حمود الربيعة (*)
تصور أنك ستقوم في يوم من الأيام بزيارة أحد أقاربك في عطلة (يوم الرئيس). ستقوم منذ المساء بشحن سيارتك التي تعمل بنظام الكهرباء والكحول الإيثيلي الصناعي عن طريق فيش الكهرباء المخصص لهذا الغرض في منزلك، وفي الصباح ستقود سيارتك التي تعمل حالياً على بطارية الليثيوم مسافة حوالي 40 ميلا أو حوالي 67 كيلو مترا، وهي المسافة التي يمكنك قطعها لكمية الشحن الكهربائي التي تستوعبها البطارية في الوقت الراهن، ثم تتوقف عند محطة تعبئة الكحول الإيثيلي الصناعي المستخرج من الذرة حيث هذا الأخير يستخدم بديلا للبنزين (وقود السيارات الحالي) لتكملة الرحلة. أو يمكنك أن تأخذ سيارتك (الميني فان) التي تعمل على الهيدروجين (الذي يحمل في السيارة كأنبوب مماثل لأنبوب البوتاغاز الحالي) وعند نفاد الكمية تتوقف لإعادة التعبئة في محطة توليد الهيدروجين التي تعمل على الطاقة المستمدة من محطة الطاقة النووية في المدينة، وعندما تصل إلى مكان السكن سيكون هذا المكان مزودا بطاقة مستمدة من الفحم الحجري النظيف أو من الطاقة المستمدة من الرياح أو من السقف المزود بمصدر للطاقة الشمسية.
بهذه الفقرة اختتم الرئيس الأمريكي جورج بوش خطابه الذي ألقاه في مقر شركة جونسون كونترول بمدينة ملواكي في ولاية وسكونسن بمناسبة الاحتفال ب (يوم الرئيس) يوم الأحد 20 فبراير 2006م. وقد ألقى بوش الضوء في هذا (الخطاب التاريخي) كما أسماه على استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص مصادر الطاقة.
وقد تحدث بهذه المناسبة عن مشروعه المقترح المقدم للكونجرس (مبادرة الطاقة المتقدمة) التي يمكن تلخيصها في هدفين أساسيين: الهدف الأول هو تغيير طريقة تشغيل المركبات الصغيرة ومركبات الشحن، والهدف الثاني هو تغيير طريقة حصول الأمريكيين على الطاقة الكهربائية اللازمة لتكييف وإنارة منازلهم ومكاتبهم.
وبالنسبة للهدف الأول فإن الخطة هي تقليل الاعتماد على النفط قدر المستطاع وذلك بعمل التالي:
* الاستثمار في إنتاج أنواع جديدة من المركبات تتطلب أقل ما يمكن من بنزين السيارات: ولتحقيق ذلك يمكن أن تتم زيادة كفاءة مكائن المركبات والتخفيف من وزنها بحيث يمكن أن يتم قطع نفس المسافة التي تقطعها المركبة حالياً ولكن باستهلاك 60% فقط من كمية بنزين الحالية. وكذلك تصميم السيارات في المستقبل بحيث يكون نظام تشغيلها هجينا (HYBRID) بحيث تعمل على الكهرباء لمسافة معينة ثم بعد ذلك على البنزين، ويمكن الاستفادة من هذا النوع من السيارات في المدن الصغيرة والقرى التي لا يضطر المواطن إلى التنقل لمسافة أكثر من 40 ميلاً للرحلة الواحدة. ويتم حالياً العمل على زيادة فعالية البطارية بحيث تستعمل بطارية من نوع الليثيوم لتمكن المركبات من قطع مسافة تزيد على 100 ميل.
* البحث عن أنواع من الوقود الجديد الذي تستخدم بديلا للبنزين أو لا تعتمد على البنزين: سيتم التركيز على الكحول الإيثيلي الذي ينتج من الذرة بشكل رئيسي بالإضافة إلى مصادر أخرى مثل نشارة الخشب وبعض الحشائش وغيرها، وبالإمكان استخدام معادلة لخلط الكحول الإيثيلي مع البنزين بحيث يكون خليط الوقود المستخدم هو 85% ايثيل كحولي و15% بنزين كما هو في الخليط المسمي e-85 ويجري حالياً تطوير هذه الصناعة. وقد تم تقديم حوافز الإعفاءات الضريبية إلى 51 سنتاً لجالون الوقود المخلوط، وسيتم التعميم على جميع الولايات بالاستثمار في هذا القطاع.
* تطوير طرق حديثة لتشغيل المركبات دون الاستخدام القطعي للبنزين: لقد تم تخصيص مبلغ وقدره 1.2 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة لتطوير ما يسمي خلية وقود الهيدروجين، وهذه الخلية ببساطة لا تطلق أية غازات ملوثة وإنما تطلق بخار الماء من أنبوب العادم، وسيتم في القريب المنظور الحصول على مركبات تعمل على الهيدروجين فقط وذلك قبل العام 2025م.
