أسرع خادم الحرمين الشريفين في بدء زيارته للهند ولقاءاته بقياداتها لإسماعهم توصيفه وتقويمه لنوع العلاقة السعودية الهندية بالقول إنها علاقة أصدقاء، ومن غير أن يغفل موقع جارتها باكستان من توصيف علاقاتنا بها حيث بادر إلى القول بأنهم أشقاء وأصدقاء.
ولم يكن الملك عبدالله حكيماً فحسب حين ترجم موقفه ورأيه على هذا النحو وبهذا الوضوح والصراحة، لكنه كان موضوعياً وصادقاً، وهذا عهدنا به، وكان يتحدث للأصدقاء الهنود - مثلما عهدناه - بما ينبغي أن يتعرَّفوا عليه ويتعاملوا مع المملكة على أساسه دون أن يكون كلامه قابلاً للتأويل أو التفسير بغير ما قاله واستمعوا إليه.
الهند هي الدولة الثانية على مستوى العالم في كثافة السكان، وهي مع الصين وحدهما تضمان حوالي ثلاثة بلايين من السكان، وإذا أضيف للدولتين سكان باكستان وماليزيا فالملك عبدالله كان يتحدث في زيارته إلى نصف سكان العالم.
أهمية الهند أنها دولة متقدِّمة ومتفوِّقة في مجال أنظمة المعلومات والتقنية العالية في هذا الحقل الصناعي المتقدِّم بفضل عمالتها الموهوبة والمتطورة، وهو ما لا غنى لأي دولة عنهم وعنه، ولا مجال للتعويض عن النقص بغير الاستعانة بالكفاءات الهندية عالية التدريب.
والملك عبدالله كان واقعياً حين وصف الهنود بالأصدقاء، فعلى أرضنا يعيش بيننا في المصنع والشركة والمنزل وفي كل مجالات العمل قرابة مليون ونصف المليون عامل هندي؛ ما يعني أن أعلى جالية أجنبية تقيم في المملكة هي من هذه الدولة الآسيوية التي تستورد من المملكة ربع احتياجها من النفط، وهي بذلك تعد الأولى بين دول آسيا من حيث حجم تصدير النفط السعودي إليها.
وفي زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى الهند، وهي الثانية لملك سعودي منذ خمسين عاماً، كان من الواضح لمن تابعها أن الترتيبات المعدة لتلك الزيارة كانت خارج السياق المتبع والترتيبات التي اعتادت السلطات هناك أن تستقبل بها قادة العالم، وهذا يظهر لمن يقرأ هذه السطور مكانة المملكة وأهمية زعيم وملك كعبدالله بن عبدالعزيز لدى الأصدقاء الهنود.
ولولا هذه المكانة المتميزة التي يتمتع بها ضيف الهند الكبير لما دعي عبدالله بن عبدالعزيز كأول زعيم عربي ليكون ضيف الشرف الرئيسي في اليوم الوطني الجمهوري لهذا العام الذي يمثِّل أهم أيام الهند السنوية، حيث تتميز احتفالاتهم بالعروض العسكرية التي تظهر القوة العسكرية الهندية الضاربة، وقد شاهد عبدالله بن عبدالعزيز هذا العرض على مدى ساعات إلى جانب الرئيس الهندي والقيادات الهندية الأخرى وبحضور أعضاء الوفد السعودي المرافق لخادم الحرمين الشريفين.
يمتد تاريخ الهند إلى خمسة آلاف سنة، وهو تاريخ حافل بثرائها الحضاري وبفنونها وحرفها الإبداعية الرائعة، إنها بلد التنوع في الديانات والثقافات والعادات والتقاليد، وهي باختصار ومثلما قال عنها الإمبراطور شاه جيهان: إذا كان هناك فردوس في الأرض فهي الهند.
ولهذا فالملك عبدالله إذ يزور الهند، فإنما يزورها وهو على إلمام تام وعلى يقين مؤكّد بما تتمتع به هذه الدولة من مكانة ثقافية وعلمية وحضارية عالية ومتميزة، في مقابل نظرة العالم لها اليوم على أنها دولة نامية تتقدم اقتصادياً بسرعة مذهلة، بحيث أصبح يُنظر لها من الجميع على أنها ضمن الدول العشر في خريطة الدول العظمى في العالم.
إنَّ المسلمين في الهند الهندوسية يشكلون بالنسبة إلى عدد سكانها 14%، محتلين بذلك المرتبة الثانية بعد الديانة الهندوسية، وهو ربما وازى وساوى أو تفوَّق من حيث العدد سكان باكستان المسلمة، ولهذا فقد كان عبدالله بن عبدالعزيز موفقاً حين أعطى كل هذا الاهتمام بدولة يشكل المسلمون من سكانها عدداً لا يستهان به إن لم تكن الهند قد أصبحت الآن أكبر دولة في العالم يقطنها مسلمون، ومن الواجب على دولة مسلمة كالمملكة أن تراعي هذا الرابط المهم في العلاقات السعودية الهندية التي تتبوأ الآن هذا الموقع المتقدم منذ قيام الملك سعود بأول زيارة لها قبل خمسين عاماً وإلى أن أعاد ذكراها وأحياها من جديد الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
الهند أنهار عظيمة وجزر متنوِّعة وجبال هي الأعلى في العالم، إنها ك(بانوراما) بما تتميّز به من سهول خضراء ومناظر خلاَّبة على قطاع طويل من الأرض التي لم نزرها ولم نطلع عليها ولم يسمح الوقت لنا للوقوف عليها، ولكنها بعض معلومات لما قيل لنا أو قرأناه عن شبه القارة الهندية، نذكّر به لمن يريد أن يتعرَّف على أبعاد الزيارة الملكية وأهميتها لهذا الفردوس الذي اسمه الهند.
-وغداً نواصل الحديث - |