رغم جسمه الصغير المستلقي دائماً في حضن العاصمة كأحد الشوارع التي تتحرك في أحشائها الداخلية جداً.. ورغم نحوله والمباني المتناثرة التي انعدم التنسيق بينها فعمارة من سبعة طوابق ترفع هامتها بين نظرات بيت صغير يتوسد الأرض.. يطمح إلى موازاتها واللحاق بها ولكن كيف؟!!
ومبنى صغير آية في التناسق والجمال.. يزحم بمنكبه خرابة مشوهة قد ملأت الندوب - كالجدري - جدرانها ومع ذلك.. فهو لا يهتم! يشعر أنه كبير وكبير جداًَ! حتى لو كانت مساحته الكلية لا تتعدى 400 متر.. وحتى لو كانت السيارات تكاد تصطدم ببعضها البعض عندما تمرق من خلاله.
ولِمَ لا يشعر أنه كبير.. ويستحق كل هذه العناية!! أليس كما يدّعي.. يُعتبر من الفتحات التي تنعتق منها السيارات.. ويهرب إليها المشاة في عز زحمة الديرة.. أليس من الأحشاء التي يفرغ شارع الخزان بها كل تراكماته ومظاهر ترهله؟!
إنه يقول ذلك!!
هذا الشارع الصغير، الذي يرفض الامتداد.. كرجل قصير القامة قد تعدى الفترة التي يمكنه فيها أن يكون ذا حجم أكبر من حجمه الآن حتى لو بالمليمترات ومع ذلك هو يشكو بمرارة أحياناً.. من أي شيء تشكو يا.. شارع العطائف؟
يقول هو.. إنه مع كل ما يعيش في داخله من بشر.. وما يحتله كأحد الإمدادات التي تمد داخل المدينة بالحركة.. وتسحب منها الحركة أيضاً..
يتحوَّل في الليل إلى شكل معتم لا يشع منه ضوء وإن كانت تشع منه الحرارة لا تستطيع أن ترى يديك من الظلام رغم تلك الأنوار التنكرية التي لا تُرى إلا مع النهار.. أما في الليل فهي لا تمارس وظيفتها الطبيعية.
ولولا بعض الأنوار الصغيرة التي تشع من الدكاكين وتنطفئ قبل الثانية عشرة وتنقطع أثناء الصلاة.. لشعرت - والكلام لا يزال لشارع العطائف - أنني لست جزءاً من مدينة الرياض.
- وغير ذلك!!
- أنا غاضب جداً من شارع الخزان.
* لماذا؟
- السيارات التي يقذفها في كل لحظة.. بسرعة متزايدة لا أستطيع تحملها.
* ولماذا لا تشكو من شارع الشميسي؟!!
- هناك عوائق عديدة تجعل السيارات في ذلك الشارع تسير على الأقل بسرعة أقل.. وبعدين هي قليلة..
* ومم تشكو أيضاً؟!
- السرعة.. السرعة.. في شارع صغير لا يستحق كل هذه الجهود من الإخوان أصحاب السيارات.
* وغيرها؟!
- المرافىء!!
* ماذا تقول..؟!
- نعم مرافئ القمامة.
* تقصد الموانىء..
- أو المواني.
* وش فيها طيب؟!
- بين كل خمسين متراً ترى أهرامات القمائم مرمية في هذا الشارع.
* وهذه مسؤولية الأمانة.
- أجل مسؤوليتك؟!
طلال عبد الوهاب |