* لقاء - وليد البهكلي:
العلاقات المتنامية بين المملكة واليابان هي نتاج لجهود متعددة من الجانبين، وهي تشكل مصدراً من مصادر المنفعة المتبادلة التي يجنيها الشعبان السعودي والياباني.
ولعل من أهم القنوات التي تدعم هذه العلاقات وتقوي من عضدها العمل الدبلوماسي المشترك، حيث تمثل السفارات عنصراً مهماً في نماء العلاقات وازدهارها في عالم اليوم.
سعادة السفير فوق العادة والمفوض للمملكة العربية السعودية لدى اليابان فيصل بن حسن طراد يفتح عقله ل(الجزيرة) من خلال السطور القادمة، حيث كشف بالأرقام بعض ثمار العلاقات المتميزة التي تربط بين شعبي المملكة واليابان، كما تحدث عن العلاقات بين البلدين وبعض الركائز التاريخية التي تستند إليها.
* في البداية نود أن تتحدثوا - سعادة السفير - بإعطائنا نبذة عن العلاقات السعودية اليابانية، وملمحاً عن الإنجازات التي تحققت إبان توليكم أعمال سفارة خادم الحرمين الشريفين بطوكيو؟
- بدأت الاتصالات الرسمية بين اليابان والمملكة العربية السعودية في العام 1938م عندما مثل الوزير المفوض بسفارة المملكة العربية السعودية في لندن السيد حافظ وهبة المملكة في حفل افتتاح مسجد طوكيو، ورداً على ذلك قام السيد ماسايوكي يوكوياما - موفد اليابان إلى مصر - بزيارة للمملكة العربية السعودية في عام 1939م حيث التقى فيها بجلالة الملك عبد العزيز (طيب الله ثراه) في الرياض، وفي عام 1953م أرسلت اليابان وفداً اقتصادياً إلى المملكة العربية السعودية، وفي يونيو عام 1955م أعلنت الدولتان عن إنشاء العلاقات الدبلوماسية بينهما.
ولقد ظلت العلاقات الثنائية حتى اليوم تتخذ مساراً يبعث على الرضا، فقد مثلت الزيارة الرسمية التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى اليابان عام 1960م (عندما كان وزيراً للمواصلات) بداية للزيارات الثنائية بين كبار الشخصيات في البلدين، وفي عام 1971م زار جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز (يرحمه الله) اليابان، وأصبحت الزيارات المتبادلة بين أعضاء الأسرة الإمبراطورية اليابانية وتلك التي على مستوى رئيس الوزراء مألوفة، ففي عام 1981م زار جلالة الإمبراطور الحالي أكيهيتو (عندما كان ولياً للعهد) والإمبراطورة ميتشيكو المملكة، وفي نوفمبر عام 1994م فتحت الزيارة التي قام بها سمو ولي العهد الإمبراطوري الأمير ناروهيتو والأميرة ماساكو إلى المملكة العربية السعودية فصلاً جديداً في تاريخ علاقات الصداقة بين العائلتين.
وفي سبتمبر عام 1995م قام رئيس الوزراء الياباني السيد توميئيتشي موراياما بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، وفي العام 1998م وقع كل من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود (ولي العهد آنذاك) خلال الزيارة التاريخية التي قام بها لليابان، ورئيس الوزراء الياباني الراحل السيد كيزو أوبوتشي على البيان المشترك الذي يتعلق بالتعاون بين المملكة واليابان تجاه القرن الواحد والعشرين والذي تم تصميمه لكي يشكل اتجاهاً جديداً لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في القرن الجديد، كما شهدت هذه الزيارة التوقيع على برنامج التعاون الياباني- السعودي الذي يغطي وعلى نحو شامل المجالات السياسية والاقتصادية ومجالات التعاون الأخرى التي رسمت المسيرة الجديدة في طريق التعاون الاستراتيجي المشترك بين البلدين. وفي عام 2001م قام وزير الخارجية الياباني آنذاك السيد يوهي كونو بزيارة إلى المملكة العربية السعودية وأعلن خلالها عن مبادرة في المجالات الثلاث: تشجيع الحوارات مع العالم الإسلامي، وتنمية موارد المياه، والدخول في حوارات سياسية متنوعة.
وخلال الزيارة التي قام بها دولة رئيس الوزراء الياباني الحالي السيد جونيتشرو كويزومي إلى المملكة في عام 2003م قرر هو وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يستضيف البلدان مناسبات تذكارية في العام 2005م احتفالا بذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وفي أغسطس من هذا العام 2005م جاءت زيارة سمو ولي العهد الياباني هيرونوميا ناروهيتو إلى المملكة لتقديم واجب العزاء في وفاة المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبد العزيز لتؤكد عمق العلاقات الودية بين البلدين.
وقد صادف العام الماضي 2005م احتفالات البلدين الصديقين بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشاء العلاقات الدبلوماسية بينهما حيث تولت كل من سفارة المملكة العربية السعودية في طوكيو وسفارة اليابان في الرياض إقامة العديد من النشاطات والفعاليات للاحتفال بهذه المناسبة، وقد قامت سفارة المملكة في طوكيو بالعديد من النشاطات والفعاليات منها:
* مسابقة أولمبياد اللغة العربية بمشاركة نائب وزير التعليم الياباني ومدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وسفير المملكة التي عقدت في المعهد العربي الإسلامي بطوكيو في فبراير 2005م.
* حفل استقبال جمعية الصداقة اليابانية السعودية للترحيب بسفير المملكة في فبراير 2005م.
* عقد الاجتماع السادس لمجلس رجال الأعمال السعودي الياباني في طوكيو في مارس 2005م.
* زيارة وفد شباب المملكة لليابان في مارس 2005م ولمدة أسبوعين.
* حفل استقبال كبير أقامه سفير المملكة بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين السعودية واليابان، حضره عدد من الوزراء وأعضاء البرلمان الياباني وعدد كبير من المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى اليابان وجمع من المدعوين، أقيم الحفل في يوم 12 ابريل 2005م.
* حفل سباق الخيل على كأس خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والكأس الخاص بمناسبة الخمسين عاما الذي أقيم في ميدان سباق الخيل بطوكيو في مايو 2005م.
* فعاليات اليوم السعودي ضمن مشاركة المملكة في معرض إكسبو 2005م، وحفل استقبال أقيم في مدينة ناغويا في محافظة إيتشي في 9 سبتمبر 2005م.
* حفل الاستقبال الكبير الذي أقامه سفير المملكة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في 26 سبتمبر 2005م.
* إقامة لقاء ثقافي اجتماعي بعنوان الليلة السعودية Saudi Night في جامعة طوكيو للبنات بمشاركة الوفد النسائي السعودي العالي المستوى والمكون من عشر نساء بدرجة أستاذ وأستاذ مساعد في وزارة التربية والتعليم بالمملكة في 13 ديسمبر 2005م.
وحيث صادف العام الماضي مشاركة المملكة العربية السعودية في معرض إكسبو 2005م الذي أقيم في محافظة إيتشي في اليابان لمدة ستة أشهر، والذي قام سعادة السفير بالمشاركة في افتتاحه في مارس 2005م، كما قامت السفارة بالتنسيق والإعداد والترتيب لكثير من الفعاليات والنشاطات خلال المعرض، أهمها زيارة ولي العهد الإمبراطوري الياباني للجناح واليوم السعودي المشار إليه سابقاً، حيث بلغت مساحة جناح المملكة ألف متر مربع شمل ثلاثة أقسام: القسم الأول يمثل الماضي وعراقته والثاني يمثل الحاضر وإنجازاته والثالث يمثل المستقبل وتطلعاته، وقد قدّم الجناح صورة حضارية مشرفة عما وصلت إليه المملكة من تطور في جميع المجالات، وقد بلغ عدد زوار الجناح السعودي في هذا المعرض حوالي 2,4 مليون زائر أي حوالي 10% من إجمالي عدد الزوار لمعرض إكسبو.
