قال بتلك المناسبة: استقلال بلادكم يتقدم في نظري على كل اعتبار آخر، ولذلك لا أرضى بأن يهتم المعاونون الإسرائيليون بشؤون أوغندا اسرائيليون متسترون وراء جواز سفر أمريكي..)
وقيل يومئذ في تل أبيب: إن هذا القرار غير لائق ببطل سابق في الملاكمة، وكان ذلك تلميحا إلى الملاكم عيد أمين الذي ظل مدة تسعة اعوام منفردا ببطولة الملاكمة في الوزن الثقيل. والحق ان ملامحه الخارجية لم تزل إلى اليوم ملامح الملاكم العريض المنكبين الغليظ الرقبة الصلب الجمجمة العريض الكفين وفضلا عن الملامح البدنية فإنه قد ظل متميزاً بحب الهجوم والمبادرة على خطة القائلين: بادئ خصمك باللكمة قبل أن يعاجلك بلكمة أوجع منها..
أما الرئيس السابق اوبوتي فإنه يصح القول: إنه كان أول من صرعهم عيدي أمين، فقد اتخذه سلما إلى كرسي الرئاسة ففي سنة 1962م عندما استقلت اوغندا إنما أتاح له الوزير درجات السلم العسكري، وهو الذي أسند إليه أهم المهمات وخاصة قمع فتنة أمير يوغندا السير موتيسا، ولما أصبح أوبوتي رئيس دولة أسرع إلى مكافأة عيدي أمين فعينه رئيساً لأركان الجيش لأنه كان يعتبره عماد النظام في أوغندا.
ومنذ ذلك الحين انفتحت له دهاليز الحكم فانتهز غياب ابوتي في سنغافورة بمناسبة حضوره مؤتمر الكومنولث فحل محله على كرسي الرئاسة.
وكان بعضهم قد ظن يومئذ ان اوبوتي لن يلبث طويلاً حتى يسترجع منصبه السليب، فقد عرف بحذاقة ديبلوماسية نادرة.
لكن الوقائع كذبت ظنهم إذ تكشف عيدي أمين عن مهارة قليلة النظير، فاستطاع أن يجتذب جميع المستائين من الرئيس السابق المخلوع، وأغرب ما يحكى أن الآسيويين الذي طردهم عيدي امين منذ بضعة أشهر انما كانوا قد ساندوه عندما انتزع الحكم من أوبوتي لأنهم كانوا خائفين متوجسين شراء من قرارات التأميم!
أما اليوم فان لعيدي أمين دعامة شعبية وخاصة لدى الذين استفادوا من ممتلكات الآسيويين المطرودين، وله دعامة في صفوف الجيش حيث شجع طبقة الضباط الشباب وكافأهم بترقيات مختلفة.
هذه هي صورة هذا الرجل البالغ طوله 190 سنتمتراً ووزنه 120 كيلو غراما، رجل ذو قبضة حديدية وسياسي يحير كل المحللين اذ له طاقة باعلان اخطر القرارات وثغره مفتر بابتسامة لا تتوقف.
|