لم تتعرض أمة في هذا العصر إلى التطاول على دينها والإساءة لمعتقداتها بمثل ما تعرضت له الأمة الإسلامية في أعز ما تملك، وما من دين تعرض لتشويه صورته ودوره الحضاري والإنساني واتهامه بما ليس فيه بمثل ما تعرض له الدين الإسلامي، فمن حين لآخر ظلت تطل علينا صحيفة غربية أو قناة تلفزيونية هنا أو هناك باعتداء سافر غير مبرَّر وإهانة مؤلمة للمسلمين في نبيهم وكتاب ربهم. وكانت آخر الفصول والحلقات ما نشرته بأسف بالغ للغاية على صدر صفحاتها صحيفة Jyllands Posten الدنماركية الرسمية الواسعة الانتشار من صور ورسوم كاريكاتيرية ساخرة بطريقة تهكمية مكشوفة تسيء لأطهر البشر وسيد الخلق أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تفرز دلالاتها وأشكالها المختلفة تشويهاً متعمداً لشخصيته الكريمة ومقامه الشريف عليه الصلاة والسلام.
وعلى ما يبدو أن الإساءة للمعتقدات الإسلامية والتطاول على رمز هذه الأمة وقائدها قد غدت مع مزيد الأسف موضة سائدة في الإعلام الغربي، ومسلسلاً متواصلاً ما إن تنتهي حلقة منه حتى تبدأ أخرى، وباتت خاضعة لأمزجة البشر وأهوائهم، بل إن الأكثر وضوحاً من ذلك أن شيوع هذه الظاهرة المستفزة لمشاعر المسلمين الذين يشكلون ربع سكان الأرض ليست مجرد فكرة طارئة أو طائشة أو زلة قلم، وإنما بالتأكيد تقف وراءها حركات وجهات مشبوهة ومأجورة تنظمها وتغذيها وتختفي وراء ستار حرية التعبير والرأي، متجاهلة عن عمد أو متناسية عن قصد أن الحرية في حد ذاتها مسؤولية بمعنى الكلمة تفرض على من يتمتع بها الالتزام بحدودها والاحترام والتقدير لعقائد ومقدسات وحرمات الآخرين وعدم التعدي عليها أو المساس بها، فلا وجود لحرية فوضوية أو حرية مطلقة بلا قيود أو ضوابط؛ لأن من الحريات ما يضر بأمن البلد واقتصاده وبعلاقاته بالدول الأخرى، ولأن من الحريات ما هو منطلق لعدوان وتعدّ على حريات الآخرين وتجنّ وتطاول على قيمهم وثوابتهم واستخفافاً بمشاعرهم.
ومما لا شك فيه أنه ليس ثمة دين يُنزل الأنبياء منازلهم الرفيعة ويحفظ مكانتهم كما هو حال الإسلام {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}، فالمسلمون يكفيهم إيماناً وخلقاً وتسامحاً أنهم يؤمنون بكل الأنبياء والرسل الذين بشروا بالديانات السماوية، ولم يسجل لكاتب أو ناقد أو إعلامي أو عالم دين من المسلمين أن استهدف واحداً منهم أو هاجم الديانات السماوية الأخرى كما هو حاصل ضد نبي الإسلام ورسول العدل والسلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أجلُّ وأسمى وأكبر من هذه المهاترات والإساءات التي لا تنال - بأي حال من الأحوال - من قدره ومكانته في شيء، وكفاه تعظيماً وتكريماً وتشريفاً أن الله تعالى أرسله لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور ودلالتهم إلى ما فيه نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وقال عنه في كتابه الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
كم من المؤسف بالفعل أنه في الوقت الذي يكثر فيه المجتمع الدولي الحديث عن ضرورة الحوار بين الحضارات والأديان، ويسعى لخلق أجواء التقارب الثقافي ومد جسور التعاون بين مختلف الشعوب والأمم، نجد بعض وسائل الإعلام الغربية تواصل هجمتها الشرسة وحملة الإساءات البذيئة على الدين الإسلامي ورسوله الكريم بهدف الإسهام في استمرار ترسيخ الصورة النمطية الخاطئة لدى الرأي العام الغربي عن هذا الدين العظيم ومبادئه السمحة الداعية إلى السلام والمحبة التسامح، والكافلة لحرية الاعتقاد واحترام معتقدات وثقافات الشعوب. ولذلك فقد آن الأوان ليقف المجتمع الدولي - بمؤسساته وهيئاته ومنظماته - بكل حزم وقوة لمنع هذا الإسفاف وإيقاف هذه الممارسات المرفوضة واتخاذ الإجراءات الصارمة بحق المتسببين فيها؛ لمنع تكرارها مستقبلاً بما يدعم الجهود الدولية الهادفة إلى إزالة عوامل التطرف والعنصرية والكراهية بين الشعوب، وتعزيز روح التقارب والتفاهم وأدب الحوار البناء بين الديانات والحضارات؛ لما فيه خدمة الأمن والسلام العالميين. غير أن المهمة الأساسية والمسؤولية الكبيرة في هذا الشأن تقع على عاتق جميع المسلمين لبذل أقصى الجهد في تعريف العالم بالشخصية الفذة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ختم الله برسالته رسالات إخوانه الأنبياء المرسلين، وكذلك التنسيق مع منظمات دولية معنية باحترام الأديان والرموز الثقافية والدينية لمتابعة ما تنشره وسائل الإعلام الغربية من إساءات مماثلة للإسلام ومقاضاة مرتكبيها، كما يجب أن يتعلم المسلمون تنظيم حملات إعلامية شبيهة بما يقوم به اليهود في أوروبا بطريقة سليمة وهادفة تضمن لها النجاح وتتناسب مع العقل الأوروبي المنفتح الذي يتسع دائماً لمثل هذه الحملات الإيجابية؛ للمساهمة في توضيح وتبيان حقيقة الإسلام السمحة وتجلِّي الظلام عن المفاهيم المغلوطة والمشوهة التي رسمتها أقلام أولئك الجهلة والحاقدين في عقول وأذهان الكثيرين في العالم الغربي بالأسلوب الحضاري والراقي والحوار الهادئ البعيد عن الغضب والانفعال غير المحمود العواقب.
|