* الطائف - تحقيق - فهد سالم الثبيتي:
العنف الأسري وإيذاء الأطفال وما يتعرضون له من عنف نفسي أو بدني ليست قضية شخصية بقدر ما هي قضية المجتمع بأسره الذي تفاعل بشكل كبير مع أحداث العنف الأسري التي ظهرت مؤخراً..
ونحن في (الجزيرة) كنّا قد سلّطنا الضوء على القضية من كافة جوانبها مع عدد من المختصين والتربويين، واليوم نواصل الطرح على المختصات والتربويات حول أسباب العنف الأسري في المجتمع خاصةً ما تتعرض له الزوجات والأطفال وكيف نحمي صغارنا من عنف أهليهم وسطوة آبائهم؟ وما هي الوسائل لعلاج نزعة العنف؟ ومن الأحق بالتنازل عن حق الطفل المجني عليه؟ وهل من حق المجتمع الاحتفاظ بهذا الحق؟
في البداية تحدثت (مستورة الوقداني) مديرة العلاقات العامة والإعلام التربوي بإدارة التربية والتعليم للبنات بمحافظة الطائف فقالت: من أهم أسباب العنف الأسري البعد عن الله، فالمرء إذا اتقى الله لن يكون عنيفاً أبداً لا مع أسرته ولا مع مجتمعه مهما كانت ظروفه ومشكلاته فعلاقته تُخفف آلامه وترسم خط سيره وتعامله فلا يأتي منه إلا الخير، مشيرةً إلى أنه لن تكون حماية المضطهدين من أبناء المجتمع والمضطهدات إلا بتدخل الجهات المختصة للحماية مثل جمعية حقوق الإنسان، حيث لا يمكن أن تتدخل هذه الجهة إلا حين يخرج المضطهد من بؤرة الاضطهاد إلى دائرة الضوء عن طريق الأمهات أو الجيران أو الصحافة.
وفيما يتعلق بسطوة زوجات الآباء قالت: تذكرت في موقف سابق ليس كل زوجة أب قاسية وجبارة لكن حين تكون كذلك فهذا دليل أن زوجها إنسان ضعيف وإلا فكيف يرضى لأبنائه الذل والمهانة؟
وذكرت الوقداني أنه لا يكون علاج العنف الأسري إلا بالعودة إلى الله أولاً ثم تكثيف التوعية من الجهات المختصة كالمدارس ووسائل الإعلام المختلفة ومسؤولي عقود الأنكحة بحيث يجب أن يدرك من يرغب الزواج بأنه لا بد أن يكون ودوداً ومحباً ويحب الرحمة وألا يكون عنيفاً مؤكدةً بأنه يجب على الأهل متابعة أحوال بعضهم البعض ووقف الظلم ومعالجة المرضى نفسياً وعدم السلبية حيال معاناة أقاربهم.
ومضت تقول: لا يحق بالطبع لولي أمر الطفل التنازل عن حق طفل بريء عانى الأمرين من ظلم والده وتخليه فهو ليس أهلاً لأن يتنازل أو يؤخذ برأيه مؤكدةً بأنه من حق المجتمع الاحتفاظ بهذا الحق وخصوصاً أن الأطفال هم عُدة المجتمع وعتاده ومن حق المجتمع الحفاظ عليهم.
وتقول مديرة الإدارة المدرسية بتعليم بنات الطائف (فضلية مجيد): العنف هو سلوك موجه لإيذاء الغير باستخدام القوة الجسدية أو الميكانيكية وينتشر العنف في كافة المجتمعات ومن أهم أسبابه إصابة أحد الوالدين بالصرع أو الإدمان للمواد المُخدرة أو بعض الاضطرابات الشخصية أو النفسية والخلافات المستمرة بين أفراد الأسرة مع الافتقار للقدوة الحسنة وفقد الحنان الأسري أو غياب أحد الوالدين لفترة طويلة أو ترك الأبناء من غير راعٍ وضعف الوازع الديني لمن يقوم برعايتهم من دون الوالدين، مشيرةً إلى أن ممارسة أي نوع من أنواع العنف على الأطفال سواء كان عنفاً جسدياً أو انفعالياً أو إهمالاً أو عنفاً مدرسياً فإن نتائج ذلك عدم توازن الطفل لاحقاً.