الهدف الثاني من مشروع (مبادرة الطاقة المتقدمة) هو كيفية الحصول على الطاقة لإنارة وتكييف منازل ومكاتب الأمريكيين، وهذا يعني أنه يتحتم تنويع مصادر الطاقة بحيث لا يتم الاعتماد على الغاز الطبيعي المسيل الذي يتم استيراده لهذا الغرض، بالإضافة إلى أغراض أخرى. أيضا فإن هذا الغاز يمكن أن يستخدم كلقيم في الصناعات البتروكيماوية والكيميائية بحيث يساعد على تخفيض الأسعار على قطاع الأعمال في حالة تم الاستغناء الكامل عن استخدام الغاز الطبيعي المسيل في تدفئة المنازل أو توليد الطاقة الكهربائية.
وحسب الإحصائية الحالية فإن أمريكا تحصل على الكهرباء من الفحم الحجري بنسبة 50% ومن الطاقة النووية بنسبة 20% ومن الغاز الطبيعي المسيل بنسبة 18% والباقي يتم الحصول عليه من مصادر الطاقة الشمسية والرياح ومساقط المياه مثل السدود والشلالات. وفيما يخص الفحم الحجري فإن الاحتياطي لهذه المادة في أمريكا يزيد على 250 سنة، وسيتم العمل على تطوير طرق القضاء على التلوث جراء استخدام الفحم الحجري، والخطة التي لدينا - كما يقول بوش - هي أنه في عام 2015 سيتم بناء محطة كهرباء تعتمد على الفحم الحجري مصدرا للوقود بنسبة تلوث صفر. وفيما يخص توليد الكهرباء عن طريق الطاقة النووية فإن أمريكا قد توقفت عن إقامة هذه المحطات منذ السبعينات الميلادية، حيث توجد حالياً 100 محطة تعمل في 31 ولاية، ولكن بالمقارنة مع فرنسا على سبيل المثال فإنها قد بنت منذ السبعينات وحتى الآن 58 محطة توليد كهرباء تعمل بالطاقة النووية وتنتج حوالي 78% من حاجة فرنسا من الكهرباء. ونظراً إلى أهمية هذا المصدر فسيتم التعاون مع فرنسا وبريطانيا واليابان وروسيا للاستفادة من تقنياتها لبناء محطات نووية لتوليد الكهرباء، وفي نهاية هذا العقد الميلادي سيتم البدء بتنفيذ إنشاء مثل هذه المحطات. ولقد تم وضع ميزانية تقدر بحوالي 1.1 مليار دولار لإنشاء محطات للطاقة النووية ابتداء من عام 2020م.
والمصدر الثالث للطاقة الكهربائية هو الطاقة الشمسية، وقد تم تخصيص ميزانية لهذا القطاع تقدر بحوالي 150 مليون دولار للسنة القادمة لتشجيع البحوث لكل من القطاع الحكومي والخاص. ويتوقع أن يصل هذا المصدر إلى مرحلة منافسة للمصادر الأخرى في العام 2015م. وأخيراً فإن الرياح تعتبر مصادر مهمة لتوليد الطاقة حيث إن حوالي 6% من أراضي أمريكا تعد صالحة لهذا الغرض. وقد تم صرف مبلغ 3 مليارات دولار لتركيب معدات لتوليد الكهرباء من الرياح. والمتوقع أن يتم الحصول على 20% من استهلاك الكهرباء في أمريكا من هذا القطاع.
ماهية الدروس المستفادة من هذا التوجه الأمريكي الذي يؤكد من خلاله الرئيس بوش أنه في 2025م سيتم الاستغناء عن 75% من واردات أمريكا من البترول؟ أي حوالي 3 ملايين برميل يوميا بدل حوالي 12 مليون برميل يومياً في سنة 2005م، أي الاستغناء عن استيراد حوالي 1.2 مليون برميل يومياً من نفط المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت.
في رأيي أن معظم دول العالم حالياً لديها نفس توجه أمريكا بخصوص تقليل اعتمادها على النفط والغاز والبحث عن البدائل حسب ظروف كل بلد، وما توجه أمريكا من خلال إستراتيجيتها طويلة المدى إلا إشارة إنذار للدول التي تعتمد على النفط والغاز في اقتصادياتها لوضع استراتيجياتها التي تحميها من انخفاض مبيعاتها جراء النقصان المستمر في النمو على استهلاك هاتين السلعتين. وفي رأيي فإن على هذه الدول وبالذات المملكة العربية السعودية أن تتبنى استراتيجية طويلة المدى تتبنى التالي:
1 - كون سعر النفط حالياً يعد مرتفعاً ما يبشر بارتفاع الواردات من هذه السلعة فالمتوقع خلال السنوات السبع القادمة أن يحافظ سعر البرميل على المستويين 45 - 65 دولارا للبرميل؛ لذا فإن الاقتراح هو ضرورة تجنيب حوالي 15% من الإيرادات السنوية سنوياً خلال السنوات القادمة لتشكل احتياطي يحمي الاقتصاد من التقلبات جراء الانخفاض على الطلب. ويتطلب هذا التزام من قبل الدولة بعدم المساس بهذا الاحتياطي تحت أي ظرف كان، بل العمل على تنميته وذلك باستثماره بالمجالات الاستثمارية المناسبة والآمنة، ويمكن الاستفادة من الخبرات المحلية والأجنبية المتخصصة في هذا المجال.
