* الثقافية - علي محسن المجرشي:
استهلت الأنشطة الثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة بدورته 21 بندوة تكريمية للشخصية السعودية المكرمة لهذا العام الأديب عبدالله بن أحمد عبدالجبار، حيث شارك في هذه الندوة كل من: الدكتور عبدالله مناع والدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع والأستاذ حسين محمد بافقيه وأدار الندوة الدكتور عبدالمحسن بن فراج القحطاني، حيث كانت البداية للدكتور عبدالله مناع والذي ألقى الضوء من خلاله ورقته:
(أول سفراء أدب الجزيرة)
لكأن هذه الليلة.. إحدى ليالي الحرية التي لم يسبقها مثيل إذا استثنينا ليالي اختيار الجاسر والفقي والجيهمان ليكونوا شخصيات عام 1415و 1419 و 1420 الأدبية على التوالي، وعلى الفوارق بينهم: بين ريادة التنوير وإرادته عند الجاسر.. وكبرياء الشاعر وهموم الوجود الإنساني بين الهدى والضلال عند الفقي. ويسارية العدل الاجتماعي وميثولوجيا الأساطير وتراث الأمثال عند الجيهمان، ومع ذلك تبقى الفوارق بينهم مجتمعين وشخصية هذه الليلة المتميزية على أكبر قدرها من الاتساع وبما يعطيها عبر تاريخ الجنادرية الذي طوى ما يزيد على عقدين من الزمان.. تفردا باهرا قد لا يصدق، وكأنها إيذان بميلاد فجر جديد وشمس جديدة وعمر جديد يطل مع إطلالة أولى سنوات عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. وهي تنتظم إلى جانب سابقاتها بإقامة الحوار الوطني، وإطلاق سجناء الرأي، وإجراء الانتخابات البلدية، وإخراج المرأة من قمقمها.. إلى دروب الحياة وحتى الوصول بها إلى مقاعد مجالس إدارات الغرف التجارية الصناعية بجدة فالدمام.. لتشكل طقسا سياسيا واجتماعيا جديدا أقل ما يقال عنه إنه مختلف عن سابقه كل الاختلاف.
فمن هو عبدالله عبدالجبار.. هذا الذي توسم ليلة الاحتفاء باختياره شخصية لعام 1426هـ الأدبية.. بأنها ليلة من ليالي الحرية؟ من هو (طائر العنقاء) المستحيل في أدب الجزيرة العربية؟ أو من هو طائر الخرافة الذي حط على زمن النسيان.. كما وصفته الكاتبة الصحفية البارعة الأستاذة (ريمه الخميس) بعد نجاحها في إعداد ملف عنه وعن حياته وأعماله قبل سبع سنوات لنشره في صحيفة الجزيرة.. وقد دعت للمشاركة في تحريره سبعة عشر من ألمع الكتاب وأبرزهم من زملائه وأصدقائه وتلامذته، فما كانت تطلب من (واحد منهم أن يكتب عنه - ومعظمهم كانوا خارج المدينة أو خارج الوطن - إلا ارتد لي صوته محملا بفرح أغرقني ما فاض منه عن صدورهم.. فرح يعلنه الحماس وسرعة الاستجابة، وتنكره نبرة أسى لم تغب عني في كل من اتصلنا بهم) - كما قالت - لتبدو لي استجابتهم السريعة والمغمورة بالفرح والأسى عندما اطلعت على ذلك الملف - بعد سنوات من صدوره - وكأنها كفارات عن سنوات صمتهم.. يسارعون بها طلبا للمغفرة عن جحودهم، وتناسيهم وقبولهم بالأمر الواقع الذي نفى به الأستاذ عبدالله نفسه لعشر سنوات حتى حليَ له المنفى والصمت الأبدي من حوله، ولو لا القلة القليلة الفاضلة.. التي أحاطت به في سنوات اغترابه ووحدته ووحشة منفاه.. تسانده وتحاوره وتمسح جبهته وتكفكف دمعه.. لكان في عداد الراحلين من سنين طويلة مضت، فكان طبيعيا أن يختار البعد عن سواهم في منفاه.. كما اختار القطيعة بعد عودته - في أوائل الثمانينيات الميلادية - ليبقى بعيدا عن هؤلاء وأولئك الذين لا يرجى منهم نفع وقد يخشى منهم ضرر، وهكذا مضت الأيام والسنون.. إلى أن غدا علم الفكر والثقافة الكبير الذي تعرفه الجامعات والمعاهد العليا، ويعرفه الأكاديميون والباحثون والدارسون وعلية المثقفين.. نكرة يسأل عنه حتى أبناء الأربعينيات من أبناء جلدته سؤالي الاستنكاري هذا: من هو عبدالله عبدالجبار..؟! أما من دونهم.. فهم لا يعرفون قليلا أو كثيرا عن هذا العلم الذي غدا وكأنه نكرة..!
سادتي، سيداتي
إنني أشعر حقا بكثير من التردد والحياء في محاولتي الإجابة عن هذا السؤال الاستنكاري الذي تفرضه طبيعة الحديث - في هذه الليلة - عن عبدالله عبدالجبار وحياته الأدبية الفكرية الرائعة، التي اصطبغت بلون الملاحم في معظم فتراتها؟
فهل أقول.. إنه طالب المعهد العلمي السعودي بمكة في أوائل الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي، فخريج كلية دار العلوم القاهرية في أوائل الأربعينيات منه فمدير مدرسة تحضير البعثات ف(المعهد العلمي السعودي) في أواخرها ف(مراقب عام البعثات السعودية) بالقاهرة في أوائل الخمسينيات.. وكفى!!
إن إجابة كهذه.. لا تقدم إلا ترجمة لحياة شاب طلب العلم في مبتداه، ثم خدمه في منتهاه.. ليكون مربيا فاضلا يذكره تلاميذه بالخير عند مغادرتهم مقاعد الدرس، ويتذكرونه بكل إجلال عندما تنطوي أيامه ويذهب إلى سنوات تقاعده..
ولكن عبدالله عبدالجبار لم يكن كذلك في منتهاه، ولا في مبتداه.. فقد كان فيه شيء آخر إلى جانب هذا المربي.. كان فيه منذ البداية كاتب إصلاحي يحمل جمرات الهم، وأديبا واقعيا يحمل نسمات الحلم، وقد اتخذ من مدرسة (الفن للحياة) مدرسة له.. نائيا وساخرا من مدرسة (الفن للفن) التي كانت تنادي بها (برناسية) القرن التاسع عشر السائدة؛ فالكتابة عنده ليست ترفا أو حلية، وليست وجاهة أو جاها.. بل دعوة ملحة للإصلاح والحق والخير والجمال، ودعوة للحرية والنضال والوحدة بمختلف أدوات التعبير ووسائله: مقالة أو قصة أو مسرحية.. أوصله مجموعها فيما بعد إلى رؤيته النقدية الفكرية الشاملة التي تضمنتها كتبه الكبرى الثلاثة (قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي) و(التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) بجزئيه.
لقد سار عبدالجبار على طريق الرواد الأوائل من أمثال الصبان، والآشي، والعرب والعامودي.. ممن كانوا يتهافتون ويتناوبون على قراءة كتب ومجلات مصر والمهجر.. لتقوده تلك القراءة إلى جانب دراسته المعهدية إلى ينابيع الفكر والثقافة والأدب.. إلى مناجم الماس ومغارات اللؤلؤ والذهب، وعندما استقام عوده أديبا وكاتبا في القاهرة.. سلم صديقه - شيخنا العزيز حمد الجاسر - ربما أولى قصصه وقد كانت بعنوان (ساعي البريد) لنشرها في مجلة اليمامة الوليدة آنذاك في العام 1373هـ إلا أنها أثارت زوبعة على غير المتوقع؛ فمنع الرقيب استكمال نشر بقيتها في العدد أو الأعداد التالية؛ إذ لا أحد يدري من جيلنا عن أخبار تلك القصة لولا ما ذكره شيخنا العزيز نفسه عندما كتب عن صديقه عبدالله عبدالجبار - الذي يصغره بعشر سنوات كما قال في ذلك الملف الذي نُشر قبل سبع سنوات- ، ولكن يبدو أن منع الرقيب قصة عن ساعي بريد قد أدهشه وهاله.. فدفعه إلى البعد بإبداعاته عن الصحف والمجلات والصحافة إجمالا الى الكتاب وفردوس حريته في مصر، لينشر ما يشاء كيفما يريد حيث نشر في عام 1954 م قصة (أمي) وهي وإن كانت ليست في ضخامة رواية الأم للكاتب الروسي العظيم ماكسيم جوركي.. إلا أن خاتمتها كانت تحمل ذلك النبض القومي المزعج لبعض الناس، فبعد أن استمع بطل القصة صالح إلى أمه وهي تروي له كامل حكايتها وحكايته ومعاناتهما الطويلة في الحياة معا كتب القصة وعنونها بعنواني (أمي) ثم أهداها إليها وهو يقول لها: (ولكنك يا أمي نسيت قصة أخرى أهم من هذه .. هي قصة أبي) الذي يتضح من سياق القصة أنه كان أحد شهداء المواجهات الصهيونية العربية المبكرة في العشرينات أو ما بعدها.. ليطلب من زوجته ومن فوره أن تهيئ له حقيبة السفر لأنه راحل غداً إلى (فلسطين) ليؤلف (قصة.. قصة جديدة، ولكني سأكتبها هذه المرة بدماء اليهود).. إذ (لا يشفى الدم إلا بالدم) كما قالت له أمه، ثم أتبع تلك القصة في نفس العام بتمثيلية منشورة غير مذاعة، هي (العم سحتوت).. التي تظل رغم المقدمة الطويلة التي صدّرها بها في شرح الفوارق بين (التمثيلية) الإذاعية و(المسرحية) فوق خشبة المسرح أقرب إلى العمل المسرحي منها إلى العمل الإذاعي، فشخصية (العم سحتوت) المليونير البخيل في (المعلا) الذي كان يتلقى الصدقات على (باب السلام) في الحرم المكي لرثاثة ملبسه وبؤس مظهره، ويتقبلها يذكّر على نحو أو آخر بشخصية (شيلوخ) بخيل (شكسبير) المرابي في مسرحية (تاجر البندقية).. إلا أنهما بخيلان في زمانين ومكانين مختلفين، وبيئتين وثقافتين مختلفتين، وإن لقي كلاهما مصيره المحتوم والمتشابه في النهاية.
كما ألقى الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع ورقة بعنوان (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية.. دراسة في المنهج والتطبيق) قال فيها: هذه الورقة البحثية لن تتحدث عن حياة أديبنا الكبير الأستاذ عبدالله عبدالجبار وهي حياة حافلة بالأحداث والأعمال والإنجازات، ولن تتحدث عن كتبه ومحاضراته كلها؛ فذلك شأن يحتاج إلى عمل دؤوب وتفصيل طويل وبحث استقصائي عميق، لكن الورقة مقصورة محصورة في الحديث عن القسم المطبوع من المحاضرات التي ألقاها على طلبة شعبة الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة عام 1959م، وتم طبعها من قبل المعهد في كتاب بعنوان: (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) ويقع الكتاب (وهو القسم الأول من المحاضرات الخاص بالشعر) في (376) صفحة.
ولا بد من الحديث أولاً عن قصة المحاضرات والدافع إلى إلقائها ثم طباعة القسم الأول منها.
لقد وضع معهد الدراسات العربية العالية بالقاهرة ضمن برنامج الدراسات العليا الأدبية إلقاء محاضرات عن الأدب الحديث والمعاصر في الأقطار العربية وندب لإلقاء تلك المحاضرات كبار الأساتذة من أبناء تلك الدول ومن ضمنها المملكة العربية السعودية.
