Saturday 11th February,200612189العددالسبت 12 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"منوعـات"

وعلامات وعلامات
معارك أنور المعدّاوي النقدية 4 - 4
عبدالفتاح أبومدين

إن هذه الهجمات، قد وجدت من كُتّاب الجرائد والمجلات من يستهجنها، ويكتب راجياً أن تكون للقلم رهانته الخلقية في مواجهة الحقائق. ولعل شموخ النفس عند المعداوي، كان دفعه إلى أن يترك مجال النقاش؛ ويعلن تحقيره للناقد بعبارات ساخرة، قد لا تقنع أصحاب النظر المحايد، وأضربُ المثل بالأستاذ محمد علي غريب؛ فقد كتب في جريدة الزمان يدعو المعداوي إلى النظر الموضوعي، فردّ عليه بالعدد (901) من مجلة الرسالة الصادر بتاريخ 9-10-1950م يقول عنه: (صحفي فاشل، لقي من الفشل في حياته ما يرفض من الصبر، وتتبخر قطرات العزاء، ومع ذلك فقد خلق من الفشل نجاحاً ليس له نظير، لقد سدت في وجهه أبواب الرزق في عالم الصحافة؛ فتطلع بعين الطموح وعزيمة المقتحم إلى ميدان الأدب، وحين أدرك بفطنته أن الصحف الأدبية في مصر هي الرسالة والثقافة والمقتطف والكتاب والهلال؛ لم يفكر في أن يطرق أبوابها؛ لأنه ذكي لمّاح، ويبلغ الذكاء لديه أن صاحبه لا يريد أن يفتضح؛ لأن المشرفين على هذه الصحف يعرفون اللغة العربية، فإلى أي مكان يذهب؟ لقد فكرّ طويلاً ثم قاده الحظ إلى جريدة الزمان؛ لأن المشرف عليها لا يعرف اللغة العربية). وهذا كلام لا معنى له؛ لأن الأستاذ غريب كان من كُتّاب الرسالة في السنوات الأولى، وكان محررا بارزا في جريدة البلاغ، وصاحب مجلة إسلامية صدرت في الثلاثينات! فضم التهجم والادعاء!؟.
وما قاله عن الأستاذ محمد علي غريب، قاله عن الأستاذ أمين يوسف غراب، وهو قصّاص شهير، وقد قال إن تشابهاً وقع بين قصة كتبها المعداوي وقصة كتبها أمين يوسف غراب من قبل، ولعل المنطق الصحيح هو أن ينفي المعداوي هذا القول بعرض موجز للقصتين لتتجلى الحقيقة، ولكنّ الرجل المقاتل، كتب يقول في الرسالة بالعدد 837 الصادر بتاريخ 8-7-1947م:
(قيل إن ذبابة هبطت يوما على رأس فيل، فلما يئست من أن تشعره بوجودها قالت له يا عزيزي: إني طائرة عنك، فقال لها يا عزيزتي والله ما شعرتُ بك هابطة، حتى أشعر بك طائرة. وأنا أقول لهذا القصاص الذي لا أشك لحظة في أنه درس فن القصة في كُتّاب القرية، إنه لو قدّر أن يعاصر المثال الفرنسي العظيم (رودان) لألهمه الإبداع في صنع تمثال يمثل الغباء النادر؛ لأنه لو خطر لي أن أنقل فكرة عن أحد القصاصين للجأت إلى أعلام القصة في الأدب الغربي). وذكر أكثر من عشرة أسماء لأعلام القصة في أوروبا.. ثم قال: (من يصدّق، أني أترك هذه القمم، حيث تحلق النسور، لأهبط للسطوح حيث يحلق الغراب)، وهذا تجريح من كاتب، تعود أن يسلك هذا المنحى من النقد العنيف!.
ولقد اكتظت مقالات المعداوي (التعقيبات) برسائل المعجبين الذين يتبادلون معه الثناء، ما أعطى انطباعاً لا نحو الناقد فقط.. أما مجلة الرسالة فقد ظلت في عليائها بخطها السوي، الذي رسمه لها صاحبها الأديب الكبير أحمد حسن الزيات، فهي مجلة رائدة في الدراسات والنقد القوي الجاد.
وأنا، علم الله، في هذا المجال لا أريد انتقاص الأستاذ المعداوي، ذلك اني أعجب بأسلوبه القوي في (تعقيباته)، ولعلي كنت أقرؤه قبل تقليب صفحات المجلة.. وأنا ألتقي معه في سرعة المبادرة إلى نقد غثاء الأدب الرخيص ودحضه بأسلوب جاد، حتى يرعوي أصحابه، وأمام عيني قول أبي تمام:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً
فليقس أحياناً وحينا يرحم
ولكني حين أجد أمامي ادعاء وبلا دليل وتمسكا برأي لا يسنده دليل، أسل قلمي في شيء من حدة، لأقسو على صاحب الإنتاج، الذي يتجاهل الناقد البصير ولا يحسب حساب قارئ واحد، قادر على التصدي له، ليقدم إليه ما وقع فيه من أخطاء، ويحد من مكابرته وجهله، وهذا طبع، أجده عند العقاد والرافعي، وزكي مبارك، والعواد، والعطار، رحمهم الله، وأمثالهم ممن يجنحون إلى التحدي ودأبهم القوة في التصدي والعراك!.
ولكني أرى من حق التاريخ الأدبي علينا أن نلم بالناحية الأخرى من نواحي الشخصية؛ التي نتعرض لها بالحديث، وهي ناحية النقد الذي تؤكده! وأؤكد أن الأستاذ أنور المعداوي موهوب في فنه، غير أن طبعه العنيف يغلب عليه؛ لأنه حاد، وعندي أنه من النقاد الشجعان، الذين لا يهابون، وله سخرية تعينه على اختيار الأسلوب الذي يراه مناسباً، ولعله يعجب شرائح من الكُتّاب والقراء معاً.

1 - مجلة الرسالة، في 29-10-1951م

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved