Monday 3rd April,200612240العددالأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

لا تلوموه إذا غضبا لا تلوموه إذا غضبا
عبدالله الصالح العثيمين

(لقد ظهر لنا من البيان الذي نُشِرَ عن موقف أمريكا أن قضية فلسطين قد نُظر إليها من وجهة نظر واحدة هي وجهة نظر اليهود والصهيونية، وأهملت وجهات نظر العرب. وقد رأينا من آثار الدعايات اليهودية الواسعة النطاق أن الشعب الأمريكي الديمقراطي قد ضُلِّل تضليلاً عظيماً أدَّى إلى اعتبار مناصرة اليهود على سحق العرب في فلسطين عملاً إنسانياً، في حين أن مثل ذلك ظلم فادح وُجِّه إلى شعب آمن مستوطن في بلاده).
كان ذلك الكلام الجميل مما ورد في رسالة بعثها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1938م؛ أي قبل قيام دولة الصهاينة على أرض فلسطين العزيزة بعشرة أعوام، وقبل الآن بثمانية وستين عاماً. ولقد أصاب فيه الملك المخلص كبد الحقيقة. وإن ذلك الوضع لم يزده مرور تلك السنوات إلا سوءاً بالنسبة لنظر قادة أمريكا إلى قضية فلسطين.. قضية العرب الأولى، بل إن ذلك التضليل واكبه مجيء زعامات واضحة التصهين إلى سدَّة الحكم في تلك الدولة التي أصبحت الآن المتحكمة الأولى في تسيير شؤون العالم.
وبعد أن فنّد الملك عبدالعزيز في تلك الرسالة أقوال الصهاينة في حقهم بفلسطين تفنيداً مستنداً إلى حقائق تاريخية واضحة كل الوضوح قال:
(أما دعوى اليهود، التي يستثيرون بها عطف العالم، أنهم مشتَّتون في البلدان ومضطهدون فيها، وأنهم يريدون إيجاد مأوى يأوون إليه ليأمنوا على أنفسهم من العدوان الذي يقع عليهم في كثير من الممالك، فالمهم في هذه القضية هو التفريق بين القضية اليهودية العالمية، أو اللاسامية، وقضية الصهيونية السياسية. فإن كان المقصود هو العطف على اليهود المشتَّتين، فإن فلسطين قد استوعبت منهم مقداراً عظيماً لا يوجد ما يماثله في أيِّ بلد من بلدان العالم؛ وذلك بالنسبة لضيق أرض فلسطين، وبالنسبة لأراضي العالم التي يقيم اليهود فيها).
وبعد أن أشار الملك إلى موقف العرب مع الخلفاء في الحرب العالمية الأولى أملاً في الحصول على حقوقهم قال:
(إن العرب وجدوا أنفسهم بعد نهاية تلك الحرب قد خُذلوا، وقُسِّمت بلادهم تقسيماً جائراً، وأُوجِدت لهذه الأقسام حدودٌ مصطنعةٌ لا تبررها عوامل جغرافية ولا جنسية ولا دينية. وعلاوة على ذلك وجدوا أنفسهم أمام خطر أعظم هو خطر غزو الصهيونية لهم واستملاكها بقعة من أهم بقاعهم).
وما قاله الملك عبدالعزيز - رحمه الله - صحيح يبيِّن كيف انخدع قادة العرب بوعود الذين يدرك مَنْ تأمل تاريخهم أنهم لا أيمان لهم. وإذا كان ذلك الانخداع مأساة، فإن عدم التنبُّه إلى تحلِّي أعداء أمتنا بصفة الخداع، ومن ثمَّ استمرار الثقة بوعودهم، أعظم مأساوية وأشدُّ فداحة. ما ذا كان ردُّ الرئيس روزفلت على رسالة الملك عبدالعزيز الصادقة؟ كان ردُّه أن أحاله إلى بيان وزارة خارجيته الذي ورد فيه:
(إن الشعب الأمريكي قد اهتم اهتماماً وثيقاً عدة سنين برقي الوطن القومي اليهودي في فلسطين. وكل رئيس؛ ابتداءً من الرئيس ولسون، قد عبَّر عن اهتمامه الخاص في مناسبة واحدة، أو مناسبات عدَّة، بفكرة وطن قومي، وأبدى سروره بالتقدم الذي وصل إليه إنشاء هذا الوطن. وفوق ذلك فقد عبَّر عن عطف الأمريكيين على الوطن اليهودي في فلسطين. وإن رأي لجنة الشؤون الخارجية ليعبِّر عن اهتمامنا الأدبي وخطّتنا الودِّية نحو إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.. وإنه في ضوء هذا الاهتمام قد راقبت الحكومة الأمريكية وشعبها بأشدِّ العطف تدرُّج الوطن القومي في فلسطين؛ وهو مشروع لعب فيه الذهب ورأس المال الأمريكي دوراً رئيسياً).
وحين قابل الملك عبدالعزيز الرئيس روزفلت، عام 1945م، سأله الأخير عن رأيه في المكان الذي يمكن أن يأوي إليه المشرَّدون من اليهود، فأجابه: من أين شرِّدوا؟ كُلٌّ يعود إلى بلده. فقال روزفلت: سمعت من ستالين أن الألمان قتلوا أربعة ملايين من اليهود في بولونيا. فقال الملك: لماذا لا يرجع اليهود إلى هذه الأماكن التي شرِّدوا منها؟ وعندما قال له روزفلت: (إنه يرغب بتزويد المملكة بمكائن وآلات زراعية حتى تنتج ثمراتها) أجابه بقوله: ما دام اليهود في بلادنا (أي فلسطين) فلا نريد زراعة، ونفضِّل الموت على الزراعة.
كان ذلك هو موقف أمريكا في عهد رئيسها روزفلت، الذي كان موقفه أقلَّ سوءاً من مواقف مَنْ أتوا بعده من الرؤساء الذين بلغت مواقفهم من السوء درجة عالية. على أن موقف الإدارة الحالية لم يقتصر على دعمها الدولة الصهيونية، دعماً غير محدود بل امتد إلى كل ما من شأنه إضعاف العرب والمسلمين وفي طليعة ذلك ما ارتكبته من عدوان شنيع على أرض العراق واحتلال لها، وإيصال الأوضاع فيها إلى ما وصلت إليه من جرائم التقتيل والتدمير للبنية الأساسية، والتخريب للموروث الحضاري العظيم وكل ما ارتكب هناك يخدم - بالدرجة الأولى - مصالح الكيان الصهيوني، الذي صرح قائد أركان القوات الأمريكية بأن احتلال العراق وما تلاه كان في طليعة أهدافه خدمة ذلك الكيان.
وإيضاح تلك الحقائق إسهام فيه ما فيه من إبراء لذمة قلم كل من يستطيع ذلك الإيضاح. لكن هناك مَنْ يضيقون ذرعاً بذكر الحقائق لأسباب مختلفة. وكان كاتب هذه السطور في جلسة أخوية مع أصدقاء له، وتشعَّب الحديث حول الأوضاع العربية المأساوية التي تمرُّ بها أمتنا المنكوبة، فذكر أحدهم أن فلاناً من الناس غضب على الكتابة عن مواقف الإدارة الأمريكية، التي ترتكب بحق هذه الأمة ما ترتكب من عداوة سافرة وكانت الإجابة عما ذكر من غضب الغاضب هذه الأبيات:


لا تلوموه إذا غضبا
مثلكم مَنْ يعرف السببا
حبُّ أمريكا تملَّكه
فغدت أماً له وأبا
وغدا يهذي بطاعتها
ويرى تمجيدها قُرَبا
ومُعنَّى الحب مهجته
تفتدي محبوبه طربا
ما له إن كان فاتنه
يكره الإسلام والعَرَبا
أو يكن عرَّاب صهينة
تبتني في قدسنا نُصُبا
أو يكن قد دكَّ جحفله
صلفاً بغداد واغتصبا
فتجلَّى فوق ساحتها
بطش هولاكو وما ارتكبا
ولكم فينا من افتُتِنت
نفسُه الرعناءُ بالغُرَبا
عربيٌّ في ملامحه
عاجزٌ أنْ يخفي الجربا
يا لعصرٍ بات ديدنه
أينما تنظر تجد عجبا

وإذا كان عداء الصهاينة وأعوانهم من المتصهينين لأمتنا مفهوماً، فإنَّ الدفاع عن ذلك العداء أو الغضب ممن يوضِّحه، أشدُّ مضاضةً على نفوس المؤمنين بقضايا أمتهم.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved