تأليف: عبد الله بن محمد بن محمس آل عاصم
قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف
علم النسب علم عريق، وهو الأصل في تناسل الخليقة، فمنه ينحدر الصغير من الكبير، والابن من الأب، وعلم النسب ليس قصراً على العرب وحدهم، بل تشترك فيه أمم وخلائق وشعوب، لكن العرب لهم السابقة، فهم من أوغل دواخله، وهضم ظواهره، وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بارعة في علم الأنساب، وقد برزت فيه، ولا ريب فوالدها الصديق كان نسابة، وكان أعلم الناس لا يُنافس ولا يُجارى ولا يُدرك له شأو فيه.
يقول النسابة المشهور الشيخ حمد بن إبراهيم بن عبد الله الحقيل في كتابه (كنز الأنساب ومجمع الآداب)(1) مؤكداً على اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بنسبه ما نصه: (نادى قريشاً بطناً بطناً إذ أنزل الله عليه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}
(214) سورة الشعراء.
وكل هذا نسب.. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم نسب قريش عن أبي بكر رضي الله عنهما، وما فرض عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، الديون إلا على القبائل ولولا علمهم بالنسب ما أمكنهم ذلك، قال الأمير شكيب أرسلان في تعليقه على تاريخ ابن خلدون:
وليس هذا العلم منفرداً في العرب كما يتوهم بعضهم ويظنون أن سائر الأمم قليلة الاحتفال به، فإن الأمة الصينية الكبرى هم أشد الأمم ثباتاً على حفظ الأنساب حتى إنهم يكتبون أسماء الآباء والجدود في هياكلهم فيعرف الواحد منهم أنساب أصوله إلى ألف سنة فأكثر، وكذلك الأفرنج لهم عناية تامة بالأنساب في القرون الوسطى والأخيرة).
ويعقِّب الشيخ حمد الحقيل على ما سبق بقوله: (وأنت ترى النعمان في أثناء مفاخرته لكسرى أنو شروان يفخر بأن العرب قوم حفاظ أنساب حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير نسبه، ولا يُدعى إلى غير أبيه، وقد نهى الحديث أن يُدعى الرجل إلى غير أبيه، أو ينتمي المولى إلى غير مواليه، وهذه الأمة العربية أمة نسابة حرسها الله من الشعوبية التي تذيب الأصول وتتلاشى فيها الأرومات، وقد شرَّف الله العرب بأن بعث منهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأنزل فيهم كتابه، وجعل فيهم الخلافة والملك ونزع بسيوفهم وأسنتهم تاج كسرى وقيصر، وكفى بذلك شرفاً لا يطاول، وفخراً لا يتناول، وقال سلمان رضي الله عنه: (فضلتمونا يا معشر العرب باثنتين لا نؤمكم في الصلاة ولا ننكح نساءكم) وروى جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما من الكفر، وحب العرب من الإيمان وبغضهم من الكفر).
هذا وقد استرسل الناس في التأليف والجمع للأنساب وبين يدي كتاب فريد مفيد وعنوانه (قبائل قحطان المذحجية - أصولها القديمة وتفرعاتها الحديثة) ومؤلفه أسلفت لك اسمه قبل قليل، والكتاب من طبع مكتبة التراث الإسلامي، وأنا أعمل على الطبعة الأولى لعام 1427هـ - 2006م.
والكتاب حافل بذكر قبائل قحطان المذحجية وهو يستقصي في سرد أصولها وفروعها، وجاء هذا الاستقصاء والاستيفاء تاماً كافياً واضحاً في قول المؤلف - حرسه الله -: (ونحن نسلك في كتابنا هذا - إن شاء الله - مسلك النسابين الذين يدفعهم نبل الغاية ويحركهم شرف المقصد، ولا نصدر عن أدنى شعور بالعصبية والحمية والفخر، مستعينين بالله سائلين إياه التسديد، وأول ما دفعنا إلى إعداد هذا الكتاب الحرص على حفظ نسب محذج (مالك) بن أدد، بوصل ما انقطعت عنده مصادر النسب المكتوبة بما هو قائم من مصادر نسب نسله في القبائل المذحجية الحالية، ومصادرنا في نسب القبائل الحالية من نسل محذج هو ما اجتمع لدينا من معلومات خلال مسيرة حياتنا واطلاعنا الواسع العميق المتدبر في التراث عموماً، وكتب النسب على وجه الخصوص، واشتغالنا على مدى السنين الطويلة بحمد الله بحفظ الرواية في ذلك من شيوخ القبائل والثقات من نسابيها، وما حصلنا عليه من مدونات الأنساب لدى بعض الشيوخ وأرباب العائلات، وكذلك جعلنا نصل إلى مقولة نطلقها مطمئنين لصحتها وثبوتها وهي أن جميع من ينتمي لقحطان حالياً في مملكتنا الحبيبة هم من أبناء مذحج (مذحجيون) ومعهم بعض الأحلاف من قحطان، ومن خلال قراءتي في الكتاب تتبدى لي موسوعية المؤلف وشموليته وغحاطته، فالكتاب نفيس ومفيد، وهو يتتبع التفرعات والانقسامات بنفس طويل، وهمة عالية، فأنت أمام نسابة قدير، ورجل في علم الأنساب غرير، ويمكن عدّه موسوعة كاملة كبيرة في نسب المذحجيين وحسبهم، والجهد الجهيد جاء واضحاً بين ثنايا سطور الكتاب، فطريق النسب وعر صعب، ليس بالهين ولا البسيط غير أنه (لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها).
ومن خلال مقدمة الكتاب يتضح العمق العلمي والمعرفي والثقافي عند الأستاذ عبد الله بن محمس - حفظه الله - ولعل وعورة هذا المسلك، وصعوبة الانزلاق فيه يعود إلى أن علم الأنساب لا يحظى بمصادر ومراجع تخدمه وتسهل العمل فيه للعلماء والأدباء والمفكرين، يقول المؤلف أثناء تقديمه لكتابه: (علم الأنساب هو العلم الذي تعرف به سلالات الأقوام والقبائل، وترصد به أرحام العائلات والأسر، وهو عند العرب من العلوم الشريفة التي اعتنوا بها عناية كبيرة في جاهليتهم وإسلامهم على حد سواء، مع اختلاف في الدوافع والمقاصد، فإن كان أصل العلم ومنبعه في الجاهلية العصبية القبلية، فإن الإسلام الذي هذَّب نفوس العرب، جعل منه علماً شريفاً بريئاً من نوازع الحمية والفخر، وتدفع المشتغلين به رغائب حفظ الأنساب ومعرفة أقدار الأسر والرجال وبيان الأرحام بما تقوم عليه واجبات وحقوق شرعية، وتُبنى عليه أحكام فقهية، ولما كان لهذا العلم هذا القدر العالي من الفضل والشرف، ولا أدل على ذلك من أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه كان من أعلم قريش بأنسابها).
ومنهج الكتاب يتضح في انقسامه إلى بابين:
الفصل الأول: لرصد نسب مذحج وأبنائه ونسلهم حتى انقطاع المصادر المكتوبة.
والباب الثاني: لقبائل مذحج الحالية بالمملكة العربية السعودية.. وفي كل باب عدة فصول وهم كافة من ينتمون إلى قحطان في المملكة مع أحلاف قليلة من قحطان وربما من غير قحطان.
والمؤلف كان يتعامل مع مادة الكتاب البحثية بنباهة ودقة وتركيز وكان يشير إلى الأخطاء والتحريف في الأسماء وهو يجمع مادة كتابه هذا ومثال ذلك قوله: (قد أورد صاحب الشعر والشعراء اسم خديج حديجاً بالحاء لا الخاء، وربما كان خطأ نسخياً، ونحسب والله أعلم أن الاسم خديج لا حديج، لوروده في أكثر من مصدر بالخاء، ولأن خديجاً أُشيع في أسماء العرب من حديج).
وأخيراً فعلينا احترام هذا العمل وتقديره، والاستفادة من هذه المعلومات في حفظ أنسابنا وأحسابنا، فهي ثرة ثرية جمعها المؤلف - أبقاه الله -بين دفتي كتاب ثمين.
وجاء الكتاب قطعة رائعة في علم النسب وتفرعاته، وتحدث مؤلفنا الفاضل عن نسب قبائل قحطان المذحجية بشيء غير قليل، وبكثير من الاسترسال والإسهاب في سياق القبائل وانقساماتها مما يُعد مفيداً لكل باحث في أنساب قحطان المذحجية، كما تتسم ظاهرة الإطالة في سرد أنساب القبائل العربية والعشائر بالدقة الشديدة، والتّقصي ما اتخذ إلى ذلك سبيلاً.
*عنوان المراسلة: ص.ب (54753) الرياض (11524) 1- الدار الوطنية السعودية - ص 14 عام 1422هـ-2001م. |