لقد أحزنني كثيراً سماع نبأ رحيل الوالد والمربي الكبير أستاذ الأجيال ومربي الأنجال الشيخ عثمان بن ناصر الصالح رحمه الله رحمة واسعة الذي أمضى عمره صادقاً مع الله مخلصاً في خدمة دينه ومليكه ووطنه، فهو من الرجال الأفذاذ الذين وهبهم الله علماً وحلماً وصبراً واحتساباً، لقد اتسع قلبه لكل الناس، فهو يثني عليهم ويذكر محاسنهم وكأنه لا يعرف إلا المحاسن فأحبهم وأحبوه فشكرهم فودوه قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}، فهو أحد رجالات التربية والتعليم الذي يرتاد منزله الكثير للمحبة والأنس والفائدة والتقدير. هذا وتربطني علاقة وثيقة بالشيخ عثمان رحمه الله بحكم عملي في مجال التربية والتعليم بالحرس الوطني، كان يلبي دعوات الحضور إلى الاحتفالات التعليمية ويشاركنا في هذه المناسبات بفكره وقلمه وكعادته بحضور المناسبات الأخرى لعموم المناطق.
فحينما أزوره في بيته أسعد به كثيراً فلا يمل مجلسه ولا ينضب حديثه ولا يجف قلمه، تحظى منه بالترحاب والثناء والنصح والتوجيه وحينما تستمع لأحاديثه الفكرية والأدبية تجده بحراً واسعاً من المعلومات والأفكار والآراء والتجارب، ومع هذا فهو خلوق كريم متواضع، وإذا جلست بجانبه فكأنك تنهل علماً وأدباً في رحاب جامعة.
وكنا نلتقي به في صالونه الأدبي (أثنينية عثمان الصالح) فتجده محفلاً للفكر الأصيل والانتماء الراسخ، وكان ملتقىً رحباً لرجال الدولة والأدباء والمفكرين وطلاب العلم، وكان يدير هذه الندوات الأخ الصديق الأستاذ بندر الصالح، ولعل من أروع الذكريات عن مكانة الشيخ عثمان حينما مُنح وسام جلالة الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه من الدرجة الأولى، وقد شرَّف حفل تكريمه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض بدعوة من صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية الذي حضره الأمراء والوزراء وصفوة من الأدباء والمثقفين، وقد كان واقفاً عند مدخل الحفل فسلّم عليه المدعوون فرداً فرداً وهنؤوه بهذه الثقة الكريمة، وعند انتهاء الحفل ولمحبة الحاضرين لهذا الرجل والمربي الكبير عادوا للسلام عليه مرة أخرى وكان يوماً ثقافياً يكرم فيه العلم والعلماء، والأروع في ذلك أن بعضاً من طلابه من الأمراء وقفوا طويلاً لانتظاره ليخرج من الحفل ليرافقوه إلى صالة الطعام.
ومن الذاكرة أيضاً عندما أقيم حفل تكريم المتفوِّقين بجائزة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز بالشرقية وكان ضيف الجائزة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز رحمه الله، وفي نهاية كلمته قال: إن كنت أخص بالشكر أحداً منكم في هذا الحفل العظيم فإني أخص والدي المربي الكبير الشيخ عثمان الصالح. فصفَّق الجميع لهذا التقدير للرجل العزيز.
اللهم اغفر له وارحمه واجعل قبره عليه روضة من رياض الجنة، اللهم أسكنه فسيح جناتك واجعله في الفردوس الأعلى، اللهم بارك في أبنائه وبناته البررة الذين أحسن تربيتهم وتعليمهم، اللهم اجبر مصيبتهم وثبّتهم وألهمهم وجميع أهله ومحبيه الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|