واختار المعهد لإلقاء تلك المحاضرات الأستاذ عبدالله عبدالجبار لمكانته الأدبية ولأنه مقيم في القاهرة آنذاك ولما عرف عنه من توجهات تتفق مع توجهات المعهد ومع ما هو منسجم مع الجو الثقافي في العالم في تلك الفترة، فكان أن وجهت الدعوة للأستاذ عبدالله عبدالجبار وفي ذلك يقول في مقدمة الكتاب: (لما دعاني معهد الدراسات العربية العالية لإلقاء محاضرات عن التيارات الأدبية الحديثة بقلب الجزيرة وجدت نفسي أمام ثلاثة أمور يجب أن أحققها، وهذه الأمور الثلاثة هي:
1 - تمهيد عن جغرافية قلب الجزيرة وتاريخها حتى يتعرف الطلاب على البيئة التي نبت فيها هذا الأدب.
2 - إعطاء فكرة عن هذا الأدب وكيف نشأ؟ وكيف تطور؟ وما العوامل التي أثرت فيه؟ فوجهته هذه الوجهة أو تلك وما هي السمات الخاصة والبصمات المحلية التي تركتها البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية على صفحاته.
3 - دراسة التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية.
وكأن المعهد قد حدد له المنهج الدراسي الذي ينبغي عليه أن يقدمه للطلاب. وقد استطاع الأستاذ عبدالجبار أن يقوم بالعمل الذي أسند إليه خير قيام في حدود الوقت المخصص لتلك المحاضرات وفي حدود المصادر المتاحة وهي دون شك قليلة شحيحة إذا عرفنا أن المحاضرات قد ألقيت عام (1959م).
وفي البداية يرد تساؤل مهم عن عنوان المحاضرات وهو التيارات الأدبية (في قلب الجزيرة العربية) ولماذا لم يسم تلك باسمها الرسمي (المملكة العربية السعودية)؟ وهل المعهد هو الذي أطلق التسمية في خطاب التكليف أم أن الأستاذ عبدالجبار قد تأثر بمقالة طه حسين الشهيرة (الحياة الأدبية في جزيرة العرب) وهي من مصادره؟ أم أن ذلك عائد إلى ظروف عبدالجبار آنذاك واغترابه عن وطنه وانعكاس ذلك على بعض أحكامه وعباراته في ثنايا الكتاب وربما كانت تلك العبارات سبباً في منع دخول الكتاب إلى أسواق المملكة علماً بأن هذا المنع كان من أسباب شهرة الكتاب وشيوعه حتى أصبح مرجعاً لا تخلو منه دراسة عن الأدب في المملكة العربية السعودية.
منهج المحاضرات
وبعد أن عرفنا سبب إلقاء تلك المحاضرات لا بد من الوقوف على المنهج الذي رسمه الأستاذ عبدالجبار لمحاضراته لنصل بعد ذلك إلى محاولة الإجابة على سؤال مهم هو: هل استطاع الأستاذ أن يطبق المنهج؟ وهل نجح في التطبيق؟ أم أن هناك تبايناً بين المنهج والتطبيق؟.
يقول الأستاذ في المقدمة: (وبعد أن اجتزت هذه العقبة جابهتني عقبة أخرى هي المنهج الذي أسير عليه في هذا الموضوع البكر الذي أتاح لي المعهد دراسته مشكوراً.. والتماساً للتيسير قسمت البحث إلى:
أ - التيارات الأدبية وأثرها في الشعر.
ب - التيارات الأدبية وأثرها في النثر).
وقد تم له ذلك وإن كان القسم الخاص بالنثر لم ينشر.
ثم أوضح لنا خطته لدراسة الشعر فقال: وبدأت بموضوع الشعر وقسمته بدوره إلى ثلاثة تيارات:
1 - التيار الكلاسيكي.
2 - التيار الرومانسي.
3 - التيار الواقعي.
ومضيت في الدراسة على النحو الذي سترونه في القسم الثاني من هذه المحاضرة.
ومن الواضح أن الأستاذ عبدالجبار قد وضع مخططاً لمحاضراته وقد التزم به فعلاً حيث سار في هذه المحاضرات حسب الخطوات التالية:
1 - مقدمة تحدث فيها عن منهجه والصعوبات التي واجهها.
2 - القسم الأول: دراسة موجزة عن جغرافية قلب الجزيرة العربية وتاريخها الحديث في (130) صفحة، ويصعب وصف تلك الدراسة بأنها موجزة وربما اضطر إلى الإطالة للأسباب التي أوضحها في المقدمة وهي دراسة تجاوزها الزمن ولم يعد لها أهمية، وقد اشتملت على بعض التجاوزات والأخطاء (انظر الصفحات: 75 و97 و103 و104 و119 و131 و151 و159 و171 و181 و199 و240 و...).
3 - القسم الثاني: التيارات الأدبية في قلب الجزيرة وهو لب الموضوع وقد قسمه إلى أبواب، هي:
الباب الأول: ميلاد الأدب الحديث في قلب الجزيرة (135 - 153).
الباب الثاني: العوامل المؤثرة في الأدب (155 - 213)، وتحته ثلاثة فصول عن الصحافة والطباعة والإذاعة ثم التعليم والمكتبات ثم الرقابة والمنتديات الأدبية.
الباب الثالث: أثر البيئة في شعر الجزيرة (214 - 230).
الباب الرابع: الرمزية الخاصة في أدب الجزيرة (231 - 242).
تم وضع عنوان عام هو (التيارات الأدبية وأثرها في الشعر) وكأن الأبواب الأربعة السابقة تمهيد لموضوع التيارات، وإن كانت قد استغرقت أكثر من نصف الكتاب.
وفي القسم الخاص بالتيارات الأدبية في الشعر أورد تمهيداً عاماً وثلاثة أبواب.
الباب الخامس: التيار الكلاسيكي (249 - 273) وتحته ثلاثة فصول هي الكلاسيكية الميتة ثم بين بين ثم الكلاسيكية الحية.
الباب السادس: التيار الرومانسي (274 - 297).
الباب السابع: التيار الواقعي (298 - 358) وتحته أربعة فصول هي:
التيار الاجتماعي ثم التيار الثوري ثم التيار الوطني ثم التيار القومي.
وختم الكتاب بكلمة أخيرة ثم المصادر والمراجع.
هذا ما اشتملت عليه المحاضرات التي تم نشرها في كتاب: التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية.
وقد ألقى الاستاذ عبدالله عبدالجبار مجموعة أخرى من المحاضرات على طلبة شعبة الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات العربية العالية بالقاهرة عام (1959 - 1960م) لكنها لم تنشر.
وكانت المحاضرات للحديث عن (النثر) اقتصر فيها على (فن المقالة) وقال في مقدمتها (نفتتح محاضراتنا هذا العام عن النثر الحديث في قلب الجزيرة العربية والتيارات الأدبية التي أثرت فيها.
ولقد كان بودي لو استوفيت الحديث عن جميع فنون النثر: المقالة والقصة والأقصوصة، ولكن اتساع مجال القول والدرس في باب النثر جعلنا نقصر محاضراتنا في هذه السنة على (فن المقالة) فحسب مرجئين القول في سائر فنونه إلى فرصة
أخرى إن شاء الله.
ويشتمل هذا القسم غير المنشور على الموضوعات التالية:
1- ميلاد النثر الحديث في قلب جزيرة العرب.
2- أغراض النثر.
3- أسلوب الكتابة.
4- المقالة الأدبية في قلب الجزيرة.
5- حمار حمزة شحاتة.
6- التيارات الأدبية الحديثة وأثرها في نثر قلب جزيرة العرب:
أ- التيار الكلاسيكي (وتضمن دراسات عن عبدالقدوس الأنصاري، وأحمد محمد جمال، ومحمد حسين زيدان).
ب- التيار الرومانسي.
ج- التيار الواقعي (الوطني، الاجتماعي، الثوري، القومي).
7- القصيمي الكاتب الاجتماعي والمفكر الثائر:
وهي دراسة مطولة عن القصيمي تقع في (61) صفحة.
وختم تلك المحاضرات بقوله: (وبعد، فهذه دراسة موجزة لفن المقالة الأدبية والمقالة العامة في قلب الجزيرة العربية في العصر الحديث ذيلناها بترجمة للقصيمي بوصفه كاتباً اجتماعياً ثورياً وقد أرجأنا لضيق الوقت بقية الفنون النثرية الأخرى كالقصة والأقصوصة والنقد الأدبي إلى فرصة أخرى. نأمل أن تتاح لنا قريباً إن شاء الله).
ويبدو أن الفرصة لم تواته فتوقف ثم نشر القسم الأول الخاص بالشعر ولم ينشر القسم الثاني الخاص بفن المقالة.
ولذلك قصرنا الحديث في هذه الورقة على القسم المنشور فقط.
وتحدث الأستاذ حسين محمد بافقيه عن دور الأديب عبدالله عبدالجبار في الريادة النقدية في المملكة العربية السعودية حيث قدم ورقة بعنوان: (عبدالله عبدالجبَّار والريادة النَّقديّة في المملكة العربيَّة السعوديَّة).
يؤلِّف الوقوف عند عبدالله عبدالجبَّار، في سياق الثقافة في المملكة، نموذجاً للتحوُّلات الثقافيَّة، والأدوار الاجتماعيَّة التي ستقوم بها شريحة واسعة من المثقفين. إذ اجتمع فيه، وفي وقت واحد، انتماؤه إلى الجيل الثاني من الأدباء الذين تألّف وعيهم الثقافيّ والاجتماعيّ، بعد الثورة العربيّة الكبرى، ودخول الملك عبدالعزيز الحجاز، وانتماؤه إلى الجيل الثاني الذي تلقى تعليماً جامعياً في الجامعات المصريَّة، من خلال البعثة التعليمية الثانية التي ابتعثت عام 1355هـ، ليتخرج في كلية دار العلوم، بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، عام 1359هـ، وليكون، وثلة من عصرييه، الطليعة المبكرة للأدباء والمثقفين الجامعيين في المملكة.
وكان لتخصص عبدالجبار في اللغة العربية وآدابها دورٌ في اتجاهه نحو التربية والتعليم، معلِّماً في المعهد العملي السعودي، ومدرسة تحضير البعثات، ليكون أكثر قرباً والتصاقا بالأجيال الجديدة من المتعلمين السعوديين الذين أخذوا يتوافدون إلى مكة المكرمة من مناطق مختلفة في البلاد، استعداداً لتحول عدد منهم لكي يكونوا معلمين في المرحلة الابتدائية، كما في خريجي المعهد العلمي السعودي، أو الابتعاث إلى خارج البلاد، لتلقي التعليم الجامعي في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية، كما هو حال خريجي مدرسة تحضير البعثات.
أسهم الجانب التربوي لعبدالله عبدالجبار في تأكيد الرعاية الأبوية لأجيال من المتعلمين، وفي بث القيم التربوية الجديدة، عبر عدد من المقالات التي كان ينشرها في الصحف، ومطالبته، في وقت مبكر، بتأسيس جامعة في مكة المكرمة، ودخوله في سجال تربوي حول ضرورة تعليم البنات. وظل للتربية سلطان عليه، حتى في إنتاجه الأدبي الذي أراد من ورائه توعية مجتمعه النامي، والوسائل المتاحة، حينئذ، وعلى رأسها الصحافة والإذاعة، فأصدر قصته التربوية (أمي)، وتمثيليته الإذاعية (العم سحتوت) اللتين قصد من ورائهما بث قيم الإصلاح عبر لغة سردية، وكانت غايتها التي تريد إليها (الوعي الصحيح الذي يجعلنا ندرك كنه ذاتنا وشخصيتنا وما هو مذخور فينا من طاقات روحية قوية تستطيع أن تفعل المستحيل أو ما يُخيل لعناصر الرجعية والاستعمار أنه المستحيل).
وبدا الوعي النقدي الجامعي لدى عبدالجبار حينما أفاد من اتصاله بنظرية التحليل النفسي في: دراسة الأدب ونقده، وطبقها على عدد من الشعراء. وكانت تلك المقالات - على قلتها- علامة مميزة في سياق النقد الأدبي في المملكة، وبدا فيها عبدالجبار على اتصال بتلك الإضافات التي ألفتها نظرية التحليل النفسي في الغرب، أو بعض أطيافها في النقد العربي المعاصر، لدى عباس محمود العقاد، وأمين الخولي، وعلى نحو يجعل تلك الدراسات النفسية استمراراً للرؤية الليبرالية التي كان اهتمامها منصباً على الفرد، وإعلاء الجانب الفردي فيه، وهي صدى لدراسة عبدالجبار في القاهرة التي كانت، حينذاك، معقلاً من معاقل الفكر الليبرالي العربي.
وكان ارتهان الحركة الثقافية إلى الواقعية، بأطيافها المختلفة، باعثاً للكشف عن أوجه الصراع الاجتماعي، لا في مصر، فحسب، ولكن في مختلف الأصقاع العربية، الثورية منها والمحافظة، وكأن الانتماء إلى العصر يعني الانتماء إلى الأدبيات السياسية والعقائدية الجديدة، وعلى رأسها التيار الواقعي الاشتراكي، ومراياه المتجاورة، وما أثاره ذلك التيار من قضايا ذات صلة بالواقع العربي، وعلى الأخص مفهوم الالتزام الاجتماعي الذي وجد صوراً مختلفة له في شعارات (الأدب للحياة)، و(الأدب للمجتمع) التي كانت محك الصراع بين الجيل القديم والجيل الجديد من الأدباء والنقاد.
ولعل قضية الالتزام أن تكون العتبة التي خطا بها عبدالجبار نحو التيار الواقعي، وكانت دليل انتمائه الاجتماعي والتحولات السياسية ومناضلة الاستعمار، وعبر خلطة عربية يختلط فيها الوعي الاجتماعي بالوعي القومي، فكان سؤال الالتزام الاجتماعي من أهم الأسئلة التي خضعت للمناقشة والسجال، وإن كانت الدعوة إلى الالتزام وتهديف الأدب لم تُخف ارتباطها السياسي، والحزبي بصورة خاصة الذي وجد طريقه إلى الأدباء والنقاد الحزبيين.
وكانت المناظرة الشهيرة (الأديب ولمن يكتب للخاصة أم يكتب للعامة؟) التي جرت بين طه حسين ورئيف الخوري في كلية المقاصد الإسلامية في بيروت، وما أعقبها من نشر تينك المناظرتين في مجلة (الآداب) سبباً في تجديد الجدل حول (الالتزام) وغاية الأديب مما يكتب، لتشهد صفحات (الآداب) حواراً واسعاً شمل عدداً من الأدباء والنقاد الذين أعلنوا موقفهم من (الالتزام)، وفق أطيافه السياسية والإيديولوجية المتباينة تباين تلك الانتماءات.
وكانت مقالة عبدالله عبدالجبار (لا للخاصة ولا للكافة) علامة انتمائه إلى النقد الوقاعي، ولكنها تلك الواقعية التي لا تتنكر لفردية الأديب، ولا تقف موقفاً حاداً من التعبير الرومانسي، فما زال عبدالجبار وفياً لما يحدثه الأثر الأدبي في وجدان القارئ، أو ما يسمى لدى الرومانسيين (العدوى)، ف (الأديب لا يكتب للعامة ولا يكتب للخاصة، وإنما يكتب أولاً وقبل كل شيء لأولئك الذين يتناوب معهم في الإحساس والشعور، وبقدر ما يكون تشبع هؤلاء بالروح الفنية ونزوعهم للميول الأدبية يكون حرص الأديب على أن يقرؤوا أدبه ويستوعبوا فنه ويتصلوا بنتاجه.
في عام 1379هـ -1959م أصدر عبدالله عبدالجبار كتابه (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية)، بعد انتقاله أستاذا في معهد الدراسات العربية العالية، التابع لجامعة الدول العربية، وكان كتابه هذا حصيلة المحاضرات العلمية التي ألقاها على طلبة قسم الدراسات العليا في المعهد، عن أدب المملكة العربية السعودية، ضمن سياسة علمية أكاديمية ينطلق منها المعهد، غايتها، كما حددها عميده المفكر القومي ساطع الحصري (إقامة القومية العربية على أسس علمية صحيحة.
