* القاهرة - مكتب (الجزيرة) - محمد الصادق - علي البلهاسي:
في الوقت الذي تتصاعد فيه أصوات الإدانة لما شهده العراق من نزاعات بين أهل السنة والشيعة على خلفية التفجير الإرهابي الذي استهدف مرقدي الإمامين على الهادى والحسن العسكري بسامراء تتعالى أيضا الأصوات التحذيرية من تحويل العراق إلى أرض تحترق بنار الطائفية ومنذ التحول الذي حدث بسقوط صدام حسين ثم تشكيل حكومة جديدة يواجه العراق العديد من التحديات أبرزها عدم صوملته وإذكاء الطائفية فيه ومن هنا يؤكد الخبراء والمحللون ورجال الدين بضرورة الحفاظ على وحدته واستقلالية.
في البداية يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم أن الأمة العربية والإسلامية تشعر بالحزن والأسى للنزاع بين أهل السنة والشيعة وأن التفجيرات الإرهابية مرفوضة في كل وقت وكل مكان، ويجب أن يكون هناك رغبة عامة في تفادي نشوب ما يسمى بالحرب الأهلية وتوحيد الصف العراقي وضرورة محاصرة هذه الفتنة الهوجاء وذلك لإنقاذ العراق من أي تداعيات أخرى تكون نتائجها سيئة، فالتفجيرات هي إساءة لكل المسلمين من مختلف المذاهب لأن استهداف الأماكن الدينية دليل على استهتار بحياة الناس ومعتقداتهم.
مخططات أمريكية مشبوهة
يرى الدكتور أحمد يوسف أحمد رئيس معهد البحوث العربية التابع للجامعة العربية أن الذين قاموا بتفجير المقام ليسوا من سامراء، بل وليسوا من العراق. فالعراقيون أياً تكن اعتقاداتهم وحزبياتهم يدركون هول هذا العمل، وتأثيراته السلبية الكبيرة على الأوضاع الداخلية، وليس باستطاعة أحد فرداً أو جماعة تحمل مسؤولية ذلك، وما تلاه وسيتلوه من فظائع. أعتقد أن الجهة التي قامت بذلك همها احداث الحرب الأهلية، وتدمير بقايا وحدة العراق، ومنع قيام حكومة وحدة وطنية.والمعروف أن نكسات عدة سياسية هذه المرة وليست أمنية، نالت من الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة فقد انهزم أنصارهم في الانتخابات، وازداد النفوذ الإيراني، وعاد الجعفري الذي لا يحبونه ليكون المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة.
وهم يصرون الآن على أن لا تبقى وزارتا الداخلية والدفاع بيد الشيعة، من رجالات المجلس الأعلى أو حزب الدعوة، بعد أن ثبت ضلوع الحزبين في تنظيمات سرية، وفرق للاغتيال ضد السنة. لكنهم أيضا لا يحبون مقتدى الصدر، الذي نصر عودة الجعفري لخصوماته العميقة مع آل الحكيم ولاة أمر المجلس الأعلى. فالصدر هو الزعيم الشيعي البارز الوحيد الذي يجاهر الأمريكيين بالعداء، وشيعة سامراء بينهم كثرة من أتباعه.
ومن جانبه يؤكد الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم أنه من الغباء حصر المتهمين بالتفجير في دائرة واحدة، اللهم إلا إذا كانت الغاية الدفع إلى التغطية على مشاريع سياسية خفية من خلال إشاعة حالة الرعب والريبة، ولا ننسى أن الأمريكيين نجحوا في الآونة الأخيرة في تضييق الخناق على الأطراف الشيعية في الاستحقاقات السياسية الجديدة، إذ ثمة اتفاق بين الفرقاء العراقيين على أن حيازة الائتلاف لوزارتي الداخلية والدفاع خط أحمر، فضلا عن رفض هيمنتهم على بقية المسؤوليات الأمنية ووزرات السيادة مثل النفط، وإذا ما استمر الوضع بهذا النسق، فإن الطبخة الأمريكية ستمرر وسيفقد الشيعة رهاناتهم في الهيمنة على العراق، وليس مستبعدا أن تقدم جهات من داخلهم أو من داعميهم وراء الستار على القيام بعملية نوعية مثل تفجير أحد المراقد وإعادة الوضع الأمنى والسياسي إلى نقطة الصفر ويستعيدوا القدرة على المناورة. وهذا الافتراض لا يمكن أن يكون بعيد الاحتمال.وحتى لا يضيع العراق في ثنايا اللعبة الأمريكية فإن الأطراف العراقية الوطنية مطالبة بأن تتجند لتفويت الفرصة على هؤلاء اللاعبين من خلال التمسك بالحوار والعملية السياسية المبنية على التوافق.
أما الدكتور أحمد إبراهيم خبير الشؤون الأمنية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فيقول إن عمليات تفجير المراقد والعنف المتصاعد في العراق تثير التباسات معقدة بشأن ما إذا كانت هذه العمليات تندرج في إطار المقاومة المشروعة للاحتلال الأجنبي أو ما إذا كانت هذه العمليات قد انزلقت إلى هوة التخريب والإرهاب غير المبرر الذي لا يخدم أي هدف سياسي مشروع وأكد إبراهيم على مسؤولية الولايات المتحدة في خلق هذه الإشكالية قائلاً إنها هي التي سارعت إلى شن حرب غير شرعية لغزو العراق والإطاحة بنظام الحكم فيه والسيطرة على مقدراته ثم تركت العراق نهباً للفوضى والعنف كما سعى الاحتلال الأمريكي عمداً إلى خلق حالة الفراغ الأمني في العراق لتبرير بقائه في العراق لأطول فترة ممكنة وهذه السياسة ذاتها هي التي تسببت ليس فقط في تصاعد المقاومة الوطنية العراقية ضد الاحتلال الأمريكي ولكنها حولت العراق أيضا إلى بؤرة جذب لكافة الجماعات المناوئة للولايات المتحدة وأتاحت للعديد من الدول والجماعات شن حروبها الخاصة بالوكالة على أرض العراق.
وأشار إلى أن الإشكالية الرئيسية في عمليات العنف الجارية في العراق الآن تتمثل في أن أغلب الجماعات المنفذة لها لا تتبنى برنامجاً سياسياً أو فكرياً متماسكا ً بل تبدو كما لو كانت عبارة عن جماعات من الهواة الذين لا يمتلكون أي وعي سياسي والذين يسعون فقط إلى إفشال أي تطورات سياسية أو اقتصادية تجري في العراق لمجرد أنها تتم تحت مظلة الاحتلال الأمريكي بل ولا يتورعون عن دفع العراق نحو الفوضى والانهيار لمجرد تعجيز الحكومة المؤقتة وسلطة الائتلاف المتعددة الجنسيات ومنعها من مواصلة تنفيذ العملية السياسية حتى لو كانت هذه العملية سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء الاحتلال. فالخيار المطروح من جانبهم يتمثل في تصعيد المواجهة المسلحة الحالية بمعدل متزايد بصورة يمكن أن تزيد من السخط الداخلي على هذه الحرب من جانب الرأي العام في الولايات المتحدة بما قد يؤدي إلى خلق رأي عام ينادي بخروج القوات الأمريكية من العراق خاصة إذا خرج الوضع هناك عن السيطرة وبالتالي يمكن أن يأتي إنهاء الاحتلال نتاجاً لاضطرار القوات الأمريكية للخروج من العراق تحت وطأة الخسائر البشرية بحيث يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى خلق حالة من الفراغ التي لا يستطيع أن يملؤها أحد أو ربما تتصور تلك الجماعات أنها سوف تنجح في ملء الفراغ وتنفيذ مشروعها الأصلي.
|