هذا بالإضافة إلى مشاركة السفارة في العديد من البرامج والندوات الثقافية والتعليمية، وقد أقامت السفارة عدداً من الندوات والمحاضرات كان أهمها ندوة (الليلة السعودية) وندوة بعنوان (المرأة السعودية) التي أقيمت في السفارة، بالإضافة إلى العديد من المحاضرات واللقاءات التي قامت بها السفارة، كما قامت بالعديد من النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كالزيارات والاستقبالات الرسمية والمشاركة في الاجتماعات وإقامة الندوات واستقبال طلبة المدارس اليابانية وزيارة المدارس وغيرها من الأنشطة التي ساهمت في تحقيق الكثير من الإنجازات على مستوى تطوير العلاقات بين البلدين، وقد بلغ العدد التقريبي لهذه الأنشطة خلال العام الماضي أكثر من 500 نشاط في مختلف المجالات.
دعم التواصل بين رجال الأعمال
* ما هو دور السفارة السعودية في اليابان من حيث الخدمات التي تقدمها لرجال الأعمال في البلدين لتسهيل عملية التواصل بينهم؟
- تساهم السفارة بدور كبير في الإعداد والتنسيق لعقد الاجتماعات السنوية لمجلس رجال الأعمال السعودي- الياباني التي تقام سنوياً بين كل من طوكيو والرياض لتعميق أواصر التعاون والتفاهم بين رجل الأعمال في كل من البلدين، وقد عقد الاجتماع السادس للمجلس في طوكيو في مارس من العام الماضي ويعقد الاجتماع السابع حالياً في الرياض.
وقد قامت السفارة وبالتنسيق مع مكتب هيئة التجارة الخارجية اليابانية (جترو) JETRO والمركز الياباني للتعاون مع الشرق الأوسط
JCCME، بدعم وتفعيل تبادل الزيارات بين الوفود
التجارية والمشاركة في الأنشطة والمعارض في كلا البلدين إضافة إلى تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين اليابانيين للاستثمار في المملكة بالتنسيق مع الهيئة العامة للاستثمار، وقد تم إقامة عدد من الأنشطة كان أهمها منتديان لتشجيع الاستثمار أحدهما في مارس للعام 2005م والآخر في مارس من هذا العام شارك فيها ممثلون من الهيئة العامة للاستثمار، كما قامت السفارة بالمشاركة في عدد من المعارض التي تساهم في تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين اليابانيين للاستثمار في المملكة.
كما تقوم السفارة أيضاً بدعوة الوفود السعودية المشاركة في البرامج في المناسبات التي تعدها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي JICA والتي تقوم بالتنسيق مع السفارة في دعم التعاون الفني والتقني بين البلدين، إضافة إلى ذلك تحرص السفارة على تسهيل منح تأشيرات الدخول لرجال الأعمال اليابانيين والتي يتم إصدارها خلال أربع وعشرين ساعة، وقد بلغ إجمالي التأشيرات الصادرة للزائرين اليابانيين للمملكة خلال العام الماضي أكثر من 3800 تأشيرة.
* تم الإعلان مؤخراً عن ارتقاء اليابان في حجم مستوى استثماراتها في المملكة وأصبحت تمثل المركز الأول في هذه الاستثمارات فما هي نظرتكم لذلك؟ وكيف تقيمون مستوى العلاقة الحالية بين البلدين؟
- بدأ التعاون الاقتصادي بين المملكة واليابان عندما حصلت شركة الزيت العربية اليابانية على حق امتياز التنقيب عن النفط عام 1957م في الجزء الساحلي للمنطقة المحايدة بين المملكة والكويت واكتشفت الشركة البترول مع حفر أول بئر واستمرت عمليات استخراج النفط مدة أربعين عاماً حتى انتهى عقد الشركة في عام 2000م، وكانت الحكومتان السعودية واليابانية قد أبرمتا اتفاقية تعاون اقتصادي وفني في عام 1975م تشكلت على إثرها لجنة مشتركة لبحث سبل التعاون ومجالاته، وفي أكتوبر عام 1998م وقع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد على برنامج التعاون السعودي الياباني الذي شمل مجالات اقتصادية وثقافية وعلمية وتقنية وإعلامية.
