أحسن ما قيل في مدح الشتاء قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (الشتاء ربيع المؤمن، قَصُرَ نهارُه فصامه، وطال ليله فقامه).
وقد أحسن أبو تمام في قوله:
إن الشتاء على سآمة وجهه لهو المفيد طلاوة المصطاف |
وقال آخر:
لولا الذي غرس الشتاء بكفه قاسي المصيف هشائما لا تثمر |
وقال ثالث:
خضرة الصيف من بياض الشتاء وابتسام الثرى بكاء السماء |
جاء في كتاب اللطائف والظرائف لأبي منصور الثعالبي - رحمه الله - ومن محاسن الشتاء طول الليل الذي جعله الله - عز وجل - سكناً ولباساً، وبرد الماء الذي هو مادة الحياة وانقطاع الذباب والبعوض وعدم ذوات السموم من الهوام وأمنها على الطعام والأجسام، وهو حبيب الملوك وأليف المتنعمين، يطيب لهم فيه الأكل والشرب ويجتمع فيه الشمل ويظهر فيه فضل الغني على الفقير، وهو زمان الراحة كما أن الصيف زمان الكد ولذلك قالوا: من لم يغل دماغه صائفاً لم تغل قدوره شاتياً.
قال أحد الشعراء:
وإن الذي لم يغل صيفاً دماغه وجدّك لا تغلي شتاء قدوره كذلك مقسوم المعايش في الورى بسعى ورعي تستبين أموره |
ومدح بعض الدهاقين الشتاء فقال: آكل فيه ما جمعت، واستمتع بما ادخرت، وأي شيء أحسن من كانوني في كانون، ومن لبس الخز والسمور والقعود في الطوارم مع الأحباب، وتناول الدراج والكباب.
قال بعض الكتاب:
ليت الشتاء يعود لي بنعيمه إن الشتاء غنيمة الكتاب |
وأحسن ما قال ابن المعتز في الشتاء قوله:
جاء الشتاء بشمائل وصبا يلقاهما المقرور بالصد فالزم قرارك لا تكن شرها تشقى بطول السعي والكد إن الكبير فقاده سحراً ترياق لسع عقارب البرد |
وفي ذم الشتاء، فإن أحسن ما قيل فيه قول نبي الهدى - عليه الصلاة والسلام -: (احذروا البرد فإنه قتل أخاكم أبا الدرداء).
قال بعض السلف: الشتاء عدو الدين وهلاك المساكين.
قال الثعالبي - رحمه الله -: الشتاء عذاب وبلاء وعقاب ولأواء يغلظ فيه الهواء ويستحجر له الماء وينحجر الفقراء، وما ظنك بما يذوي الوجوه ويعمش العينين ويسيل الأنوف ويغير الألوان ويقشف الأبدان ويميت كثيراً من الحيوان، فكم فيه من يوم أرضه كالقوارير اللامعة، وهواؤه كالزنابير اللاسعة وليل يحول بين الكلب وهريره، والأسد وزئيره والطير وصغيره، والماء وخريره.
وقال الجاحظ: الشتاء عند الناس هو الكلب الكَلِب والعدو الحاضر، يتأهب له كما يتأهب للجيش، ويستعد له كما يستعد للحرق والغرق.
قال بعضهم: الحر يؤذي والبرد يقتل.
وقال آخرون: نحن في الشتاء بين نشق وزلق ودمق.
قال الشاعر:
نحن في شتوتنا في قلق وتمادي شفق في فرق ليس يخلو يومنا والليل من لثق أو زلق أو دمق |
|