* إعداد ومتابعة - حسين الشبيلي:
توازن دراماتيكي مفترض للسوق الاقتصادية السعودية مع ولوج أول المفاتيح المشرعة لأبواب الأسهم السعودية أمام المقيمين الأجانب حيث السماح لهم بالاستثمار المباشر في السوق المحلية بعيداً عن نوافذ الممارسات الخاطئة وميكانيكيات اقتصاديات الظل التي كانت تخطو على عتبات الاقتصاد السعودي، وبحسب آخر الإحصائيات التي جاءت في الصحف ان حجم التحويلات النقدية البالغة ثلاثة مليارات وستمائة مليون ريال فقط في شهر يناير الماضي لم تجد لها أي جواذب بيئية استثمارية كافية تنمو فيها رغم خصوبة الأرضية الاقتصادية للمملكة، والتوجيه الكريم من لدن خادم الحرمين الشريفين بفتح المجال أمام المقيمين للاستثمار المباشر في الأسهم والذي يبدأ تطبيقه اليوم فرض على هيئة سوق المال التزامات جديدة وضعتها مرة أخرى أمام التحديات لنظرة أكثر فحوصية وقراءة أكثر عقلانية لواقع السوق المحلي. من هذا المنطلق وضعت (الجزيرة) المجهر أمام تلك القراءات لتسليط الرؤية على آلية العمل لهيئة السوق وطبيعة التجاوب المفترض بالإضافة إلى النظر لهوامش القرار وطرح التساؤلات المطروحة من قبل كثير من الاقتصاديين والمستثمرين وحتى المقيمين في محاولة لاستشراف التنافسية السوقية المستقبلية مع اللاعب الجديد في أرضية الاستثمار المحلية.
جاهزية السوق للقرار
تساؤلات عدة طرحت في مضمار الجاهزية فالمتتبع للسوق المحلي يجد الكثير من التذمر من قبل المتداولين لعدم جاهزية أرضية التداول بدءاً من عدم تجاوب تنفيذ الأوامر في البنوك المحلية مروراً بتعطل أنظمة البيع والشراء وصولاً إلى قلة عدد صالات التداول وتذمر العديد من المضاربين في الأسهم لتأخر تنفيذ أوامر الشراء أو البيع من قبل نظام هيئة سوق المال كما حدث قبل أسابيع مضت وتسبب ذلك في خسائر للمتداولين وتشتت المشكلة في عدة اتجاهات.
غياب وازدحام صالات التداول بالمتداولين واشتراط بعض البنوك دخول فئة محددة دون غيرها لها اعتبارات معينة وحرمان الكثير من التداول فيما البعض الذين يتعاملون مع السوق عبر شاشات الحاسب الآلي يجد صعوبة بالغة في بعض الأحيان من تأخر تنفيذ الأوامر أحياناً وكما هو الحال فإن السؤال المطروح ما الذي يمكن أن يضيفه دخول المقيمين لسوق الأسهم فصعوبة التداول سابقاً للمواطنين يمكن أن يزداد مع دخول الأجانب للسوق وازدياد فرص التداول وبالتالي صعوبة احتواء أنظمة الهيئة والبنوك لاعداد جديدة من المتداولين مع الحركة النشطة المتوقعة للسوق بدءاً من اليوم فما زالت جهوزية الأنظمة المساندة لعمليات التداول واللاعبين الرئيسيين في مضامير السوق دون المستوى المؤمل للتداول وبالتالي توقع زيادة وتيرة تدني أداء الأنظمة لمجاراة الواقع الاستثماري في سوق الأسهم السعودية، ومن المفترض ازاء ذلك العمل على الإسراع في اتخاذ إجراءات أكثر تنظيماً وإدارة لاستيعاب الفئة الجديدة من المتداولين وتهيئة بيئة مناسبة لاستثماراتهم.
سلبيات دخول المقيمين
للوهلة الأولى قد تطرح جملة سلبيات حول دخول المقيمين لسوق الأسهم يراها خبراء ضمن إطار التضخم الحالي الحاصل في السوق وقلة عدد الشركات المتداولة وبالتالي ضخ مزيد من السيولة مما قد يعني مزيداً من التضخم، كما طرح مصرفيون من وجهة نظرهم نقاطاً لا تقل أهمية حول امكانية تكتلات محتملة من قبل جنسيات معينة في شركات محددة بهدف السيطرة على قطاع ما عبر إنشاء محافظ يمكن أن تكون قوة قادرة على الضغط باتجاهات معينة، فيما رأى اقتصاديون ولادة فئة جديدة تسمى بالهوامير الأجانب تتناغم جنباً الى جنب مع الفئة الحالية التي يلقى عليها اللوم في انخفاض السوق من عدمه وفي جملة السلبيات التي تطرح غياب التنظيمات الكفيلة بتنظيم استثمار المقيمين في التداول بالإضافة إلى تسرب المقيمين من أعمالهم خصوصاً الحرفيين إلى شاشات التداول وبالتالي خسارة استثمارية قد تطول المنظومة الاقتصادية، وقد لا يكون هذا الخوف سوى مبالغة ألقت ظروف السوق الحالية بها على المتابعين. إلا أن المتتبع لخلفيات أهداف القرار سرعان ما يدرك أن عدة شركات أعلنت عزمها طرح أسهمها للاكتتاب بلغت حتى الآن 45 شركة وهو ما يعني دخول المزيد من الشركات إلى السوق قريباً وهو ما يعني أيضاً ادراك صانع القرار ضرورة التحرك استباقياً لفتح السوق مع استيعاب دخول الشركات وتدفق واحتواء السيولة الجديدة كما أن السيولة المتوافرة في سوق الأسهم لا تصنف ضمن الفئة التنظيمية بل العشوائية، ويمكن من خلال دخول المقيمين مع وجود جهة استثمارية جديدة ايجاد اتجاه صحيح للتداول والمضاربة والاستثمار الصحيح في الشركات مما يعني تداولاً أكثر تنظيماً وأقل تهوراً. بالإضافة إلى ما سبق فإن التكتلات المحتملة - كما يراها أصحاب هذا الرأي - بهدف الضغط على قطاع ما لا يمكن السيطرة عليها عاجلاً أو آجلاً وتعاني من تأثيراتها المحدودة في معظم الأسواق العربية إلا أنها لا ترتقي لمفهوم السيطرة المتعارف بدليل تجارب سابقة لأسواق مجاورة لم تشهد تأثيرات تذكر حول تكتلات معينة من جنسيات معينة في قطاع ما، والمتتبع لتأثيرات القرار يجد صعوبة تسرب المقيمين لشاشات التداول خاصة أن طبيعة الأعمال المناطة بالفئة القادرة على الاستثمار تتسم بالإدارة والتجارة مع تشكيلها نسبة متدنية من مجمل المقيمين العاملين في مجالات حرفية لا ترتقي دخولهم لمستوى الاستثمار في السوق المحلي. وفي الخلاصة فإن ما هو متوقع استفادة السوق من السيولة الجديدة لإنعاشه وتدني نسبة تأثير السلبيات المطروحة هنا وهناك في سوق الأسهم خاصة مع تنظيمات متوقعة الصدور فيما يتعلق باستثمار المقيم تهيىء بيئة استثمارية صحية لدخولهم، وفي المجمل فإن القرار يصب في مصلحة السوق بشكل خاص وفي الاقتصاد بشكل عام مع مناسبة توقيت تطبيقه كما أن توقيت القرار جاء مناسباً فتطبيقه في فترات سابقة إبان وقت التضخم كما في نهاية فبراير الماضي كان يمكن أن تنتج عنه نتائج سلبية أو عكسية لكن القرار جاء في وقته لسوق أكثر توازناً وفعالية.
خروج المقيمين في السوق
إن من أبرز ما يثار في الوقت الحالي حول قرار دخول المقيمين هو خروج المقيمين من السوق وهو يعني خروج المقيمين من عباءة اقتصاديات الظل والاستثمار بأسماء سعوديين بالتستر فالقرار أوجد بيئة استثمارية للمتداولين المقيمين أكثر شفافية من ذي قبل فبعد الاستثمار الخفي المتستر سيتمكن المقيمين من الخروج باستثماراته للنور وخوض تجربة الاستثمار بشكل مباشر بعيداً عن الأضرار المالية المحتملة والخروج من عباءة التستر التي قد تخرج بتأثيرات غير صحيحة أو مناسبة وهو ما سيعزز الثقة لديه لضخ المزيد من السيولة في محافظه الاستثمارية أو التداول بشكل مباشر وهو ما يعني أن القرار أصبح أداة فاعلة للقضاء على معضلة اقتصادية يعيشها الاقتصاد السعودي.
كما أن القرار يتوافق مع ما يثار من حين لآخر حول حجم دخول العاملين والتحويلات السنوية التي تعادل (35 مليار دولار) يتم تحويل (15 مليار دولار) منها سنوياً بحسب آخر الإحصائيات المنشورة في هذا الصدد.
ويتفق في ذلك مع ايجاد قنوات استثمارية جديدة تحول دون خروج تلك التحويلات أو على الأقل تحجيمها بالشكل الملائم مما يعني عدم استنزاف الاقتصاد وخسارته ويتفق القرار أيضاً مع معطيات إمكانية رفع نسبة الأموال المستثمرة من إجمالي الدخل الشهري أو السنوي للمقيم مع المغريات التي يقدمها سوق الأسهم للمقيمين وبالتالي السعي إلى تحقيق عوائد مجزية في اقامتهم.
بالإضافة إلى جميع ما سبق فإن من المتوقع أن تصبح استثمارات المقيمين على شكل مضاربات قصيرة الأجل فيما قدرت مصادر اقتصادية أن اعداد المقيمين القادرين على دخول سوق الأسهم ب(أربعمائة ألف) مقيم فقط مع استثناء العاملين في مجالات العمالة المنزلية وذوي الأعمال البسيطة وذلك بشكل تدريجي بدءاً من تطبيق القرار وهم يشكلون (8%) من اعداد المقيمين إلى ذلك فإن أنباء أشارت إلى اعطاء المستثمر الأجنبي الحق في شراء أسهم الشركات السعودية إلى حد (5%) شريطة ألا يحق له تحويل قيمة هذه الأسهم إلى الخارج إلا بعد مرور عام من البيع.
تداعيات القرار وهوامش التطبيق
بنظرة عامة للقرار ككل تبرز إيجابياته مع وجود هوامش للتبطيق تستدعي الالتفات إليها تتعلق بتنظيمات لعملية استثمارات المقيمين واستحداث ضوابط تربط التحويلات الخارجية بالمضاربات الوهمية في حالة وجودها للمقيمين. كما يستدعي تجاوب البنوك بشكل أكبر مع اللاعبين الجدد في السوق والتهيئة بشكل أفضل لاستيعاب الاعداد الاضافية التي تحتاج إلى وجود كوادر مؤهلة أعلى تتصف بمهنية عالية مع ما هو موجود وبغض النظر على أولوية دخول الخليجيين للسوق فإن الكيانات الاقتصادية الحالية قد تكون ذات مستوى استثماري جيد على الأقل في الوقت الراهن من بدء تطبيق القرار. كما يستدعي الانتباه إلى ضرورة ربط استثمارات المقيمين بمدة بقائهم داخل المملكة ومراجعة الدخول فيما يمكن أن تنشئ ما تسمى بعمليات غسل الأموال من قبل البعض مما يعني ضرورة متابعة مصادر الأموال المودعة في السوق المحلي كما أن الوقت مناسب لاستحداث إدارة في هيئة سوق المال تعنى بالمتداولين الأجانب يناط بها مسؤولية متابعة شؤون المستثمرين المقيمين.
وفي المجمل فإن تأثير دخول المقيمين للسوق سوف يظهر تدريجياً مع ازدياد الثقة لدى الأجانب لطبيعة السوق والاطمئنان له كأحد أهم الاستثمارات الجاذبة ذات العوائد المجزية، ويمكن لقرارات جديدة لهيئة السوق أن تفرز هذا التوجه في حالة تغيير نسبة التذبذب الحالية والبدء الفعلي في تقسيم السوق إلى سوق أول وثان وتجزئة السهم إلى خمسة أسهم والقيمة الاسمية إلى 10 ريالات.
بدا جلياً في السابق ظهور العديد من الآراء الاقتصادية الوطنية عبر وسائل الإعلام تطرح جملة آراء وطنية حول سوق الأسهم وتداعياته وفي المقابل ومع القرار الخاص بالمقيمين جاء لزاماً علينا أخذ وجهة النظر الاقتصادية غير المحلية لمعرفة الآراء والتطلعات في الطرف الآخر.
(الجزيرة) التقت المعنيين بالقرار لأخذ مرئياتهم حياله والخروج بنظرة أخرى للتداعيات المطروحة ومناقشة النقاط التي تم طرحها في هذا التقرير.
بداية تحدث ل(الجزيرة) السفير السيرلانكي لدى المملكة إبراهيم نصار قائلاً: هذا التوجه مرحب به.. وجاء في توقيت مناسب يعكس التوجه الجدي في المملكة لمشاركة العنصر الأجنبي في تطوير اقتصاد المملكة وتبادل الخبرات في هذا المجال.
وأضاف نصار قائلاً: هذا التوجه جيد لتطوير الاقتصاد المحلي للمملكة ولا اعتقد بأن حجم الأموال الذي سيتم استثمارها في سوق الأسهم ستكون كبيرة.. ولا أعتقد أيضاً ان صغار المقيمين ستكون لديهم أموال كافية للدخول للسوق، والمستثمرون المقيمون سيكون معظمهم من ذوي الدخل العالي، وأظن أن معظم المقيمين من دول شرق آسيا لن تكون لديهم الأموال الكافية لاستثمارها وعلى أي حال.. فتح السوق للتداول المباشر أمام المقيمين يعد توجهاً جيداً وحركة جيدة تعكس للعالم أن لدى المملكة اقتصاداً حراً ومفتوحاً. وفي حديثنا للقنصل المصري الأستاذ محمود عوف حول تأثير دخول المقيمين للسوق قال عوف: لن تتضح الرؤية في الوقت الراهن إلا بعد مضي ستة أشهر على الأقل.. والجالية المصرية التي يقدر عددها في السعودية بـ944 ألفاً يعمل عدد قليل منها في مجال الاستثمار في الصناديق الاستثمارية. وحول خشية وجود تكتلات من جنسيات معينة للضغط على قطاع ما قال الأستاذ عوف أنا لا استبعد هذا الأمر أو أتوقعه لأنه في علم الغيب، وعن غسل الأموال في السوق قال القنصل المصري: كثير من دول العالم لديها ضوابط لمنع هذا الأمر والسوق المالي السعودي لديها تشريعات وضوابط وأنظمة متينة بالتأكيد تمنع حدوث مثل ذلك. وتمنى القنصل المصري أن يعاود سوق المال السعودي الانتعاش والصعود من جديد ليعوض الخسائر التي تعرض لها المستثمرون.
مضيفاً: ان دخول المقيمين سوق المال والتداول سيشكل عامل جذب للاستثمارات وسيقلل من التحويلات، لكن لا أتصور أن يكون تأثيره كبيراً. من جانبه قال السفير الفلسطيني لدى المملكة الأستاذ مصطفى هاشم الديب ل(الجزيرة): القرار حكيم وجيد.. وبالنسبة للجالية الفلسطينية يشكل استثماراً ممتازاً لأنها جالية ثابتة بالسعودية وليست متحركة واقامتهم بالمملكة بشكل دائم بخلاف الاستثمارات من الجاليات الأخرى ستضخ سيولة كبيرة تحقق منفعة للمملكة وتدعم اقتصادها. وحول إمكانية ظهور التكتلات الأجنبية في السوق للضغط قال السفير: لا أعتقد بهذا الكلام وأنا أرى أن هيئة سوق المال تعمل على تنظيم التشريعات والأنظمة بشكل ممتاز ومجال الاستثمار في المملكة يأخذ دوره في التنظيم الكامل وبالتالي لن يكون هناك أي تكتلات في سوق الأسهم طالما أن هناك رقابة مشددة فما حدث من عملية نزول سريع لسوق الأسهم أصبح من الضروري معه وجود أنظمة تحمي المستثمر والهيئة الموقرة تعمل على ذلك، وحول الاعتقاد بوجود أمور سلبية مع دخول الإخوة المقيمين للسوق قال السفير الديب: لن تظهر السلبيات إلا بوجود المتلاعبين من كبار المستثمرين بما يتيح ضرب المستثمرين الصغار وبالتالي تشكيل خطورة على السوق.
|