ورد في هذه الجريدة قبل أيام مقال حول التقاعد المبكر للمرأة العاملة وأود هنا أن أدلي بدلوي حول هذا الموضوع.
عند الكلام عن حوادث المرور - لا قدر الله - التي يتعرض لها عدد من المعلمات، فلو سافرت معلمة جديدة ألا يمكن أن يقع لها هذا الحادث - لا قدر الله - المشكلة في السفر لمسافات بعيدة ولمدن أخرى أن هناك عددا من الأماكن التي فيها مدارس للبنات أو للبنين ولا يتوافر فيها معلمات أو معلمين، فيضطر عدد من هؤلاء للسفر لتلكم المدارس لتعليم أولادنا وبناتنا. هذا السفر والمسافات سوف تقطع سواء كان المعلم أو المعلمة جديدة أو قديمة لأن المدرسة لابد أن تعمل بطاقتها.
وأما التحجج بأن المرأة العاملة يجب أن تجلس في بيتها لخدمة أولادها، فهذه الفرضية مغلوطة لأن الأولى بالجلوس الشابة التي أولادها رضع أو صغار جداً ويحتاجون لرعاية الأم، وأما المعلمة الكبيرة فأولادها كبار لا يحتاجون للرعاية المباشرة من الأم.
وهنا اقترح على وزارة التربية والتعليم سعودة المدارس الأهلية، فسعودة هذه المدارس أهم بكثير من سعودة أسواق الخضار والذهب، حيث إن هذه المدارس تربي أبناءنا وما حك جلدك مثل ظفرك، ويوجد بهذه المدارس كما ذكرت إحدى الإحصائيات أكثر من 40 ألف معلمة أجنبية وهذه المدارس تأخذ إعانات من وزارة التربية والتعليم، غريب أننا لو شاهدنا المدارس الأهلية في دول كثيرة لا نجد من يعمل بها سوى أبناء وبنات ذلك الوطن، فلتفكر سعودية في السفر للعمل في إحدى المدارس الخاصة وتنظر ردة فعل المجتمع هناك، يجب أن نشغل أبناء وبنات الوطن جميعاً، وغير المواطن له وطن يشغله ولكن يجب أن لا يعمل مطلقاً مع وجود مواطن له نفس المؤهلات وربما أحسن، كذلك من الشائع جداً حالياً أن تندب معلمة من مدرسة لأخرى وأن تدرس المعلمة في مدرستين أو ثلاث، وطالعتنا الصحف مؤخراً أن عدد المدارس بعض المواد فيها متوقفة لعدم وجود معلمات، إذن الحاجة ماسة للمعلمات في المدارس الحكومية وليست المشكلة في أعداد المعلمات ولكن المشكلة في إيجاد وظائف جديدة، لأن الحاجة قائمة حالياً لأعداد أكبر من المعلمات تقريباً يومياً تفتتح مدارس جديدة، ولكن ليس هناك وظائف من وزارة الخدمة المدنية.
كذلك فتح الباب أمام الوظائف الصحية في المستشفيات والمستوصفات الحكومية والأهلية، فقد صرح مسؤول في وزارة الصحة أن الوزارة تحتاج الى أكثر من 80 ألف مواطنة للعمل النسوي في مستشفياتها الحكومية فقط وما على المرأة سوى أخذ دورة تدريبية لمدة ستة أشهر، كذلك تحول إدارة التربية والتعليم (للبنات) لأن تدار عن طريق النساء فهل من المعقول أن يدير الرجل المرأة في إدارة لها وهذا بلا شك سيوفر آلاف الوظائف للنساء، وهو أيضاً سيسهل الإجراءات الإدارية للمرأة.
للأسف الشديد نشاهد سعودة لأسواق الخضار والذهب وسيارات الأجرة ومكاتب السفر والسياحة وكلها للرجال فأين سعودة الوظائف النسائية؟ ومن أهمها المدارس الأهلية والبنوك النسائية والمستشفيات والمستوصفات ومدن الألعاب النسائية والأسواق النسائية وغيرها كثير.
هناك إحصائيات ثابتة ومدروسة تقول إن البطالة في سوق الخريجين الرجال عالية من التخصصات النادرة مثل الهندسة وحتى التاريخ والجغرافيا، وعمل الرجل أهم بكثير من عمل المرأة، حيث إنه هو الذي يعول الأسرة ومع ذلك لم نشاهد مقالاً واحداً يطالب بتقاعد الرجل مبكراً بل بالعكس هناك من يطالب بزيادة عمر التقاعد للرجال إلى 65 سنة أسوة ببعض الدول، ولا أدري لماذا أصبحت المرأة وعملها وتقاعدها قضية القضايا للرجل، هذا مع ما وصلت إليه المرأة في مملكتنا الغالية من علم ومراكز قيادية في كثير من المجالات.
يجب أن نعرف أن عمل المرأة اليوم ليس ترفاً ولكن هناك الكثير جداً من الأسر الفقيرة التي تعتمد على ابنتها أو أمها المعلمة لدفع فواتير الكهرباء والهاتف والصرف على المنزل وقيمة الغذاء والكساء، فإن أحيلت المعلمة للتقاعد الإجباري فمن سيتولى هذه المصاريف.
امرأة أمضت أغلب حياتها في التدريس هل من المنطق ورد الجميل أن نجبرها على التقاعد فقط لأخذ مكانها، بينما هناك آلاف من غير المواطنات في مدارسنا الأهلية والحكومية !
وهل نكافئ من عملت بأن نطردها من العمل؟.. إذاً هنا نحتاج الى استراتيجية واضحة لإحلال السعودية مكان الأجنبية ولخلق فرص عمل جديدة للسعوديات بدون أن نكافئ واحدة بعقاب أخرى.
لقد وقعنا هنا في المملكة قبل فترة بروتوكول عدم التمييز ضد المرأة (أليس هذا تمييزا ضدها) وأوجدنا جمعيات لحقوق الإنسان أو ليست المرأة إنساناً؟ أم هي جمعيات لحقوق الرجل؟
وفي مقال كتبته في جريدة الجزيرة الغراء ذكرت مديرة القسم النسوي في المؤسسة العامة للتقاعد الأستاذة فاطمة بنت محمد العلي أننا لو فرضنا التقاعد الإجباري للنساء لما وفر ذلك سوى عدد قليل جداً ومحدود من الوظائف، ويعتبر هذا التقاعد الإجباري المبكر مكلفاً جداً للمؤسسة العامة للتقاعد وله تأثير سلبي على قدرة المؤسسة في الوفاء بالتزاماتها المستقبلية تجاه المتقاعدين، واقترحت المسؤولة في مؤسسة التقاعد سعودة الوظائف النسائية في التعليم الأهلي والوظائف الصحية وتحسين مخرجات التعليم لتوجيه المرأة نحو مجالات عمل جديدة.
نحمد الله ونشكره أن ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله وأدام عزه - وسمو ولي العهد الأمين وضعوا الأسس لأن تعامل المرأة العاملة تماماً مثل الرجل في الحقوق والمسؤوليات ومنها التقاعد فلم يفضلوا الرجل على المرأة بل أكرموها بما كرمها به الشرع الحنيف.
د. سمر عبد الله الصبرين -القصيم |