سلمْتَ يَرَاعي من المخزيا
وصليتَ في حلبات البيان
ونثر بديع تَراقصُ فيه ال
فللشعر منك مواويلُهُ
وتلقاك فيه شفاه العذارى
وللنثر منك أكفُّ الصبايا
وتدعوك في حِكَمٍ بالغا
فإما طربْنا وإما اكتأبْنا
وأحلامُنا: حُلُمٌ يتشظى
فيفنى القديم ويبلى الجديد
وبين ضلوعك أودعُ سرِّي
وفي كل درب أسائل صحبي
وفي كل فجر أواجه ليلاً
فعقلي أنتَ، وحسي أنتَ
وأنت هواي، وأنت مناي
فمُرْني بما شئتَ يا سيدي
وسجِّل تواريخنا في اعتداد
وبعض هوامشنا مارق
يَرَاعي! برئتَ من السخف قولاً
وجزتَ من المجد أعلى الذرى
ولم يتلبَّسْكَ يوماً نفاقٌ
وأنَّى اندفعتَ ارتفعتَ مكاناً
وأثنى عليك الرفاق وقالوا:
تنام على شفتيه الأغاني
ويبقى كما هو شهماً أبيًّا
يَرَاعي الحبيب، عشقْتُكَ طفلاً
وطاولت فيك بنات الهديل
وغنيت في موكب الشعر لحناً
وها أنا ما زلتُ أشدو بحبك
وما زال في الكأس منك بقايا
وتبعثني كلَّ يوم شباباً
ويزرعني في صدور المرايا
فإما كتبتَ، وإما زمرتَ
وأنت من الليل لحنٌ شجيٌّ
وأنت من الفجر أضواؤه
وتطلق آهاتها في حنان
وفي اللوح كانت لقاءاتنا
تُرسِّخُ فينا مضامينه
هو الذكر في آيه قد حبو
وعشت له، وبه سيداً
وبين الدفاتر والكتب كانت
تغنيت فيها بِطَيْبَةَ شعراً
وسطرت إلياذة في حنيني
وأسندت رأسي إلى حجرها
وفي فيئها الأبدي ارتضعت
أحنُّ إليها وسكناي فيها
وأصبو إلى أرضها في اشتياق
وإن أهملت ذات يوم لقائي
يَرَاعِي، لِطَيْبَةَ أنتَ، فلا
يَرَاعِي نذرتكَ للمكرما
وأنت إذا شئت كنت حَماماً
وكم جنة نوهت في الورى
وكم فتنة أطفأت نارها
ولو كنت متخذاً من رفيقٍ
وأودعت فيك جميل الرؤى
ولولاك ما انبعثت زهرة
وما قام في الوطن العربي
يمرون فوق رؤوس الليالي
وتمضي بك الآه شوطاً بعيداً
كأنك في راحة المستحيل
يَرَاعي، أشكو إليك زماني
وفي معصمي تئنُّ القيود
وينزف جرحي ذلاً، ويهمي
ويزدحم الصمت فوق شفاهي
وفي داخلي ألف صوت حميم
وها أنا أحمل نعشي وأمضي
ويلتاث دربي بأوزاره
ويصنع منك رحيلي انكساراً
رحيلي منك إليك اهتراء
رحيلي إليك هزيم الرياح
حنانيك يا قلب لا تبتئس
وربَّ رحيل يجر سلاماً
وقد كدت أكسر يوماً يراعي
وكدت أشقق يوماً طروسي
وكدت أريق مداد دواتي
لماذا؟! لأني أضعت طريقي
ولكنني عُدْتُ فوراً لرشدي
وأدركت أن الحياة يَرَاع
وجردت من كبريائي سيفاً
رفضت به سخريات زماني
وباسم يَرَاعي بدأت حياتي
ت وعشْتَ عفيفاً كريم الشيم
بشعر أصيل شهي النغم
حروف نشاوى وتحلو الكلم
تنافس كلَّ بنود العجم
تَضُوع نداءً ثريَّ الحُلُم
تدق الدفوف وتجلو العصم
ت لحفظ الإخاء ووصل الرحم
وإما اعتصرْنا دموع الندم
وآخرُ يغشاه روح القِدَم
ويلتاث بالعارض المدلهم
وأفرغ فيه كؤوس الألم
عن الفجر، والفجر ملء اللِّمم
كثير المواجع لا ينحسم
وفكري أنتَ إذا ما اضطرم
وأنت غنائي ولحني الأتم
فكل شؤونك أمر مهم
فبعض التواريخ لا ينسجم
بعِقْد الحقيقة لا ينتظم
وفعلاً، وحزت الحجا والحكم
وحققتَ ما كنت ترجو، فنَمْ
ولم يتخلَّلْك في الناس ذم
وحلَّقتَ كالنجم فوق الأكم
تبارك هذا اليَرَاع الأشم
وتصحو الأماني وتحيى الذمم
يطيب كِماماً، ويختال كُم
وكهلاً فتيًّا، بعيد الهمم
وباريت فيك حمام الحرم
يتيه بحبك بين الأمم
شيخاً، وكم ذُبْتُ فيك! وكم!
تزودني بالربيع الأجم
يفيض عطاءً، ويزكو نغم
رؤًى ثرَّةً، وخيالاً أحم
فأنت الفخور بوحي القلم
يصدُّ الكلال، ويجلو السأم
تظل ترفرف في كل فم
كطيف توارى، وطيف ألم
تلوح كبارقة في الديم
وتنفحنا بجزيل النعم
تُ، ومن آيه قد قبست القيم
لقومي، علوت به في القمم
حياة لنا تستثير الرِّمَم
ونثراً صقيلاً له يحتكم
إليها، وشوقي بها يزدحم
وأكدت أني بها ألتحم
مفاخرها بين لثم وضم
حنينَ وليدٍ إلى صدر أم
فإن أغمضت عينها لم أنم
تناوب قلبي الأسى والألم
تجف مداداً، ولا ترتطم
ت وأنت أصيل سليل الكرم
وإن شئت كنت الحِمام الملم
برب الحسام ورب القلم
وزال الصراع بها وانهزم
تَخَذْتُكَ في الناس خالاً وعم
وجنبتها في يديك النقم
وما زان خط، وما زال غم
رجال لهم ألف هم وهم
اعتزازاً وفخراً وعزماً عرم
يكاد من لأين أن ينهدم
عذاب ينوء بفيض التهم
وأبكي، وملء جفوني دم
وتبكي على عمري المنصرم
وجرح المذلة لا يلتئم
كمجتمع الخُرْس في حفل صُمّ
وآخر يقذفني بالحمم
وحولي يهتاج وادي العدم
فتكبو السروج وتنبو اللجم
وقد كنت من قبل لا تنهدم
على حافة الموت، والموت حمّ
وفوضى العواصف إذ تحتدم
ففيك ومنك تجود النعم
وربَّ رحيل يجر الندم
وأُلقي به في مهاوي العدم
وأرمي فتافيتها في السدم
وأنثر أجزاءها في الرمم
إلى العالم الساحر المنسجم
برأي أريب، وفكر أتم
وطرس وحبر ووحي قلم
كمثل يَرَاعي بعيد الهمم
وعلَّمْتُه لغة المنتقم
وأنهيتها بصرير القلم