وأشارت إلى أن ظاهرة إيذاء الأطفال لا بد لها من إستراتيجية تقوم على مرتكزات من أهمها توعية أفراد المجتمع بأساليب التربية الصحيحة للطفل من خلال وسائل الإعلام المختلفة وخطب الجمعة والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والبحوث والمؤلفات وإعداد الكوادر المؤهلة والمتخصصة للتعامل الأمثل مع ضحايا الإيذاء والعنف من الأطفال والاستفادة من تجارب وخبرات المجتمعات الأخرى والمنظمات الإقليمية والعالمية في مجال الوقاية والعلاج لهذه المشكلة وتفعيل دور الأجهزة والمؤسسات المعنية بالطفل من أجل التدخل المباشر في حالة تعرض الطفل لأيٍ من مظاهر العنف المختلفة وإيجاد البدائل المؤسسية المؤهلة لرعاية الأطفال ضحايا العنف والإيذاء وسوء المعاملة والإهمال وسن القوانين والتشريعات التي تحدد العقوبات والإجراءات القانونية وتهدف إلى حماية الأطفال من الإيذاء ووضع الخطط وتعميم البرامج الكفيلة بإعادة تأهيل الأطفال ضحايا العنف واستثمار ما لديهم من إبداعات ومهارات وتأهيلهم نفسياً وصحياً ودينياً وثقافياً ومهنياً واجتماعياً للمساهمة الإيجابية في بناء مجتمعهم وإعادة تأهيل الآباء والأمهات الذين يمارسون العنف ضد الأطفال ومراقبة أداء المؤسسات والأجهزة التي تتعامل مع الأطفال كالمدارس والمستشفيات والأندية وحلقات التحفيظ وغيرها من أجل حمايته من كافة مظاهر الإيذاء.
وبيّنت بأن وسائل علاج النزعة للعنف تتضح في كمال الشريعة الإسلامية في المحافظة على الكليات الخمس التي يشعر الإنسان من خلال توفرها بالأمن وتقوية الإيمان وربط القلوب بحقائق الكون وتربية الناس على مراقبة الله والخوف منه وتحقيق العدل وتحكيم الشريعة بين الناس وإظهار هيبة الحاكم وقدرته في ملاحقة المعتدين وتوعية الناس بأهمية الأخذ بالأسباب لتلافي الوقوع في الجرائم والإسراع في حل النزاعات والخلافات وحثّ المواطن على التعاون مع ولاة الأمر.
وأكدت بأنه يحق لولي الأمر التنازل عن حق الطفل في بعض الحالات وقالت: على المجتمع إعطاء المزيد من الأهمية لسوء معاملة الأطفال سواء من المختصين أو القائمين على حماية الأطفال وإيجاد تشريع لحمايتهم من الإيذاء بإيجاد دور لإيواء المتضررين من العنف في حال عدم وجود من يتولاهم من الأقارب وتدريب الأطفال على كيفية التعرف على حقوقهم وتثقيف الآباء والأمهات والمربين على كيفية تربية الأطفال تربية خالية من العنف، مشيرةً إلى أنه من حق المجتمع الاحتفاظ بهذا الحق وهو الحق العام.
أما مشرفة التطوير التربوي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة جدة (وفاء جمبي) فعلقت على القضية بقولها: هناك أسباب للعنف الأسري ومنها ضعف الوازع الديني فحين لا يكون الإسلام منهاج الأسرة ويُترجم ذلك في سلوكها خاصةً عند رب الأسرة نتوقع أن تحدث بعض حالات العنف الأسري وكذلك التربية العائلية والنظرة التقليدية لدى بعض فئات المجتمع التي تربي الطفل إلى أن يصير رجلاً على أحقيته المطلقة في قيادة الأسرة التي تنحصر في مفهوم واحد هو الأمر والنهي، مما يؤدي إلى أن تترجم في بعض الأحيان إلى الديكتاتورية والبطش والضرب في سلوك الرجل تُجاه أسرته وضعف الثقافة التربوية، فقليل ما نجد في مجتمعنا من يقرأ كتب موضوعاتها عن كيفية معاملة الزوجات أو تربية الأطفال، كما أن قلة من المجتمع من يهتم بحضور المحاضرات التي ترعى هذا الجانب المهم في المجتمع. كما ذكرت أن الخلفيات السلبية أو الترسبات النفسية السيئة السابقة لدى بعض الرجال مما ينعكس على سلوكهم العنيف تُجاه زوجاتهم وأطفالهم.
وأشارت إلى أنه يمكن حماية الصغار من عنف أهليهم وسطوة زوجات آبائهم عن طريق التثقيف الأسري عامةً والنصح الصادق لمن يُرى فيه قسوة في التعامل مع الأطفال مع إجراء دراسات لمدى إمكانية سن قوانين تحمي الأطفال من العنف الأسري فكما قال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
وبيّنت بأن وسائل علاج النزعة للعنف هي التوعية الدينية، حيث اطمئنان القلب وهدوء النفس يأتي طواعية حين ترجع النفس إلى بارئها، مما ينعكس في سلوك الإنسان الطيب نحو الخلق كلّهم ومن ذلك المودة والرحمة والعطف فكيف بالأبناء والبنات.
وذكرت بأن يحق لولي الأمر التنازل عن حق الطفل المجني عليه لفترة مؤقتة (قد تطول بحسب استجابة ولي الأمر).. على أن يتم خلال هذه الفترة تأهيل ولي الأمر عن طريق برنامج مناسب يتضمن النصح المكثف في محاضرات دينية تربوية والانخراط في ورش عمل تدريبية ليكون أباً صالحاً لطفله.
وتحدثت مديرة شعبة توجيه وإرشاد الطالبات بإدارة التربية والتعليم للبنات بالطائف (فاطمة الغامدي) فقالت: إن السلوك العدواني هو سلوك مقصود يستهدف إلحاق الضرر أو الأذى بالغير وقد ينتج عن العدوان إيقاع الإيذاء البدني والنفسي بالآخرين وأن الشخص الذي يمارس السلوك العدواني شخص غير سوي وربما يعاني من أمراض نفسية سببها التنشئة الاجتماعية له منذُ الصِغر والحرمان من الرعاية والحب والحنان في مرحلة الطفولة أو ربما العيش مع والدين يتسم أحدهما بالقسوة في المعاملة واللجوء إلى مثل هذا السلوك الذي يستخدمه لإثبات قوته وقدرته أو لعدم اعترافه برغبات الآخرين وبحقوقهم وهو سلوك يدل على سوء التكيف، فيما ذكرت بأن هناك أسباباً عديدة للعنف السري ومنها ضعف الوازع الديني والتنشئة الاجتماعية الخاطئة في الطفولة وعدم غرس المبادئ والقيم الدينية منذُ الصِغر أو الحرمان من العطف والحنان في مرحلة الطفولة وافتقاد القدرة داخل الأسرة أو الشعور بالإحباط والفشل والقسوة في التعامل داخل المجتمع الأسري والمشاهد العدوانية في أجهزة الإعلام والصراعات والانفعالات وانفصال الوالدين.
وعن كيفية حماية صغارنا من عنف أهليهم وسطوة زوجات آبائِهم قالت: يكون ذلك عن طريق الإلمام بظروف الطالبات كأسلوب تعامل الأسرة مع أبنائِهم واكتشاف حالات الإيذاء في وقت مبكر عن طريق المعلمات والمرشدات الطلابيات وتبليغ الجهات المختصة من الوحدة الصحية المدرسية ومراكز الرعاية الأولية بعد معرفة أسباب وظروف الحالة ودراسة أحوال الطالبات اللواتي يعشن مع زوجات آبائِهن والتأكد من أحوالهن وطرق معيشتهن ودراسة الأسباب التي أدت إلى تعرض الأطفال للإساءة داخل المدرسة وخارجها واقتراح الأساليب العلاجية المناسبة وتوعية وتبصير أولياء الأمور بخصائص النمو والبعد عن العنف والقسوة في التعامل مع الأبناء وتقدير حاجتهم إلى الرعاية والعطف والحوار الهادف.
وأبانت أن وسائل علاج النزعة للعنف تكمن في عرض مثل هذه الحالات إلى متخصصين في العيادات النفسية وعمل جلسات علاجية للقضاء على مثل هذه النزعات العدوانية وترسيخ القيم الدينية والأخلاقية التي توجه للشخص العدواني إلى التخلص من هذا السلوك غير السوي وتجنب المثيرات التي تؤدي إلى استخدام العنف وعلى المدرسة غرس لغة التعبير عن المشاعر في نفوس الطالبات للتعبير عن متاعبهن ومشكلاتهن والوقوف على حلها والتنفيس عمّا يجول بخواطرهن ووضع خطة علاجية بالتعاون مع الأخصائيين الاجتماعيين لعلاج مثل هذه المشكلات وتبصير أولياء الأمور بالأساليب المناسبة لرعاية الأبناء وتعريفهم بالمخاطر المترتبة على الإيذاء والإهمال من خلال مجالس الأمهات والنشرات والمطويات. وقالت: يحق لولي الأمر التنازل عن حق الطفل المجني عليه إذا كان من أهل التكليف والأهلية وممن له حق التربية والحضانة وإن لم يكن ممن يحمل أهلية وحق التربية، فتسند التربية لغيره، مشيرةً إلى أنه يحق للمجتمع الاحتفاظ بحق الطفل المجني عليه من الجاني إذا كان الأب غير أهل بحق الحضانة والتربية كما هو معمول في كتب التشريع الإسلامي.
|