ولم تختلف المفاهيم القومية التي يتغياها المعهد، عن تلك المفاهيم التي آمن بها نفرٌ من المثقفين السعوديين، وبخاصة الحجازيون منهم، ووجدت ظلالها واضحة فيما أنتجه عبدالجبار من إبداع أدبي ونقدي، واستطاع في تلك المرحلة، أن يستجيب للبرنامج الأكاديمي للمعهد، وأن يقدم عبر محاضراته تلك وعياً نقدياً حاداً لطبيعة الأدب الذي يدرسه، وأن يؤكد انتماءه إلى حركة التجديد في الأدب العربي، وأدخل كتابه هذا وقائع الأدب في المملكة، في الجدل النقدي والفكري الراهن، حينئذ، حين ربط، ببصيرة نقدية عميقة، الأدبي بالتاريخي والاجتماعي والسياسي، ليخول ذلك كله كتابه (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) لأن يكون أول كتاب نقدي منهجي في المملكة العربية السعودية، استطاع فيه عبدالجبار أن يستند إلى المناهج النقدية الحديثة، وبخاصة التيار الواقعي، المستند إلى بصيرة نقدية وموقف فكري وسياسي.
وأول ما يسترعي النظر اتكاء عبدالجبار، في دراسة الأدب في المملكة، على الجدل النقدي الدائر في السبعينيات الهجرية (الخمسينيات الميلادية) في غير موقع عربي، وبخاصة مصر، وهو جدل حول الرؤية إلى الإبداع الأدبي من فضاء الفردية الرومانسية، إلى المعترك الاجتماعي، وغدا من مهام النقد الأدبي البحث عن الجذور الاجتماعية والسياسية للنص الأدبي، بل واهتمام بعض الاتجاهات النقدية بما يمثله النص الأدبي من وعي طبقي، والموقف الاجتماعي الذي ينتمي إليه الأديب.
واستطاع عبدالجبار أن يوفق في (التيارات) بين متطلبات البرنامج الأكاديمي للمعهد، بدراسة الأحوال الجغرافية والسكانية والبيئة الاجتماعية لقلب الجزيرة العربية، إضافة إلى التيارات الأدبية هناك؛ ومتطلبات الدراسة النقدية والفكرية في بحثها عن حركة التغيرات التاريخية، وما تمثله كل مرحلة من إنتاج أدبي، من خلال قراءة همها الفحص عن تلك المتغيرات، وتقديم قراءة تنتصر لقيم التطور والتحديث، أدبياً وسياسياً واجتماعياً. ف (التيارات) - بهذا الفهم - دراسة تجاوزت مقاييس (التأريخ) و(الوصف)، لتصبح دراسة معنية بالبحث عن جذور مجتمع يعيش حالة متجددة من التحولات، بسبب أوضاعه التاريخية والاقتصادية السريعة الإيقاع، وحركة التناقضات التي شهدت، وفي وقت واحد، أطيافاً من التجديد والمحافظة، أدبياً واجتماعياً وسياسياً.
المداخلات
- تساءلت الأستاذة فاطمة العنزي عن عدم تكريم شخصية نسائية أسوة بالرجال.
- الدكتور نبيل المحيش تمنى من المسؤولين بالمهرجان طباعة كتب ومطبوعات عبدالله عبدالجبار، وكذلك تعجب عن عدم إنصاف عبدالله عبدالجبار من دارسي الأدب السعودي.
- الدكتور محمد آل زلفة تمنى إقامة ركن خاص عن كتب وحياة عبدالله عبدالجبار في قصر الرياض في مقر إقامة الضيوف وكذلك توزيع أعماله على الزوار.
- الدكتور صالح بن معيض الغامدي تساءل عن مبرر الحديث عن مؤلفاته غير المنشورة وما هي أسباب عدم نشرها.
- الأستاذ محمد ناصر الأسمري تساءل عن سبب تأخير هذا التكريم إلى هذا المستوى وإلى هذا العمر.
|