Saturday 4th March,200612210العددالسبت 4 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الطبية"

فيتامينات إدارية فيتامينات إدارية
الصحة والعولمة (4 -4)
منذر جبق

تعرضت العولمة للكثير من المديح والهجوم وفي الحالتين وفي أحيان كثيرة دون قرائن أو أدلة واضحة والواقع أن العولمة الآن هي حزمة متشابكة فيها الكثير من المتناقضات حسب المكان والزمان اللذين تقع فيهما.
ويتميز العالم اليوم في ظل هذه العولمة بالانتقال من عصر الصناعات الثقيلة إلى عصر الخدمات، وازدياد النشاط الاقتصادي الذي يعنى بإيجاد ومعالجة ونشر المعلومات مع اندماج أعمق لهذا الاقتصاد الذي ينتقل من وضع المنظمات والشركات المستقلة إلى تلك المتصلة والمترابطة التي يمتد عملها خارج أسوار حدودها بحيث أصبح هناك أنماط من الاقتصادات الضخمة المتوجهة نحو العالم ككل ودرجة عالية من حرية التحرك لرأس المال والمنتجات والخدمات إضافة إلى القدرة على تفعيل أجزاء منتقاة من سوق العمل حسب نشاط وأهمية هذه الأجزاء.
ومع أن ظاهرة العولمة قد بدأت فعلياً منذ قرون ولكن من المؤكد أننا نعيش الآن أكثر مراحلها حدة وغلياناً فهي عملية معقدة وغير متوازنة قد تؤدي إلى نتائج غير متكافئة وأحياناً متناقضة تجاه الأفراد والمجموعات البشرية ينتج عنها خاسرون ورابحون مع ما يعنيه ذلك من مخاطر وفرص وهذا ما نراه الآن من تغييرات في الأنماط الاقتصادية وتبادل الإنتاج وازدياد التباين في موازين القوى والإستراتيجية المعقدة للشركات الكبرى وانحدار قدرة العديد من الدول على وضع السياسات الاجتماعية المستقلة.
وقد ذكرنا في المقالات الثلاث السابقة تأثيرات العولمة من النواحي البيئية والتكنولوجية والجغرافية. أما من الناحية الثقافية فهناك تغييرات جذرية نشهدها بالنسبة لتبادل المعرفة والأفكار والمعتقدات والنماذج السائدة والقيم والهوية الثقافية وطرق التفكير والنظرة إلى الذات إضافة إلى بروز عصر الإعلام والإعلان والمؤسسات التعليمية العالمية والمراكز العلمية الكبرى والمنظمات الدولية التي ينتج عنها جميعاً تشاركاً وتبادلاً قسريان في الثقافة وخلق معارف جديدة مثل حقوق الملكية الفكرية، النظريات التعليمية الحديثة، الأبحاث العلمية غير المألوفة وما يترتب عن كل ذلك من حقوق ومكتسبات لمقدميها.
فماذا عن الصحة والعولمة وهل يتباين تأثير العولمة على الصحة بين الدول والشعوب؟ يلخص دولار (2001) إيجابيات العولمة على الصحة في أنها تساهم في رفع المداخيل في الدول الفقيرة نتيجة الاندماج الاقتصادي كما أنها تساهم في تحفيز وحث الدول على تطوير سياساتها وإجراءاتها الصحية وتقدم الفرص للدراسات والبحوث وتبادل العلوم والمعرفة والاستفادة من ذلك.
ولكن ما هي سلبياتها وهل تعادل الإيجابيات وهل تطمئن الدول النامية لمستقبل الصحة لديها تحت تأثير العولمة؟ فهناك التأثيرات العالمية كثقب الأوزون وتناقص التنوع البيولوجي والملوثات الصناعية والمنزلية وتدهور جودة التربة وتلوث الجو.
وهناك إساءة استخدام المصادر الطبيعية وتباين الدخل بين الدول والشعوب وظهور الأمراض المرتبطة بالفقر وانتقال الشعوب بين الحواجز (400 مليون مسافر و20 مليون مهاجر في السنة).
وهناك تجارة كبرى في المواد المباحة الضارة كالتبغ إضافة إلى تجارة المخدرات التي ارتفعت 10 أضعاف في السنوات العشرين الأخيرة.
وأخيراً هناك صراع دائم ومحتدم يستنزف طاقات الدول في محاولاتها للتجاوب مع التكنولوجيا والسياسات الإدارية الطبية الحديثة التي لا تنفك تطرق أبوابها بدون أن تكون مستعدة لاستقبالها.
فهل العولمة باب للثراء أم توسيع للفجوة الاقتصادية والاجتماعية وهل هي مصدر للتواصل الاجتماعي والثقافي بين الدول أم للانفصال والتشرذم بين المجموعات الاجتماعية؟ وهل هي وسيلة لإيجاد التكتلات المتجانسة أم قوى للامساك بالقرار والموارد؟ وهل هي عامل تسهيل للتعاون أم عامل تفرقة بين الناس والدول؟ والسؤال الأكبر هو هل لدينا الخيار لقبولها والتأقلم معها أم القدرة لرفضها والعيش بدونها؟ أسئلة كثيرة يجب طرحها وتداركها وتدارسها، فالموجة قائمة وليست قادمة والصحة من أهم عوامل استمرار الحياة والمجتمعات والعولمة يمكن أن تكون حافزاً إيجابياً ومؤثراً لاستشراف المستقبل الصحي في الدول النامية والعمل على تطوير الأنظمة والسياسات والخدمات والتعليم في المجال الصحي لمحاولة الظفر بأكبر قدر من إيجابيات العولمة وتجنب أكبر قدر كذلك من سلبياتها إن أمكن.

mj@derma-clinic. com

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved