يستقبل المسلمون عامهم الهجري الجديد وكلهم خوف ورجاء، خوف مما مضى لا يدرون ما الله قاض فيه. ورجاء فيما يأتي لا يدرون ما الله صانع فيه.
ولكن السعيد من وفقه الله إلى اغتنام ماضيه الذي طويت صفحاته بأعماله الصالحة، واستقبل حاضره وعامه الجديد بأفضل مما كان عليه فإن الأيام تمضي ولا تعود. وكلما ذهب يوم ذهب بعضك وهكذا حتى يأتي اليوم الذي تلاقي فيه ربك إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
أخي المسلم. وأنت تستقبل العام الجديد الذي أسأل الله أن يجعله عام خير وبركة. لا تجعل هذه الفرصة تفوتك فقد لا تدرك عامك المقبل فاندم على ما مضى وجدد العهد مع الله فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.. واستيقظ من غفلتك كيف. لا وأنت ترى الأيام تنصرم وتتهافت كتهافت أوراق الشجر وكل ذلك محسوب من عمرك طال الزمان أو قصر.
يا من شغل وقته بالمعاصي وازداد بعدا عن الله.. هلا من توبة نصوح في مطلع هذا العام الجديد تجعلها عنوان صفحات أعمالك فالتوبة تجب ما قبلها.
أقبل على الله وتقرب إليه شبرا يتقرب إليك ذراعا واجعل من ماضيك عبرة وعظة لمستقبلك فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. وإياك ثم إياك من التسويف الذي أهلك من قبلك فخير البر عاجله ألم تعلم أن الله يفرح بتوبتك مع غناه عنك أشد فرحا من الأم بولدها إلى متى وأنت تحارب الله بالمعصية، ألم تعلم أن الأجل يأتيك بغتة وساعتها لا ينفع الندم.
أخي المسلم، إن الأنفاس معدودة. والأزمنة محدودة. وأنت في وقت المهلة. فاستدرك ما مضى بما بقي. فإن الليل والنهار يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد، ويطويان الأعمار. ففي كل يوم يمر، بل في كل لحظة تنقضي عبرة وعظة لمن في قلبه ذرة من إيمان هذا عامك الجديد جاء بثوب جديد فتلبس به واخلع ثياب الغفلة نفرق بين مسلم عرف ربه وندم على ماضيه وأقبل على الله وانكسر بين يديه متذللا خاضعا قد دمعت عيناه حزنا وأسفا على ما قدمت يداه، ومسلم لم يتأثر بمرور الزمن نسي ربه واستمر على غيه وبعده عن الله لم يذق حلاوة الإيمان ولم يعمر الإيمان قلبه.
أخي المسلم. ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني).
إن لحظة محاسبة النفس تعد من لحظات العمر الثمينة حيث يغلب العقل على الهوى، ويصحو الضمير ويكون المسلم حكما بين نفسه وهواه وإيمانه وعقله. واسمع قول الشاعر:
ومن أمسك الماضي شهيدا معدلا وأصبحت في يوم عليك شهيد فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسان وأنت حميد ولا ترج فعل الخير يوما إلى غير لعل غدا يأتي وأنت فقيد |
والله أسأل أن يبارك لنا في عامنا الجديد وأن يجعله شاهدا لنا لا شاهدا علينا وصلى الله على نبينا محمد.
|