حقاً إن الشعر الذي لم يهززك عند سماعه ليس جديراً بأن يقال له شعر، فالشعر البديع هو الذي تطرب له الآذان عند سماعه بحيث تجد نفسك تصفق طرباً لمن أوجده بهذه الصورة البديعة.
ونظراً لكون الشعر العامي يعد مظهراً جلياً لعاداتنا وأحوالنا وتقاليدنا بحيث إنه قد وضّح لنا كثيراً من الحقائق التاريخية، لهذا كان جدير بنا عدم إهماله بل الاهتمام به والاستمتاع بأجوده وتذوق جماليته مع اهتمامنا الرئيس بالشعر الفصيح.
ومن هذا المنطلق سوف أقوم بعرض نماذج من هذين الشعرين وما التقى فيه الشعراء العاميون بشعراء الفصيح وتواردت فيه خواطرهم وأفكارهم، مبتدئاً بهذا الأخير لما له من أهمية:
حيث يقول الشاعر العربي الفصيح:
أرى ما أشتهي فيفر عني ومن لا أشتهيه إليّ يأتي فمن أهواه ينفضني عناداً ومن أشناه شص في لهاتي |
فيأتي الشاعر العامي قائلاً:
اللي يبينا عيّت النفس تبغيه واللي نبي عجز البخت لا يجي به |
ويقول المعري شاكياً متحيراً:
هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد |
فيأتي ابن (لعبون) شاكياً هو الآخر على أبيه وأمه قائلاً:
أمي وأبويه عرضوني للانشاب يا ليتها بعد الحمال أسقطت به |
ويقول الشاعر الفصيح:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف |
فيأتي أحد المتأخرين من أمراء الرشيد قائلاً (باللسان العامي):
أنا على لان وربعي على لان متخالف رأيي ورأي الجماعة |
وقد قال ذو الرمة:
جزا الله البراقع كل سوء عن الفتيان شراً ما بقينا يوارين الملاح فلا نراها ويخفين القباح فيزدهينا |
ومثله قال الشاعر العامي:
ما دريت أن البراقع يخدعني لين شفت ضروس سلمى طافحاتي جيت أباسلم عليها وصدمني أحمد الله يوم سلمت لي لهاتي |
وقد قال القاضي بن خلكان:
تعاين الجنة في خدّه لكنها تحت ظلال السيوف |
وقد تواردت خواطر هذا البيت عند الشاعر محمد بن لعبون في قوله:
تحت الحواجب لميع سيوف والسيف بظلاله الجنة |
ويقول أبو نواس:
لا تنتهي أنفس عن غيّها ما لم يكن منها لها زاجر |
ومثله قال:
ما تنتهي نفس عن اللي تريدي كوده يجي عذالها من جسدها |
نايف جمعان العلوي - قبه
|