* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي فراج - علي البلهاسي:
في ظل التوتر الدولي الذي يشهده العالم أجمع وفي ظل حالة الاحتقان بين المشرق والمغرب والتي لا تعدم بين الحين والآخر متطرفاً أرعن يغذي هذه الحالة ويشعل فتيل الأزمات كما حدث في أزمة الرسوم الدنماركية التي نشرتها إحدى صحف الدنمارك وتسيء للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وعلى خلفية صراع دامٍ تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد العالم العربي والإسلامي تأتي زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى المملكة العربية السعودية ولقائه بالملك عبدالله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين لتؤكد أن العالم يحتاج إلى عقلائه الذين يؤمنون بضرورة الحوار بين الحضارات والتشاور حول ما يخص الأمم من مصالح ومنافع بعيداً عن غبار المعارك وتهديد الأسلحة.
ولقد كانت فرنسا دائماً إلى جانب الصف العربي حيث إنها وقفت ضد الحرب على العراق ودعمت مبادرة السلام العربية التي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية وساندت الحقوق العربية في فلسطين، كذلك رفضت ما قامت به الصحف الأوروبية في أزمة الرسوم وأعلنت أن ذلك ضد حرية الاعتقاد التي يجب أن يتحلى بها العالم المتحضر، لذلك فإن العلاقات السعودية الفرنسية سوف تصب حتماً في خدمة المصالح العربية الإسلامية وتكسب للصف العربي الإسلامي حليفا قوياً هو فرنسا التي تسميها الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تمثل أوروبا العجوز. ولكن هذه العجوز لها ثقلها الدولي وتقاربها من الدول العربية لا شك يصب في مصلحة الطرفين في ظل عالم يرضخ تحت سيطرة قطب واحد.
ويرى المحللون السياسيون أن التوجه الفرنسي تجاه المنطقة ما هو إلا ترجمة لرفض باريس الحرب ضد العراق والانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وبالتالي فهي مواقف تضاف إلى رصيد باريس ولا يخصم منها في علاقتها مع العرب. وذهب البعض الآخر إلى أن فرنسا أخذت تعيد حساباتها الدولية وخاصة مع العرب بعد أن صاروا هدفاً للضغوط الأمريكية وجاءت المصالح المشتركة العربية والفرنسية نتيجة يأس الأولى من السياسة الأمريكية الموالية لإسرائيل من ناحية ومن ناحية أخرى بسبب الفراغ الذي تركه الاتحاد السوفييتي السابق ولم تملأه روسيا وكان نتيجة ذلك أن اعتبرت بعض الدول العربية فرنسا هي ملجأها في حالة اشتداد الصراع العربي الصهيوني وكان هذا من ناحية الوطن العربي.
أما من ناحية باريس فكانت تسعى منذ الرئيس الراحل (شارل ديجول) إلى التصدي إلى الثنائية القطبية الممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وبعد سقوط الأخيرة وانفراد الأولى وتفردها كقوى عظمى وحيدة، زاد الحرص الفرنسي لمواجهة هذا التفرد، وفي نفس الوقت تحقيقاً لمصالحها في المنطقة والتي أشار إليها الرئيس شيراك قائلاً: (لست في حاجة إلى أن أذكركم بأن فرنسا تحتفظ بأوراق رابحة مهمة في العالم العربي في العديد من المجالات). وما بين الاحتياج العربي لدولة بثقل فرنسا والرغبة الفرنسية لتحقيق أهدافها في المنطقة ومواجهة القطب الأوحد نشأت المصالح المشتركة العربية الفرنسية، حيث تلاقي الرفض الديجولي لعالم ثنائي القطبية مع المشروع الناصري لتحرير العرب من سيادة القوى العظمى لكي تفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات العربية الفرنسية.
وبعد تولي الرئيس الحالي جاك شيراك (الديجولي الجديد) سدة الحكم في باريس عام 1995 سعى إلى إعادة فرنسا إلى الساحة الدولية بعد فترة الركود الذي منيت به فرنسا في عهد سلفه (ميتران) ذي التوجهات الاشتراكية، خاصة أن شيراك اكتشف أن النجاح الذي حققه (ميتران) ظل مقصوراً على شرق القارة الأوروبية وبعض دول إفريقيا، وقد استطاع شيراك إقناع الفرنسيين بأن تكون السياسة الخارجية لباريس تحاكي السياسة الديجولية في شتى الاتجاهات.
ويؤكد المحللون أنه إذا كان الاستقرار في الوطن العربي هو هدف يسعى إليه العرب فإن حرص فرنسا على إيجاد هذا الاستقرار في الوطن العربي لا يقل عن حرص العرب عليه.
فهذا الاستقرار سينعكس بشكل إيجابي على فرنسا داخلياً وخارجياً: فمن شأن تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلدان العربية أن يقلل ذلك من الهجرة العربية من دول المغرب العربي إلى فرنسا ويزيل بذلك الخوف الفرنسي على هوية مجتمعهم وثقافتهم.
وسينعكس هذا الازدهار الاقتصادي على سوق العمل الفرنسي حيث تقل منافسة الأيدي العاملة العربية الرخيصة للعمالة الفرنسية مما يقلل من نسبة البطالة ويساعد على استقرار المجتمع الفرنسي، وبتحقيق الاستقرار السياسي في الوطن العربي ستقل الحاجة إلى الوجود الأمريكي المباشر وهو ما ترمي إليه السياسة الخارجية الفرنسية ويؤدي ذلك إلى انخفاض الإنفاق العسكري ويخفف بذلك الهيمنة الأمريكية على المنطقة، الأمر الذي سيفسح المجال أمام فرنسا وغيرها من الدول للحصول على نصيبها من السوق العربية. ولتحقيق كل هذه الأهداف يجب تسوية الصراع العربي الصهيوني بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية وهو ما يشكل اليوم محور السياسة الخارجية الفرنسية.
ويشير المحللون إلى أن سياسة فرنسا تجاه العالم العربي ترتكز على عدد من المبادئ الكبرى المستلهمة من علاقة رفيعة نسجها الفرنسيون والعرب منذ زمن بعيد: وأول هذه المبادئ يقضى بأن يتحاور الطرفان بصفتهما شريكين على قدم المساواة يكن كل منهما للآخر المودة والتقدير. ولابد لهذا الحوار أن ينمو في ظل الاحترام المتبادل لشخصية الآخر وهويته. والمبدأ الثاني: هو حرص فرنسا على حق الشعوب في تقرير مصيرها بكل حرية وتأكيد استقلالها وحقها في حياة آمنة وتعدّ فرنسا أن هذا المبدأ الجوهري لا بد أن ينسحب على كل الشعوب دون استثناء. والمبدأ الثالث: هو تأييد فرنسا لتطلعات الشعوب العربية إلى التضامن والوحدة.
والمبدأ الرابع: هو تأييد فرنسا لتطلعات العالم العربي إلى الانفتاح والسلام، وأن فرنسا إلى جانب كل من يحارب التطرف والتعصب وقوى الكراهية، وتستمد هذه السياسة الفرنسية قوتها من عاملين أساسيين:
أولاً: المعرفة القديمة المتبادلة بين الفرنسيين والعرب، والتي عززت أواصر الصداقة بينهما على امتداد مئات السنين، والتي تتسم اليوم بحيوية نابضة أكثر من أي وقت مضى، ثم إنه في فرنسا تتواجد في أكبر جالية مسلمة في أوروبا، تقدر بأربعة ملايين نسمة ويمكن القول إنه منذ وصول شيراك إلى الحكم وهو يحاول رسم ملامح دور فرنسي جديد في العالم بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص وعن أهمية القمة السعودية الفرنسية استطلعت الجزيرة آراء عدد من المحللين السياسيين حول أهميتها ودورها في دعم ومساندة القضايا العربية حيث أوضح الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب المصري أن السعودية لا تألو جهداً في تحقيق صالح العرب والمسلمين وذلك عبر علاقاتها مع مختلف العواصم الدولية ويتجلى قدر الذكاء والحكمة للقيادة السعودية في نشاطها وتحركاتها الدبلوماسية النشطة سواء في علاقاتها العربية أو الدولية كما حدث في الجولة الآسيوية التي قام بها الملك عبدالله مؤخراً مؤكداً أن التقارب الفرنسي العربي يصب في صالح القضايا العربية مع الحفاظ على الثوابت وتعود على الأمة العربية والإسلامية بالخير. ففي مجال القضية الفلسطينية وهي قضية العرب الأولى فنجد أن للدبلوماسية السعودية باعاً طويلاً فيها وحقق إنجازات ربما تفوق ما تحقق من انجازات تحركات أخرى في هذا السياق، كما أن للدول العربية مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت.
وأشار الفقي إلى أن زيارة الملك عبدالله لفرنسا في أبريل العام الماضي عندما كان ولياً للعهد ولقائه الرئيس الفرنسي جاك شيراك حازت القضية الفلسطينية النصيب الأكبر من المباحثات، وقد تأكد خلالها تأييد الجانب الفرنسي للحقوق الفلسطينية والثوابت العربية وبدا انحياز الجانب الفرنسي واضحاً لوجهة النظر السعودية والعربية، كما أن المباحثات أكدت توافق الرؤى حيال قضية الإرهاب الذي نجحت المملكة في التصدي له وتضييق الخناق على الفئة الضالة والعمل على استئصال هذه الظاهرة من جذورها، كما توافقت الرؤى حيال العديد من القضايا العربية والدولية والاتفاق حول قرار مجلس الأمن القاضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية للوصول إلى حقائق اغتيال رفيق الحريري كذلك القضية العراقية التي استأثرت باهتمام بالغ من المباحثات حيث أكدت على ضرورة أمن واستقرار العراق وصيانة وحدته. وخلص الفقي إلى أن القمة السعودية الفرنسية ستكون تأكيداً على هذه المبادرة التي سبق وأن تم الاتفاق عليها.
ويرى د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن القمة السعودية الفرنسية تأتي في وقتها تماماً حيث يواجه العالم العربي مستجدات على كافة الأوضاع سواء في علاقاته الداخلية أو الخارجية كما يحدث في الأراضي الفلسطينية من فوز حماس بالسلطة ومحاولات إسرائيل التنصل من اتفاقاته وعدم تنفيذها تفاهمات شرم الشيخ، أو فيما شهده العراق من مستجدات بعد تشكيل الحكومة الجديدة، أو ما يحدث على الصعيد السوري اللبناني فيما يخص قضية اغتيال رفيق الحريري.
ويقول المحلل السياسي الدكتور السيد عليوه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن المعروف إن القمم السعودية الفرنسية يكون لها دائماً نتائج إيجابية ومن أبرزها التأكيد على الثوابت العربية في فلسطين ومواصلة الدعم الفرنسي للجهود المبذولة لاستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وخارطة الطريق وكذلك تأكيد الجانب الفرنسي على دعمه لمبادرة السلام العربية والعمل على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في العراق ودعم الجهود المبذولة لاستجلاء الحقيقية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وهذه الرؤية الفرنسية تجلت بوضوح في زيارة الملك عبدالله إلى باريس ابريل الماضي.
وأكد الدكتور محمد السعيد إدريس الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية على ضرورة وجود تقارب عربي فرنسي لمنع إسرائيل من استثمار علاقاتها مع فرنسا لضرب العلاقات العربية الفرنسية، وقال إن هناك مساعي أمريكية وإسرائيلية لضرب هذه العلاقات وقد عانت فرنسا بسبب مواقفها الداعمة للعرب فبسبب الموقف الفرنسي القوي والرافض للغزو الأمريكي للعراق واندفاع دول أوروبية أخرى، خاصة بريطانيا بمشاركة دول حديثة العضوية في الاتحاد الأوروبي، لدعم هذا الغزو أصبحت فرنسا توصف مع ألمانيا بأوروبا القديمة وبدأ المستهلك الأمريكي يتحول عن المنتجات الفرنسية، وبدأ الوزن الفرنسي في القرار الأوروبي يتراجع، بسبب انحياز الدول الأوروبية الحديثة العضوية في الاتحاد الأوروبي إلى السياسة الأمريكية، وظهر النفوذ الأمريكي قوياً في القرار الأوروبي بما يعني تجاوز كل الخطوط الفرنسية الحمراء منذ عهد ديجول.
وأكد إدريس أنه بالرغم من التقارب الإسرائيلي الفرنسي إلا أن فرنسا كانت ولا تزال حليفاً للعرب وعلينا استثمار ذلك، مشيراً إلى أن القمة السعودية الفرنسية سوف تقوي العلاقات العربية الفرنسية وسوف تعمل على ايجاد حلول للقضايا العربية خاصة في فلسطين والأزمة السورية اللبنانية.
|