لا أعتقد أن زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لهونج كونج قد اقتصرت على فترة للنقاهة والاستجمام فقط، وإن كانت مهمة لزعيم يكاد لا يلتقط أنفاسه في جولة مجهدة ومليئة بالنشاطات المكثفة واتسمت بعدم توفر الوقت الكافي لراحته.
إذ إن زيارة المعالم التاريخية والطبيعية في الجزيرة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين تعني فيما تعنيه أن الرجل الكبير يريد أن يتعرف على المستويات التي وصلت إليها الدول الأخرى للإفادة منها في التجربة التي تمر بها المملكة لتطوير مرافقها ومنشآتها.
وهونج كونج مثلما قرأتم في صحيفة الجزيرة وربما في صحف أخرى فهناك علاقات تجارية وطيدة وقوية تربط المملكة بهذا الجزء من أرض الصين، ومَنْ يفكر في القيام بعمل مسحي للصناعات المستوردة التي تُباع في أسواق المملكة سيجد أن هناك الكثير من المنتجات الصناعية المستوردة من هونج كونج.
واقتصاد هذه الجزيرة وفقاً لتصنيف مؤسسة أمريكية غير حكومية يعتد بدراساتها، وقد نشر عنه في صحيفة الجزيرة، يعد أكثر اقتصاديات العالم الذي يتمتع بالحرية للعام الثاني على التوالي، فضلاً عن ارتفاع الشفافية والتطبيق الموحد للتشريعات والقوانين هناك.
ولا أجدني في حاجة للتذكير بأنَّ مَنْ هذه إمكاناتها وتقييم المؤسسات لأدائها، لا بد أن يتواصل التعاون معها والاهتمام بما ينمي العلاقة بين الجانبين في مختلف المجالات.
وبنظري فإنَّ زيارة الملك عبدالله لهونج كونج وإنْ لم تكن رسمية، وإنْ لم تكن هذه الجزيرة في مستوى الدولة، إلا أنَّ التعاون معها جد مفيد في ظل الموقع الجيد الذي تتمتع به اقتصادياً وتجارياً.
استقبال خادم الحرمين الشريفين في مطار هونج كونج ثم وداعه كان استقبالاً غير عادي، إذ كان على رأس مستقبليه أكبر القيادات والمسؤولين هناك، وهذا ينم عن مكانة المملكة وسمعة ملكها، ومحبة الشعب للزائر العربي الكبير.
ومن مقر إقامته، لم ينسَ خادم الحرمين الشريفين أن هناك في هذه الجزيرة مَنْ ينتظر مجيئه ليتبادل معه الرأي ويستمع إلى مشورته، بل ولكي يعلن عن رغبته في المزيد من التعاون بما يخدم الجانبين.
وفي تصوري أن مثل هذه الرحلات مهمة لملك في أهمية عبدالله بن عبدالعزيز، وضرورية لدولة بحجم المملكة، وهي أولاً وأخيراً من الضروري أن تكون ضمن الإستراتيجية للسياسة التي تقوم عليها فلسفة الحكم في المملكة.
ولا أجد غضاضة من البوح عن سعادتي بما رأيته على وجه الملك عبدالله ومن خلال أحاديثه حين كان يقضي بعض الوقت في هونج كونج، فقد تبين لي أن خادم الحرمين الشريفين كان ممتناً بما يتم إنجازه من يوم لآخر على مستوى العلاقات الدولية للمملكة مع الغير، دون أن يلقي بالاً أو يهتم بما يكلفه هذا الجهد من تأثير على صحته وراحته ووقته.
أريدُ أنْ أختتمَ حديثي عن هونج كونج بالإشارة إلى أن الجزيرة الجميلة تطبق حقها في الحكم الذاتي بنجاح، وأن الصين تحترم المواثيق والاتفاقيات التي أُبرمت مع بريطانيا ومع جزيرة هونج كونج من أجل أن تعود الجزيرة إلى السيادة الصينية دون أن يؤثر ذلك على منهجها وسياستها الاقتصادية.
وبقيَ أنْ أضيفَ إلى ذلك أن السنوات التي مضت منذ رحيل الاستعمار البريطاني والإذن باستقلال الجزيرة وعودتها إلى الوطن الأم، قد أظهر تقبلاً من الشعب، وبخاصة حين ترك القانون الذي اتفق عليه لأهل هونج كونج الحق بأن تكون السلطة وإدارة البلاد بيدهم للسنوات الخمسين القادمة، مع بقاء هذا الجزء من أرض الصين يمارس سياسة الاقتصاد الحر دون تدخل من الدولة الصينية.
وغداً نواصل الحديث |