2 - تطوير منظومة التعليم والتدريب بجميع عناصرها والاهتمام بمخرجاتها بما يلبي احتياجات المجتمع المتغيرة؛ وذلك من أجل الارتقاء بالكفاءات السعودية ولتخريج الكوادر المتخصصة والمؤهلة مهنيا وتقنيا للاضطلاع بالمهام المستقبلية للمملكة، وذلك تماشياً مع أهداف الرؤية المستقبلية للخطة الخمسية الثامنة المتمثلة في (توفير التعليم وتوفير فرص عمل مجزية وتزويد القوى العاملة بالمهارات اللازمة) والاستثمار في الإنسان السعودي هو الاستثمار الحقيقي الذي سينتج عنه تأسيس قاعدة بشرية قادرة على تسيير شؤون المملكة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات، وقد سبقتنا بلدان كثيرة كانت لديها مشاكل مثل البطالة بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى وذلك لاعتمادها على المواد الأولية الطبيعية مثل ماليزيا، لكنها تعد حالياً من أفضل الدول في الإنتاجية ولديها الكوادر المحلية التي تمتلك المهارة والكفاءة المهنية العالية، بل حالياً يوجد نقص في العمالة لبعض القطاعات المتخصصة أو الوظائف البسيطة في هذا البلد التي يتم استقدامها من الخارج حسب افادة المسؤولين فيها. ايضاً فإن ايرلندا وسنغافورة تعدان أمثلة أخرى كونهما وضعا تعليم وتطوير أبنائهما ضمن أهم بنود استراتيجياتهما وذلك بالتركيز على قواهما الذاتية برفع مستواهما المعرفي والتقني.
3 - التقليل المستمر من الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساس للدخل في المملكة، وإنما يجب البحث عن بدائل إستراتيجية ذات أسس اقتصادية رئيسية، وذلك حسب ما اقترحته الخطة الخمسية الثامنة التي أكدت على (انحسار أهمية المواد الأولية في تكوين الميزات التنافسية للمنتجات وازدياد أهمية المكون المعرفي والتقني).
4 - الاهتمام بسكان المدن والقرى وتقليص الهوة العميقة بين المدن الكبيرة من ناحية الخدمات والبنى الأساسية وذلك لإيجاد توازن بينها لإنعاشها اقتصاديا واجتماعيا، الأمر الذي بدوره سيؤدي إلى تقليل الهجرة من القرى والمدن النائية إلى المدن الكبيرة المزدحمة، وذلك تماشياً مع الخطة الثامنة التي تنص على: (تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة وتضييق الفجوة التنموية فيما بينها).
أخيراً، فإنه لا يفوتني إلا أن أنوه إلى أن لهجة بوش في خطابه أعلاه في ملواكي لم تخلُ من تكريس كراهية الشعب الأمريكي للشعوب الأخرى، حيث وصف الدول التي تملك مصادر البترول بأنها دول تهدد الأمن القومي الأمريكي وتهدد حياة وأمن المواطن الأمريكي في عقر داره، وأن أمريكا تعد رهينة بيد تلك الدول. وهذا موقف جانبه الصواب حيث إن التوجه الحالي للعالم يدفع إلى التعاون بين الشعوب قاطبة وأن العالم يجب أن يكون قرية صغيرة تتعايش فيها الشعوب بتعاون وتكاتف من أجل مواجهة كافة التحديات ومعالجتها بدءاً من محاربة التلوث بنوعيه النووي والبيئي والقضاء على الأوبئة المختلفة التي تفتك بالإنسان مثل الإيدز وإنفلونزا الطيور وغيرها، وكذلك العمل على القضاء على الأمراض الفتاكة ومحاربة الفقر والتصحر.
إن الرئيس الأمريكي عليه مسؤولية كبيرة باعتباره يرأس أكبر قوة في العالم اقتصادياً وتقنياً وإمكانات أخرى، وكان الواجب توجيه تلك الإمكانات الهائلة إلى خدمة الإنسان ونشر السلام بين دول العالم وحفظ كرامة الإنسان في كافة أنحاء الأرض والبُعد عن العقلية الاستعمارية التي تفرض الهيمنة بقوة السلاح، ولتحقيق ذلك لا بد من الانسحاب الفوري من جميع أراضي الشعوب التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه هي الديمقراطية الحقيقية التي تدعي الولايات المتحدة أنها المدافعة عنها والمصدرة لها.
(*) كاتب سعودي |