الحلقة الأولى
مترجمنا كان أحد مشايخ القبائل الذين اعتمد عليهم في توطيد الأمن واستتبابه في العرضيتين بالقنفذة إبان دخول العرضيات في الحكم السعودي في الأربعينات الهجرية.
مولده ونسبه
هو عبدالله بن محمد بن حسين بن عبدالله بن مجنّي الرزقي القرني أحد أعيان تهامة كان يدا وعونا لأمير القنفذة في استتاب الأمن وتوطيده إبان بدء دخول القنفذة وتوابعها الحكم السعودي في الأربعينات الهجرية. وقد عرف بابن مجنّي، واشتهر به، وذلك بعد أن اشتد عوده، وقويت شكيمته وتعددت أسفاره، وراجت تجارته حتى صار في منطقته بهذا الاسم. أما تاريخ ولادته فقد ولد على وجه التقريب عام 1281هـ في مخشوشة (ذكرها حمد الجاسر في المعجم الجغرافي ص 1284 وذكرها عبدالله الرزقي في كتابه الوجيز)، وعاش نحو 95 سنة، أما تاريخ وفاته فذكر علي بن أحمد أحد مصادر هذه الدراسة والترجمة أنه حضر جنازته ودفنه يوم الجمعة بعد عيد الفطر مباشرة 4-10- 1376هـ.
كان يكنى بأبي أحمد، أشهر ألقابه بعد لقب بن مجنّي وأكثر اعتزازه بهذه الكنية.
أما والده فهو محمد بن حسين، وحسين بن عبدالله هو جده لأبيه، والده كان نائباً (معرفاً) لمخشوشة وأحد أعيان قبيلة بني رزق النبيعة. كان لديه من الأبناء أحد عشر ابناً خمسة أبناء وست بنات والأبناء هم: أحمد، ومحمد، وعبدالخالق، وحسن، وإبراهيم، وعبدالرحمن.
وذكر محمود شاكر في كتابه أحد أسرة آل مجنّي وهو جد (عبدالله بن محمد بن حسين بن مجنّي) فكان نص الكلام: وفي عام 1207هـ خرجت بلاد غامد وزهران مع شريف مكة على عسير فالتقوا بمكان يسمى الجرف من بلاد غامد مع الجيش العسيري بقيادة غرم بن سعيد العسبلي، ومحيي بن الأصلع، وابن مارد، وابن مجنّي أمير بالقرن وشمران، ومبارك بن سعد أمير بني عمرو، وضامن أمير خثعم.
وقد عاش عبدالله بن مجنّي حياة مليئة بالأحداث والكفاح في منطقة تهامة حيث كان يتنازعها حكم الأشراف من الشمال في الحجاز وحكم آل عائض في الشرق في السراة وبيشة وحكم الأدارسة في الجنوب بالإضافة إلى النزاعات القبلية في المنطقة والذي كان له دور في حل الكثير منها إلى أن جاء الأمير فيصل بحملة (الجيش) الموجه من قبل الملك عبدالعزيز إلى عسير وأصبحت المنطقة تابعة للحكم السعودي في القنفذة وأميرها بن زعير.
كما عمل مزارعاً حيث اشتغل بالزراعة منذ كان طفلاً فاشتغل بزراعة الحبوب منها الذرة والدخن كما اشترى مزارع إضافة إلى المزارع التي كان يملك ووسع نشاطه فاشتغل بزراعة النخل وبيع التمور كما عمل رحمه الله بتجارة وبيع المواشي وبيع البن وعمل بتجارة الملابس.
(فقد اشتهر بخزينة بني رزق لما عرف عنه من ثراء).
وأما صفاته فقد كان متديناً، وكان عادلاً، وكان (ذا قالة) وكان ذا شخصية قوية، وكان غنياً ذا ثروة واضحة، محباً للتعليم وساعد على نشره بماله، وكان ذا مروءة.
كما اشتهر بكرمه الزائد وكان صاحب قالة وهي ما يشتهر به شيوخ وأعيان تلك المنطقة وهي العهد والكلمة التي يعطيها الرجل في أمر عظيم فلا يرجع عنها حتى لو كلفه ذلك حياته أو كل ما يملك. قيل عنه إنه لم يعط على نفسه عهدا أو كلمة أو وعدا بوعد إلا برّ بما عاهد وأوفى بما وعد ولو كلفه ذلك كل ما يملك. يقول المصدر: وهم كبار السن كان (صاحب قالة) أو (راعي قالة).
وفي هذا الأمر يتحقق لدينا عن هذا الرجل أن من صفاته رحمه الله نجدة الملهوف وكرمه الزائد والصبر على مشقة السفر والتعب لأجل إسعاد الآخرين ورسم السعادة على وجوههم والشفاعة الحسنة لمن يستحقها.
ذكر المصدر أنه نظراً لما يتمتع به شيخ القبيلة في تلك الفترة الزمنية من تاريخ المنطقة من قوة نفوذ وسلطة فقد كان الأمير والقاضي والجهة التنفيذية والسجن يقول كبار السن: إن الشيخ كان يحكم على مرتكب الجريمة والمتعدي على حد من حدود الله.
وكان رحمه الله مدركاً لأهمية التعليم فعلم أبناءه وأحفاده في الكتاتيب لعدم وجود مدارس في تلك الفترة الزمنية من تاريخ المنطقة وجلب لهم المعلمين إلى بيته حتى أصبح أكبر أبنائه (أحمد بن عبدالله) بعد حفظه للقرآن إماماً لمسجد قرية مخشوشة.
وكان إلى جانب كل هذا متديناً ويراعي حق الله في جميع مناحي حياته. حج في حياته مرات عديدة حتى إنه في آخر أيامه وكما يروي عنه أهل بيته قال: أتمنى على الله أن أموت يوم الجمعة القادمة فاستجاب الله له ما كان يرجوه ومات يوم الجمعة. قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه).
أما أصدقاؤه رحمه الله فهم كثير أورد منهم: أحمد بن عبدالله بن وهاس، وأحمد بن محمد بن عمّار، وحسن بن محمد، وأخوه جابر بن محمد من آل بن جابر وبن جدوه من كبار ورؤوس أحد بني زيد (وكيل إمارة القنفذة)، وآل بن محسن من أهل الحميد (سميان بن مجنّي)، وأحمد بن الضحوي بن مسلط وكيل إمارة بيشة.
وكان مهاب الجناب. يقول علي بن سعيّد لجابر بن علي: وبحكم ما عرفوه من هيبة بن مجنّي تراه اقترض وجه الذيب هل لاحظت؟ أجاب جابر بن علي: أشهد أنه كان مثل الذيب.
أما مكانته فقد كان شيخ شمل قبائل بني بحير (بني رزق) العبادلة والوهوب إضافة إلى مخشوشة والقضية.
وكان له كلمة مسموعة في بني رزق النبيعة خاصة وبالقرن عامة لما يتمتع به رحمه الله من شهرة لدى أبناء المنطقة كافة ونفوذ لدى المسؤولين في القنفذة وهي إمارة المنطقة. (وسوف أورد بعض القصص لتدلل على ذلك).
وبسبب تدينه ذكر العم جابر بن علي القرني أنهم كانوا يسمون في ذلك الزمان المتدين موحّدا، وكانوا يدعونه أحيانا بالموحّد وذكر العم جابر بأنه كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو شاهد هذا بنفسه وبسبب اسفاره ومعرفته ومقابلته للأمراء مثل أمير القنفذه وأمير ثريبان وأمير بيشة اطّلع على ما هم عليه الناس في البلدان التي سافر إليها فكان من أوائل من أمر بصلاة الجمعة في مخشوشة أسوة بالمناطق المجاوره؛ ففي يوم من الأيام اجتمع بأهالي مخشوشة وخطب فيهم وذكر لهم ما هم فيه من جهل بين لهم ضرورة الحفاظ على صلاة الجمعة وأنها واجبة وأسس صلاة الجمعة في مسجد الفروض في أعلى المنازل وذكر بأنه يعزّر المتخلف عنها ويكون الإمام هو إمام صلاة العيد أحمد بن عبدالله ولده بحكم أنه حافظ للقرآن وقال: يحاسب كل من يتأخر ويعزّر. وذكر العم وعرف بتجارته ورحلاته التجارية حيث كان يسافر للتجارة وجمع المواشي قبل موسم الحج من بيشة وسبت العلايا وسراة عبيدة في عسير والبندر في القنفذة ويذهب بها معاونوه لمكة وعندما يتأكد أنهم أصبحوا في الشعيبة يقابلهم هناك ويذهبون لبيعها في موسم الحج.
ومما يذكر أن بن مجنّي كان لديه جمل اسمه (فضّان) كان يتنقل عليه في رحلاته.
و ذكر العم جابر أحد مصادر هذه الترجمة أن سبب شهرة بن مجنّي وسبب اختياره شيخا لبني بحير قصة وهي أن اثنين من الإخوان من بني بحير تأخرا عن دفع الزكاة للشيخ بسبب ضيق العيش وليس لديهما شيء يقدمانه كزكاة للشيخ وسماه العم جابر باسم الشيخ - فلان كان شيخ قبل آل بن قصّاص وذكر، فأخذهما وشكاهما إلى ابن معمّر أمير بيشة والشيخ مصدّق على قبائله فادخلا السجن في بيشه فكان من والدتهما إلا أن ضاقت عليها الأرض بما رحبت وسألت عمن يستطيع أن يساعدها ويفرّج كربتها وبحكم شهرة بن مجنّي ذهبت إليه وأخذت معها 3 قلائد وطرحتها أمامه لكي يأخذها ثمنا لوقوفه معها والقلائد في ذلك الزمن تساوي مبلغا كبيرا فلما وصلت إليه قالت له: تقطعت بنا السبل ولم يبق لنا أمل إلا الله ثم أنت، عطف على المرأه بعدما سمع قصتها وأخذ القلائد في نفسه بأنها (مارية) علامه للولدين لكي يعرفا أنها من أمهما. قال لها ابقي هنا (وتجيك علومي) قال لعقيل وصليع جهزّا نفيسكما للسفر وشدّا لي فضّان (كان هذا اسم جمله) انطلق بن مجنّي قاصداً ابن معمّر أمير بيشة ولما وصل أسفل قصر الإمارة رحّب وصاح صديقه ابن مسلط وكيل إمارة بيشة ومستشار الأمير وردد: (جاء ابن مجنّي جاء ابن مجنّي) استقبله أحسن استقبال وأدخله على ابن معمّر الذي هو بدوره رحب به رحمهم الله جميعاً، أحسنوا استقباله فكان ذلك اليوم هو ضيف الإماره وقال لابن معمّر: قبل غداي لي عندك طلب وكما ترى قطعت هذه المسافات لأجل ما عرفته عنك من إحقاق الحق. قال ابن معمر: بإذن الله نقضي لازمك. قال: أريد ولدي المرأه يأتيان ويتغديان معنا وذكر له ظلم الشيخ لهما وما كان من والتدهما، فلما رأو ابن مجنّي أخرج القلائد ليرياها فلما رأياها عرفا أنها قلائد أمهما. دفع القلائد إليهما ودفع رحمه الله من حسابه الشخصي كل ما يلزم من زكاة عليهم وكفالة وشرّه بن مسلط وأخذ الولدين ورجعا إلى والدتهما في قصر بن مجنّي في مخشوشة، فكانت هذه القصة هي سبب شيخته في بني بحير وسبب اختيارهم له وسبب شهرته في المنطقة.
جاء ضيف على المنطقه عليه رقبة ودية سمع أهل المنطقه بقصة هذا الرجل وما هو فيه من ضيق فلم يجد إلا أن يمرّ على شيوخ القبائل فقصد أحمد بن محمد شيخ النبيعة بني رزق وما عرف عن هذا الرجل من كرم منقطع النظير ساعده بمبلغ كبير جداً أثقل كاهله ولم يكن أحمد بن محمد ذا مال إلا مزارعه والشيخة وحب البلاد على الرغم من كرمه، فلما سمع بن مجنّي بتضحية هذا الرجل وبحكم أن بن مجنّي صاحب كلمة مسموعة في النبيعة جمع القبيلة كاملة وذكر لهم تضحية الشيخ أحمد بن محمد وقال لا بد أن نفرق له ولنكمل هذا المبلغ فإن نصيبي أدفع نصف ما ترون أن أدفعه ذكر العم جابر أنهم قالوا له احسمها أنت فحسمها فوافقوه في الحال وسلّمت لبن مجنّي وهو يقدمها لأحمد بن محمد.
احترق بيت أحد أهالي قرية مخشوشة وهو أحمد بن علي (والد محمد سكّران) وكان في البيت رصاص فثار الرصاص وهبّ رحمه الله لنجدته وصاح بن مجنّي في (امجانية) نسبة لبن مجنّي وقال: اقطعوا كل سدر تجدونه على طريقكم وأسرعوا في جلب الجوّز ونعيد بيته كاملا كما كان ونعوّض الرجل. وتم البناء في يوم واحد وقال: كل واحد يعوضه بثلاث سوادي حب ومن عندي النصف وكتب قصيدة بن لبدان قال فيها: وأكد العم جابر أن صديقه بن جدوه وكيل إمارة القنفذة ومن كبار أحد بني زيد.
أرسل مرافقه عقيل بعد الظهر عندما جاءته الأخبار بأن ابن زعير أمير القنفذة موجود في المبنى وبعث بن مجنّي إليه بخطاب مع عقيل يدعوه فيه إلى زيارته قبل الوصول إلى مركز العرضية. وصل عقيل إلى ابن زعير وقت الغداء وقال جئتك بخطاب من عبدالله بن مجنّي بعدما قرأ الدعوة فوافق ابن زعير على الدعوه وانطلق عقيل راجعاً وبعد صلاة العصر كان عقيل موجوداً عند ابن مجنّي وقال عقيل لابن مجنّي الأمير وافق على العزيمة وهو على أثري جاي وذهب بن مجنّي ونصب الخيام هو وابنه أحمد ومعاونوهما واستقبل ابن زعير أمام مخشوشة واستقبل ابن زعير وعائلته أحسن استقبال ونزل النساء عند النساء وهذا يؤكد وجود الأمير بعائلته نزول زوجة بن مجنّي وزوجة ابنه أحمد أكد العم جابر أنه رآهم بنفسه هو وخاله أحمد بن جابر.
وبعد أن انتهوا من ضيافة ابن زعير اتجهوا جميعاً إلى مركز ثريبان التابع لإمارة القنفذة ودعا بن مجنّي معه ليرافقه ويذهبون لفهيد أمير ثريبان وأضاف العم جابر قال: شفنا زوالي حمر ما شفناها إلا عند صيوان استقبال ابن زعير، يعني أنه يملك من الفرش والأرائك ما لا يملكه غيره من بني عصره، إذن استنتج أن ابن زعير ضيف عنده عام 1351هـ.
عبد الله الرزقي العرضية الجنوبية يتبع |