|
انت في"الرأي" |
|
أدرك يقيناً أن الإنسان لا يؤخذ بجريرة غيره، بمعنى أن من ارتكب المخالفة، لا يجوز بحال من الأحوال معاقبة غيره، لأن هذا يندرج في إطار الظلم والاعتداء، وقد علمنا ديننا الحنيف هذه الأسس السليمة، فقال الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ومن المعلوم بأن الأخلاق وسموها كقيمة إنسانية كريمة، نبيلة، تبرز مآثرها من خلال التعامل أياً كان نوعه، سياسياً أم اقتصادياً، أم غير ذلك، ويندرج حتماً في إطار سمو الأخلاق، الاحترام كعنصر مؤثر في تنمية العلاقات من جهة، وكقيمة تتكئ على حسن الظن، والنية الحسنة من خلال التعامل، وبناء علاقة حضارية خلاقة، تنبذ العنف، وتشتت الأحقاد، وتزيل الكراهية، كما هي رسالة السماء للإنسان بإعمار الأرض لا دمارها، فكانت الأديان السماوية تهذيباً للنفس ورفع مكانة الانسان وإعلاء قدره وتعريفه بخالقه، وإرشاده إلى طريق الصواب، ويظل احترام المشاعر نبراساً مضيئاً، يكسو القلوب بوشاح النبل، المستعصي على الاختراق، وخصوصاً في جانب الكرامة، وكما هو معلوم فإن أغلى ما يملكه الإنسان هو دينه، لذلك كان التجاسر والنيل من الدين بأية صفة كانت، يُعد امتهاناً للكرامة، ولا أجد عاقلاً على وجه هذه البسيطة يقبل التطاول على المولى وكتبه ورسله، لذلك فإن رد الفعل إزاء ما يحدث جراء هذا الإخلال والنيل من الثوابت، من الطبيعي أن يكون عنيفاً مزلزلاً، ومن لا ينتصر لمبادئه تسقطه مآربه، في تقصير سيحاسب عنه، وأود أن أهمس في آذان العقلاء في الدنمارك بأن دين الإسلام الخالد ليس دين استعداء وبغي وظلم، بل دين الحق الذي أرسل للناس كافة ونبي الهدى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، حمّل هذه الأمانة، وبشر بها، وورد في الحديث الشريف (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وأجزم واثقاً أن الكثيرين لا يعلمون عن نبينا الشيء الكثير، بل قد يكون التضليل أحد الجوانب المكرسة لابتعاد الحقائق وتحويرها على نحو يستخف بالحس الإنساني النبيل، ويعبث بعقله ويجرده من قيمته المعنوية الجديرة بتلقي الحقائق كما هي، وسؤالي إلى عقلاء الدنمارك هو، ما المحصلة من وراء استفزاز المشاعر بهذه الصيغة الفجة والتي لا يقبلها عاقل كائناً من كان؟ فضلاً عما يحدثه من إثارة للضغينة والكراهية، وتأصيلاً للعداء المنبثق من رحم الخطيئة، وديننا الحنيف يأمرنا باحترام الأديان، بل إن من أركانه الإيمان بالله وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره، فكانت المعايير الأخلاقية في إطار هذا الركن العظيم، محوراً رئيساً في مسيرة المسلم من المهد إلى اللحد، ولم يكن تجاوز هذه الخطوة يندرج في نطاق حرية التعبير، بل إن المؤمن لا يتجرأ على هذا الأمر، فضلاً عن التفكير فيه. وإذا كان الهدف من نشر هذه الرسومات المؤذية يقصد به الابتسامة وإضحاك القراء، فهل تكون في الاستهزاء برسل رب العالمين، وإيذاء مشاعر الملايين من المسلمين؟ وهل ضاق الأفق وانحسرت المدارك إلى هذا المستوى المخل بشرف المهنة وآدابها؟ وهل يُعتقد بأنها ستزعزع الثقة أو تنال من محبته صلى الله عليه وسلم، ونحن نصلي عليه ونسلم عشرات المرات في اليوم والليلة، لم يكن العقل ليخالف المنطق، ولم يكن المنطق إلا تقنيناً موضوعياً لفرضية القبول وعدمه في إطار القناعة المطلقة بالحقوق معنوية كانت أم مادية وحتمية حفظها، لأن انتهاكها يخالف المنطق بأبعاده المتسقة مع افطار الموضوعي للجوانب الإنسانية، ومراعاة هذه الجوانب ومن ضمنها بلا ريب احترام المشاعر والأحاسيس، وكيف لا تتكئ جراحاً تخلفها هذه الرسوم، وإسلام المرء لا يكتمل حتى يكون الرسول الكريم أحب إليه من والديه وولده، وما ملكت يمينه، وإذا كان هذا الموقف انتقاماً لوضع معين، فإن إدراج أكثر من مليار مسلم في خضم هذا الانتقام قمة التجني والظلم كما أن إدراج الشعب الدنماركي بأكمله في هذا الإطار ينسحب على ذات التصنيف، وقد بدأت مقالتي بالآية الكريمة {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لإدراكي الكامل بأن المخطئ هو وحده من يتحمل تبعات خطأه، غير أن الأنظمة والقوانين سنت لحماية حقوق الإنسان وحفظ كرامته، وحمايته من الأذى، والتجريح وخلاف ذلك، ولو أن الأمر خلاف ذلك لسرق الفقير من الغني بحجة المساواة، وإذا كانت المعايير الأخلاقية تحدد المسار التنظيمي للعلاقات بين الأفراد، فإنها بين الأمم تعد حجر الأساس، وما تحتمه الأمانة الأخلاقية، في رفع المستوى المهني، من خلال التعامل الخلاق والرؤية ا لموضوعية المتزنة، لاسيما إذا كان الأمر مرتبطاً بوسائل الإعلام، وميثاق الشرف، بما في ذلك أمانة الكلمة، ومن المعلوم بأن الرأي أو بمعنى أصح الفكرة، تتكئ على الاستناد قبل بلورتها وطرحها على الرأي العام، وعلى هذا الأساس يتوجب أن يكون الاستناد ثابتاً بالأدلة والبراهين المقنعة، وهذه من الدعائم الرئيسة في إطار المعايير المنظمة لهذا الشأن، وينبني الرأي على المعلومات المتوافرة، وصحة الاستقاء فضلاً عن دقته، فأي معايير سوغت إلحاق الأذى بملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟ ولئن كان رد الفعل ينوء بغضب عارم وحنق شديد، فإن الفعل كان أدهى وأمر للأسباب آنفة الذكر، وإذا كانت المعلومات غير متوافرة، فإن هذا لا يبرر الجرأة في الطرح على هذا المنوال، ويُعد مخالفة صريحة لميثاق الشرف الصحفي، ونبينا الكريم محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعلمه مكارم الأخلاق، فكانت أحاديثه الشريفة نبراساً يضيء الطريق إلى خير الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) وجاءه رجل فقال: يا رسول الله أوصني: قال: لا تغضب، فقال: أوصني، قال: لا تغضب، فقال: أوصني، قال: لا تغضب، وقال صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) وأحسب أني امتثلت لقول سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الطرح، بعيداً عن الغضب والانفعال المؤدي إلى احتقان المشاعر بسياق المنطق وفي إطار الحوار المفضي إلى تصحيح النظرة المجحفة تجاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، قال المولى تبارك وتعالى في نبيه الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |