Friday 3rd February,200612181العددالجمعة 4 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أبناء الجزيرة"

غرابٌ بالألوانِ غرابٌ بالألوانِ

قصة: زكريا تامر
حطَّ حَسُّونٌ على شَجَرةٍ من الأشجارِ، وأَنشدَ أغنيَّةَ حُبٍّ للسماءِ الزرقاءِ، فكفَّ الأولادُ عن اللّعبِ، وتراكضوا فرحينَ، وتحلقوا حولَ الشجرةِ، وصفَّقوا إعجاباً بغناءِ الحسُّونِ.
وكانَ الغرابُ وقتئذٍ يراقبُ ما يَجْرِي، فغارَ من الحسُّونِ، وسَارعَ إلى الغناءِ، وصاحَ: (قَاقْ. قَاقْ. قَاقْ).
فاستاءَ الأولادُ مِنَ الغرابِ، وبادروا إلى ضَرْبِهِ بالحجارةِ، وأرغموه على الهَرَبِ.
فكَّرَ الغرابُ طويلاً فيما حَدَثَ ثُمَّ قَرَّرَ أنْ يُصْبَحَ شبيهاً بالحسُّونِ، مُعْتَقِدَاً أنَّ الأولادَ كرهوا لونَهُ الأسودَ، فَقَصَدَ أَحَدَ الرسَّامينَ وتصنَّعَ البُكَاءَ، فأشفقَ عليهِ الرسَّامُ، وَسَألَهُ بِرِقَّةٍ:
(لماذا تبكي أيُّها الغرابُ؟)
قَالَ الغرابُ: (آه يا عمِّي الرسَّامُ، حياتي كُلُّهَا همٌّ وغمٌّ).
قال الرسَّامُ مُتسائِلاً: (هَلْ أستطيعُ مَسَاعَدَتَكَ؟).
فطلبَ الغرابُ مِنْهُ أنْ يَطْلَيَهُ بألوانٍ صفراءَ وزرقاءَ وبيضاءَ حتى يصيرَ شبيهاً بالحسُّونِ الذي يُحبُّهُ الأولادُ).
فابتسمَ الرسَّامُ، وقال للغرابِ: (لا أدري فائدةً كبيرةً في ذلك).
فبادرَ الغرابُ إلى تَصَنُّعِ البكاءِ ثانيةً، فَرَقَّ له قلبُ الرسَّامِ،
... وأَمْسَكَ بريشتهِ وغَمَسَها في ألوانٍ زاهيةٍ طَلَى بها الغرابَ حتى صَارَ لَهُ لونٌ يَشْبَهُ لونَ الحسونِ.
... ففَرِحَ الغرابُ فَرَحَاً عَظِيْمَاً، ونَسِيَ مِنْ شدةِ فَرَحِهِ أنْ يُشكرَ الرسَّامَ، وَطَارَ إلى الشَّجرةِ التي يلعبُ حَوْلَهَا الأولادُ، وحطَّ على غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِها. صَاحَ ولدٌ مِنَ الأولادِ: (ما أجْمَلَهُ!).
... فابتَهَجَ الغرابُ، وامتلأَ زهواً وفخراً وقرَّرَ أنْ يُغَنِّيَ لَهُمْ كَيْ يَنَالَ المزيدَ من إِعْجَابِهِمْ، وَصَاحَ بصوتٍ عالٍ: (قاقْ. قاقْ).
.. فزعقَ الأولادُ غاضبينَ، وَرَموه بالحجارةِ فَطَارَ وَقَدِ اسْتَوْلَتْ عليْهِ الحَيْرَةُ والحُزْنُ وَقَصَدَ رفاقَهُ الغِرْبَانَ، ولكنَّهُمْ لم يعرِفوه وظنُّوهُ حَسُّوناً، فَرَفَضُوا التحدُّثَ مَعَهُ، ونأَوْا عَنْهُ...
فعاشَ الغرابُ بَقيَّةَ عُمْرِهِ مَنبوذاً وحيداً دونَ صَديق.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved