التدين أمر محمود ومطلوب.. لكنه ليس بالتمني فقط!! ولذا لو قال رجل لأحدنا أنت غير متدين أو غير مستقيم لرفض ذلك وربما رد الكلمة بأشد منها.. إذن ينبغي أن يكون التدين رشدا شاملا عاما، يشمل كافة مناحي الحياة اليومية، فالعبادات والقربات من الدين، حسن التعامل مع الآخرين من الدين؛ فالدين المعاملة وصلة الرحم والابتسامة من الدين، وأداء الواجبات وحقوق الناس وحسن المعاملة مع عمال المزارع والورش وعمال النظافة وتهنئتهم في المناسبات السارة وتعزيتهم في المصائب.. كل هذا مما حث عليه الدين، ومن هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم والصحابة وسلفنا الصالح. ومن العجيب أنه كان قبل عشرين سنة كان طلبة العلم الشرعي قليلين ومباركين، وكنا نرى العمل يطبق، أما الآن فقد كثر خريجو الكليات الشرعية، وكثر المستقيمون لكن كثر الشطط.
لكي نكون أمة وسطى علينا التمسك بذلك، فلا غلو ولا جفاء، كما لا بد أن يكون التدين متوازنا، فليس من الفقه التوسع في النوافل مع إهمال حقوق الوالدين والأهل والأرحام.. من يحرص على صلاة الضحى وينام عن صلاة الفجر، أو من يصوم يوم عرفة وينوي الفطر في رمضان، أو كمن يبر صاحبه (الصالح المستقيم) ويعق والده، وكمن تطيع صديقتها (المتدينة) وتعصي أمها، ففقه الأولويات مطلب كل مسلم، وإن من أهم ما حث عليه الإسلام صلة الأرحام.. قال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}اتقوها أن تقطعوها، واعرفوا حقها أن تهضموها، لكن من هم أولو الأرحام الذين أمرنا بصلتهم؟ يقول الإمام ابن باز رحمه الله (الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم المعنيون بقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال والأحزاب: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وأقربهم الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم) أ.هـ فصلة الرحم تقوي المودة وتزيد المحبة، وتشتد عرى القرابة وتضمحل البغضاء ويحن ذو الرحم إلى أهله. والنفس الرحيمة الواصلة، الكريمة الباذلة، يورث الله لها ذكرا حسنا في الحياة وبعد الممات، الألسن تلهج بالثناء والأيدي تمتد بالدعاء، تعيش بين الناس بذكرها وذكراها أمدا طويلا، يبارك لها في الحياة فتكون حافلة بجليل الأعمال وجميل الفعال وعظيم المنجزات وكثرة الآثار، ومن وصل أقاربه أحبه الله وأحبه الناس ووضع له القبول.فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) فصل رحمك وإن قطعوها، فليس الواصل بالمكافئ.وعلينا أن نتذكر بعد هذا الذكر الحسن أن صلة الرحم، من أجل المعروف الذي أمرنا به الله تعالى، وهو من أجل النهي عن المنكر الذي ينبغي أن ننهى أنفسنا وأهلينا به فما كان من قطيعة الرحم إلا ودخل في هذا المنكر. كما أن من حق أرحامك أن تعود مريضهم وتواسي فقيرهم، وتتفقد محتاجهم، وترحم صغيرهم، وتبش بهم عند اللقاء وتحسن لهم في المعاملة، ما بين زيارة وصلة وتفقد واستفسار ومهاتفة ومراسلة، تبذل المعروف، وتبادل الهدايا، فعليك أن تصلهم وإن جفوا، وتحلم عليهم وإن جهلوا، وتحسن إليهم ولو أساؤوا، فقد قال نبيك محمد صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها) وعند الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).معاذ الله أيها الإخوة والأخوات، ربما كان بين الإخوة والأقارب من القطيعة ما يستحقون به لعنة الله فوق سماواته، إقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} نعم يستحقون اللعنة، وتحل بهم النقمة وتزول عنهم النعمة. أسأل الله أن يوفقني وإياكم للعمل النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا متواصلين مع أرحامنا بارين بوالدينا، محبين الخير لهم محذرينهم وحاذرين من الشر وأهله.
|