كانت الفرحة تملأ نفسي.. والعبرات تغطي وجهي.. عندما شعرت فجأة أنني أعيش في الربيع, هذا الربيع الذي صنعته الأحداث القليلة الماضية.. فقد كنت هذا اليوم في قمة السعادة بعدما تحطمت أسطورة كانت في حياتي اسمها (الحزن) فقد كنت واياه أليفين منذ رأيت عيني النور.. حتى انني كنت أحسد نفسي على ذلك اليوم الذي لا أبكي فيه.. ودارت الأيام فأخذت أتفهم الحياة قليلاً وأن لابد من شيء للحزن.. وضحكت بهزء وأنا أرى نفسي عروساً في الرابعة عشر من عمري تخطر في ثوب أبيض.. ضحكت مرة أخرى لحكم القدر.. فمن كان يصدق أن فرحتي الكبرى ستتحول إلى حزن أكبر.. فقد أصبحت أرملة وأنا بعد لم أتجاوز الخامسة عشرة.. نعم من يصدق؟ فلا أحد منا ينكر حكم القدر.. وتحادث الناس من حولي وكأني بهم يقولون.. انها فتاة خلقت للحزن ولن تعرف الفرح يوماً ما.. وتعاقبت الأعوام التي كانت مليئة بالسواد لا لشيء إنما فكرتي عن نفسي أنني خلقت للحزن هي التي صبغتها بذلك اللون.. وأخذت أتناسى الماضي قليلاً حينما واصلت دراستي واستطعت أن أحقق نجاحاً ملحوظاً مما جعلني أعقد العزم على المضي فيها.
وبدأت حياتي تسير سيراً طبيعياً.. حتى جاءت أم أحمد يوماً تطلبني لابنها أحمد.. وفي الحقيقة هالني الأمر فمن يريد أن يتزوج أرملة صبغت حياتها بالسواد؟ فضلاً على أنني كنت قد صرفت النظر عن هذا الأمر.. وعبثاً حاول أهلي معي.. وكنت أجيبهم بإصرار بأنني قد جربت حظي ولن أقبل ثانية، ولكن دموع أمي وإصرار أبي على وضع حدٍ لتلك الحياة التي أعيشها جعلني أرضخ لهم.. وفعلاً فقد أصبحت عروساً لأحمد بعد شهرين، وفي العشرين من عمري، وأخذت الحياة تبتسم من جديد وبدأت أنسى إزاء تلك المحبة وتلك الألفة السائدة في أرجاء بيتنا.. وخلت أن السعادة سوف تتربع على عرش قلبي ولن يعرف الحزن له مكاناً بعد اليوم.. ومضى عام وأنا أشعر بسعادة لا مثيل لها.. وكم من مرة أسفت على تلك الحياة التي عشتها في ظلال الألم.. ولكن ما حدث هذا المساء جعلني أشعر بالألم ثانية وما أتعس ذلك المرء الذي يشعر بالحزن في وقت يكون فيه سعيداً فقد أصبت بوعكة خفيفة فآويت إلى فراشي قبل مجيء زوجي.. واستيقظت على صراخ أحمد مع أمه وفوجئت بذلك، فلم تكن من عادته (أن يفعل ذلك) الصراخ وهو الذي يحب أمه ويعمل على مرضاتها.. وحاولت أن أفهم شيئاً مما يدور ولكني صمدت، فعدت إلى وسادتي أبث لها حزني.. ودخل أحمد بابتسامته المعهودة حتى انني تعجبت هل هو الذي كان يصرخ منذ قليل؟.. واحترمت شعوره فلم افاتحه بالأمر.. ولكن لم يهدأ لنا بال فقد أحس كلانا أن لدينا حديثاً يجب أن ننهيه، وفي الصباح كانت هناك خطة تنفذ، فقد أخبرني أحمد بما دار بينه وبين أمه وأخبرته بما عندي فاتفقنا على تنفيذ خطة تكون مفاجأة للأم.. وجمعتنا مائدة المساء وأخبر أحمد والدته بأنه سيرسلني إلى أهلي لقضاء بعض الوقت هناك ولمحت الأم وهي تبتسم فقد كانت تفكر بأن ولدها رغب فيما أرادت.. ومرت شهور خلتها دهراً طويلاً.. فلم أكن أستطيع الابتعاد عنهم ولكن الخطة كانت تسير على ما يرام وهذا ما يسرني.. حتى حان اليوم الذي طلبت من أحمد وأمه الحضور لترى بعينها ما كانت تجهله.. ولا أدري كيف حاكت خيوط القدر هذه المفاجأة.. فقد حضروا يوم وضعت طفلتي.. ورأيت دموعاً تنساب على وجنتيها.. وجنتي هذه الأم التي كانت تتمنى أن ترى أحفاداً يملؤون الدار عليها فرحاً وسروراً وأخذت تقبلني وتقول: سامحيني يا بنيتي فقد كنت أطلب من أحمد أن يتزوج لأرى أحفادي.. فقد طال انتظاري لهم والآن عرفت لماذا كلما ألححت على أحمد بالزواج كان يماطلني ويقول انتظري فإنني أعد لك مفاجأة والحقيقة أنها أجمل مفاجأة وأنني سعيدة بكما.. وابتسمت بحب واعزاز للرجل الذي استطاع أن يمنحني الثقة ويوصلني إلى بر الأمان ويعيد الربيع إلى قلب متعطش للربيع..!
|