عجيبة تلك المعالجات من لدن البعض عند رؤية الخطأ!! والعجب أنها تأتي عكسية، إذ إنها ترسخ الخطأ لدى المخطئ بسبب سوء معالجتها، فربما يتشبث بها معاندة لمن نصحه نظراً إلى أسلوبه الخاطئ أو لعدم وضوح سبب مقنع لمنطلق هذه المعالجة، وأذكر لكم قصة شاب مراهق دخل عليه أخوه الأكبر في أحد المجالس، فرأى علبة سجائر قريبة منه، فما كان منه إلا أن صفعه أمام الجالسين صفعة أهدرت كرامته وحطمت كبرياءه ونعته بأقبح الألفاظ، غير أن الجالسين بينوا له خطأ ظنه، لكنه أبى وواصل صلفه وتعنته بأن أخاه - ولا شك - مدخن ولا مجال في التغطية عليه، فما كان من هذا الشاب المتهم من قبل أخيه بالتدخين إلا أن خرج من المجلس محطماً، وأقسم - مع الأسف - ليشربن الدخان إلى أن يموت، وبالفعل الآن يذكر لي راوي هذه القصة أن عمره قد تجاوز الخمسين عاماً وربما بلغ الستين وهو يدخن رغم محاولته الجادة لتركه!!
من هذه القصة سيخرج كل واحد منا بعدة فوائد، لكنني سأركز على ما بدأت به حديثي وهو سوء معالجة الخطأ، فهذا الأخ الأكبر لو أنه بعد أن انفض المجلس أخذ أخاه جانباً وتبين منه وتثبت، فإن ثبت له أنه مدخن لم يعنفه ولم يحقره ولم يغلظ عليه بل حاوره حواراً أبوياً، كله دعاء وشفقة ورحمة وحرص على نصحه لا على فضحه والتشفي منه والشماتة به، وهذا هو الأسلوب الصحيح ولو أنه قد لا يرضي البعض لكنه هو الأسلوب الذي سلكه قدوتنا صلى الله عليه وسلم، فقد جاءه شاب يطلب منه أن يأذن عليه الصلاة والسلام له بالزنا!!، فكان موقفه ما رواه أبو أمامة - رضي الله عنه - أنه قال: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إئذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: ادنُ، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: (أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء).
الحوار هو أساس النجاح في علاج أي خطأ يقع، وبالذات من الشباب، فهذا الشاب لا يجهل أن الله حرم الزنا، ولو كان يجهل لما جاء يستأذن، فلا ريب أنه يعلم حكمه، لذا جاء معلمنا وقدوتنا وهو المربي الأول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأسلوب الراقي، وهذا الأسلوب الشافي الكافي، وهذا الأدب الجم وهذا الحنان المتدفق المشفق بكل معاني الشفقة حيث أدنى الشاب منه ولم يخاطبه من بعد فحاوره ملامساً لمشاعره وشعوره مخاطباً عقليته ونفسيته ومستثيراً لغيرته على محارمه ومقارعة الحجج الشيطانية والدوافع الشهوانية التي دعت ذلك الشاب إلى الزنا بحجج إيمانية نفسية لا غبار عليها ولا غبش، واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار.
الله أكبر!!! انظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (أتحبه لأمك، أتحبه لابنتك، أتحبه لأختك، أتحبه لعمتك، أتحبه لخالتك)، وختم حواره عليه الصلاة والسلام بأن وضع يده الشريفة على ذلك الشاب داعياً الله له بما يقتضيه الموقف: (اللهم اغفر ذنبه وطهِّر قلبه وحصِّن فرجه)!! بأبي أنت وأمي يا رسول الله كم يغيب عنا أسلوبك الرائع وخصوصاً عندما نعالج الأخطاء!!
|