بدأت معرفتي بالفقيد على مقاعد الدراسة في المدرسة الثانوية بأبها، حيث كان محط إعجاب وتقدير زملائه لما اتسم به - رحمه الله - من دماثة خلق، وطيب عشرة، وأريحية والتزام بالدين الحنيف قولاً وسلوكاً.
والشباب في المرحلة الثانوية يميلون إلى إثبات الذات، وعدم التقيد بالنظام إلا أن فقيدنا الغالي كان مختلفاً، حيث كانت ذاته الطيِّبة تفرض على الجميع معلمين وطلاباً احترامه وتقديره، وكان رحمه الله من القلائل الذين يملكون سيارة، بل الوحيد في الفصل، وكانت تلك السيارة هي سيارة الجميع، حيث أقلتنا إلى الرحلات والمنتزهات في عسير بصحبة الفقيد عليه الرحمة والغفران.
ونتخرّج معاً من الثانوية العامة ونتجه صوب الرياض بحثاً عن المستقبل ويشاء الله سبحانه وتعالى أن تستقر بنا الدراسة معاً في كلية التربية بجامعة الملك سعود، وتمضي الأيام جميلة في الرياض بصحبة الأخ الحبيب والصديق الوفي الأستاذ محمد بن عبد الله العيدان، ونتخرَّج من الجامعة، ثم يعيَّن كل منا في المنطقة التي يريدها، وتمضي الأيام لنجتمع مرة أخرى للعمل معاً في كلية المعلمين بالرياض، حيث عمل - رحمه الله - مرشداً طلابياً ثم مسؤولاً عن شؤون الطلاب، ومع الطلاب وشؤونهم كان للفقيد مواقف لا تُنسى فهو أول من أدخل الحاسب الآلي إلى أعمال شؤون الطلاب ومن ماله الخاص، وقد خطت شؤون الطلاب بجهوده خطوات تطويرية ملموسة على مدى عقدين من الزمان وكان نعم الأخ والصديق لكل زملائه ونعم الموجّه والمعين لكل الطلاب، وكان - رحمه الله - عطوفاً على الفقير والمحتاج أعان الكثير بالصدقة والقرض الحسن، ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يختاره إلى جواره ظهر يوم السبت السادس والعشرين من شهر محرم من عام 1427هـ بعد معاناة مع المرض لم تمهله كثيراً هذه المعاناة التي أتت بعد معاناة شديدة تمثَّلت في وفاة ابنه عبد العزيز قبل أربعة أشهر، وقد كان - رحمه الله - صابراً محتسباً أيام عزاء ابنه رغم هول الفاجعة وكان صابراً، محتسباً، ومؤمناً بالقضاء والقدر، متفائلاً وهو على فراش المرض يحدثنا عن ثقته المطلقة برحمة الله وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
رحمك الله أيها الأخ الوفي وأدخلك فسيح جناته وبارك في ذريتك، وأدعو الله أن يلهمنا جميعاً الصبر والسلوان وأن يبارك في ابنك عبد الله وأن يجعله خير خلف لخير سلف. لقد كنا يا أبا عبد الله في المقبرة ونحن نواري جثمانك يعزي بعضنا الآخر، فالكل يعزي والكل يتقبّل العزاء، فالجميع يشعر بالفقد والحزن على رحيلك ولكن هذه سنَّة الله في خلقه وصدق الله القائل في محكم التنزيل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا محمد لمحزونون.
|