وفي مجال الطاقة امتلكت شركة أرامكو السعودية مؤخراً حصة 15% من شركة (شواشيل اليابانية) الذي سيوفر حوالي 300 ألف برميل من البترول السعودي الخام لسد حاجة اليابان من الزيت الخام والمنتجات البتروكيماوية، وفي شهر أغسطس الماضي وقعت شركة سوميتو اليابانية للبتروكيماويات وشركة أرامكو السعودية مشروعاً مشتركاً بقيمة 8.5 بلايين دولار لإنشاء أكبر مجمع في العالم لتكرير الزيت الخام وإنتاج البتروكيماويات وذلك في مدينة رابغ.
وعلى صعيد التبادل التجاري بين البلدين بلغ حجم التبادل في عام 2004م حوالي 22.1 بليون دولار، وبلغ الفائض لصالح المملكة ما مجموعه 18.4 بليون دولار، كما أن المملكة تحتل المركز الأول في قائمة الدول المصدرة للبترول إلى اليابان.
* بعد دخول المملكة منظمة التجارة العالمية وأصبحت شريكاً اقتصاديا على المستوى العالمي ما هي خططكم المستقبلية كسفير للمملكة لتطوير العلاقات التجارية والسياسية بين البلدين؟
- لقد دعمت اليابان منذ اليوم الأول انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، ورحبت بذلك الانضمام واعتبرته إضافة هامة للتعاون التجاري والاقتصادي الدولي، وسيتيح هذا الانضمام الفرصة لفتح قنوات جديدة للاستثمار المشترك بين البلدين على الأخص في مجال الخدمات وتبادل البضائع.
وقد أعلن مؤخراً عن اتفاق بين كل من دول مجلس التعاون الخليجي واليابان على البدء في التفاوض لتوقيع اتفاقية مناطق التجارة الحرة بين الجانبين، والتي لن تقتصر فقط على حرية تبادل البضائع بل ستشمل الخدمات ورأس المال.
ومن المفترض إتاحة الفرصة لدعم الصناعات التحويلية في المنطقة وتخفيض الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.
مساع لزيادة المبتعثين
* هنالك العديد من الطلاب السعوديين المبتعثين للدراسة في اليابان هل ترون أن هذه البعثات الدراسية قد حققت الهدف المرسوم لها في تعليم أبناء المملكة وإفادتهم من الخبرات التكنولوجية في بلد كاليابان؟ وهل سيكون هناك زيادة في أعداد هؤلاء الطلاب مستقبلاً؟
- منذ عام 1973م وحتى عام 2000م تمكن أكثر من 149 طالباً سعودياً من الدراسة في الجامعات والمعاهد اليابانية ضمن برنامج المنح الذي أشرفت عليه شركة الزيت العربية، وتابع 63 طالباً دراستهم ضمن برنامج شركة أرامكو السعودية للمنح الخارجية ولا يزال عدد منهم مستمرين في تلقي تحصيلهم الدراسي، هذا عدا العشرات من الطلاب الذين تخرجوا من الجامعات اليابانية ضمن برنامج المنح الدراسية للدراسات الجامعية والدراسات العليا الخاص بوزارة التعليم اليابانية، حيث استفادوا كثيراً من الخبرات التكنولوجية والفنية المتقدمة والتي تتميز بها اليابان وقد التحق الكثير منهم بمجالات صناعية وتقنية وأكاديمية ومراكز وظيفية هامة مازال الكثير منها يخدم المصالح المشتركة بين البلدين في شتى المجالات.
وقد شهد العام الماضي تحولاً جديداً في أعداد الطلاب السعوديين الذين قدموا للدراسة في الجامعات اليابانية على نفقتهم الخاصة أو على منح وزارة التعليم العالي، وتعمل السفارة بالتنسيق مع الوزارات المعنية في المملكة على الاهتمام بهؤلاء الطلاب ورعاية مصالحهم، ويقدر عدد الطلاب السعوديين القادمين للدراسة في الجامعات اليابانية لدرجات البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه حوالي 30 طالباً، إلا أن هناك اتصالات جارية للتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون العلمي بين وزارة التعليم العالي في المملكة ونظيرتها اليابانية لزيادة أعداد الطلاب المبتعثين في جميع التخصصات.
|