سبحان الحي القيوم، سبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم، القائل في كتابه العظيم، المنزل على النبي الكريم، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، فكل نفس تصيبها المنون، لن نعترض ولن نشق الجيوب، بل ننصاع لأمر علام الغيوب، قدر وحكم، وقضى وما ظلم، الصبر له أجر عظيم، والنياحة جاهلية من قديم، الإيمان بالقضاء سمة أهل العقيدة، هذا ما تجلى في أبناء الفقيدة، رحلت حاملة للأعمال الصالحة، وأبقت أولاداً يدعون لها بالجنة الخالدة، ألم يقل رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها عبداً صالحاً يدعو له).
رحم الله جدتي أم محمد، رحم الله والدة الجميع، رحم الله تلك الروح الصادقة المتصدقة، رحم الله من أفنت حياتها على السجادة تصوم وتصلي، رحم الله من لا يهدأ لها بال حتى تعلم أن الجميع بصحة وعافية، رحم الله من كانت تسأل كثيراً عن من لا يأتي لزيارتها حتى أصبحت بحق لطيفة باسمها، ولطيفة بفعلها.
تحن ولا تئن، وتسهر ولا تضجر، تحب الخير وفعل الخير، تمسح دموع اليتامى وتلطف بحال المساكين، تسأل عن الجيران والأصدقاء، تلح على من يذهب للعمرة بالدعاء لها كثيراً، تستمع على مدار الساعة لإذاعة القرآن الكريم، جعلها الله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، لا نرى في وجهها سوى الابتسامة متمسكاً بقول الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
أخذ الأطفال يتوافدون على ذلك السرير، يطمحون بنصيب من الحلوى كثير، يسألون عن صاحبة السرير ببراءة، تعودوا أن يأخذوا ما يريدون بجراءة، نجاوبهم بصوت خافت مبحوح، يصاحبه دموع تنزف كنزف الجروح، ماتت صاحبة القلب الكبير، ولن تعود لتفترش هذا السرير، لا يصدقون فيعيدون السؤال ثانية، فنخبرهم أن هذه الدنيا فانية، فيمسك أحدهم برأسه ثم يقول، أصحيح أني لن أرى جدتي (غير معقول!!!).
ربي ألم تقل في كتابك الكريم (ادعوني استجب لكم) فهذا الدعاء ومنك الاجابة، فاللهم اغفر لوالدتنا وفقيدتنا وحبيبتنا واجعلها من الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأن تجعل مسكنها الفردوس الأعلى إنك سميع مجيب.رحمك الله يا والدة الجميع، وجعل قبرك واسعا فسيحا، وجعله روضة من رياض الجنة، بفضل من الله ومنه، وجعلك من ورثة جنة النعيم، إن ربي سميع عليم. اغفر يا ربي لمن قامت آناء الليل تصلي، واغفر لمن أخذت بأطراف النهار تزكي، اغفر لمن لم تحمل حقداً بقلبها لأحد، رجلاً كان أو امرأة وولد، اغفر لمن لم تبقِ في جيبها ريالا، تتصدق به قبل الزوال.قال الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم (اذكروا محاسن موتاكم) فتلك بعض من مآثر الفقيدة، وبعضاً من أعمالها الجليلة جعلها الله في موازين حسناتها إنه سميع مجيب.{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وإنا بقضاء الله لراضون، فارزقنا الصبر والسلوان، وارزق الفقيدة أعلى مراتب الجنان.
|