حادثان أقاما الدنيا في أوروبا، وما زالت قيامتهما قائمتين، الأول قتل المخرج الهولندي حفيد الرسام العالمي فان جوخ الذي قام بإخراج فيلم أساء فيه للإسلام والمسلمين، وللأسف الشديد كتبت السيناريو له صومالية الأصل، نائبة في البرلمان الهولندي، وهي تحمل ميولا مناوئة للإسلام وحقداً على المسلمين، وتعمل دوماً على تشويه صورته في كل كتابتها وأحاديثها.
الحادث الثاني، تنفيذ البلجيكية موريل ديجايكو (32 عاما) عملية انتحارية ضد القوات الأمريكية في العراق في أوائل نوفمبر من العام الماضي.
وبعد الحادثتين، ومن ذلك التاريخ، والأنباء تتواتر إلينا كل طلعة شمس بخبر جديد فيه تضييق على المسلمين في أوروبا وزيادة التشديد في التعامل معهم.. ومن ذلك أن قامت دول مثل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا ومعهم وزارات العدل بدول الاتحاد الأوروبي بوضع قيود جديدة وصعوبات أمام زواج الأوروبيات من الشباب المسلم تحت شعار (حماية الأوروبيات من الوقوع في براثن التطرف والإرهاب) واستندوا في مطلبهم هذا على أن آلاف الأوروبيات يعتنقن الإسلام بصورة سنوية، وأن هؤلاء يقعن تحت إغراءات غامضة يقدمها المسلمون.. كما عززوا من مطالبهم هذه، أن مؤسسة الزواج الأوروبي أصبحت معرضة للخطر.. فالإسلاميون يستخدمون زواجهم كوسائل لجذب الأوروبيات إلى التطرف بإلزامهن بالحجاب وارتداء الملابس الفضفاضة.. والأوروبيات (هكذا يقولون) يجدن في الدين الإسلامي جانباً روحياً أصبحت لا تملؤه الكنيسة الآن.
وهنا بيت القصيد من اتخاذ مثل هذه القرارات والتدابير لإقامة العراقيل في وجه زواج المسلمين من أوروبيات، لذلك يعملون الآن بكل عنفوان لتوعية الفتيات الأوروبيات من الوقوع في براثن التطرف والإرهاب كما يزعمون مثلما حدث للبلجيكية ديجايكو التي فجرت نفسها في العراق، فجعلوها مثلا للتخويف والترهيب.
ولأنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتى الآن بعد هذين الحدثين، فقد اتجهت الحكومة البريطانية إلى تعطيل البحث العلمي بعد أن شهدت الجامعات البريطانية في الآونة الأخيرة طفرة في الاهتمام بالإسلام وحضارته، وقامت بإنشاء أقسام تدريس العربية والإسلام، غير أن هذا الإجراء الحكومي قوبل باستنكار شديد من رئاسة هيئات الجامعات البريطانية حيث حذر رئيسها دارموند بوني من تحركات حكومية في مجال تقييد حرية البحث العلمي وحقوق التعبير الأكاديمي والتأثير على تراث الجامعات المعروفة بالحرية المطلقة أمام الباحث دون مراعاة ميول سياسية أو فكرية تفرض عليه عدم الاقتراب من قضايا معينة أو بحثها من خلال منظور أكاديمي بحت.. وقد قادت هذه الحركة إلى إسقاط قانون الإرهاب في البرلمان البريطاني الذي اعتبروه يمثل شبه الاعتداء على الديمقراطية.
ولا أبالغ إذا قلت: إن حمى إعداد قوانين ضد الإرهاب انتابت أوروبا بأسرها وناقشه برلمانيوها، لكنه الإرهاب الخاص بمفهومهم الذي يطلقونه على الدين الإسلامي والمسلمين للحد من الانتشار والإقبال على الإسلام من الأوروبيين أو على الأقل الحد من نشاطهم داخل القارة.
وعلى الرغم من تلك الضغوطات والتحركات التي من شأنها إعاقة أي عمل إسلامي على قارتهم، فإنها قد ولدت في الوقت نفسه الانفجار التلقائي في فرنسا بعد أن حرموا المسلمين من التعبير عن وجهة نظرهم، وتأجيج نار الكراهية والعنصرية وعزلهم عن مجتمعاتهم، وهذا الكلام ليس من عندي فقد أصدره المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الأجانب بعد أن فشلت المجتمعات الأوروبية في دمج الأقليات فيها.. وفي التقرير السنوي لهذا المركز أكد أن القيادة السياسية يمكنها تقليل كراهية الأجانب عن طريق التأكيد على أن العنصرية أمر غير مقبول في المجتمع..!!
ويبدو أن الانفجار الثاني على وشك الحدوث بعد أن حدثت ثالثة الأثافي أو قل الجريمة الكبرى، ذلك الكاريكاتير الذي لم يجد رساموه في الدنمرك والنرويج إلا شخص الرسول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - والإساءة إليه، والتهكم عليه والسخرية منه، وهي الدرجة التي بلغوها في التشدد ضد الإسلام بعد سلسلة من الإجراءات اتخذوها ضد المسلمين، ولم تجد صدى أو ردة فعل عنيفة تتسق مع هذه الإجراءات مثل غلق المساجد والمدارس الإسلامية، ومنع ارتداء الحجاب والتشديد على الجمعيات والمؤسسات الإسلامية وتكبيل حريتها وعرقلة حركتها، بل وإغلاقها مع اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب والإرهابيين، حيث مرت كل هذه المحاولات مرور الكرام ولم ينتفض العالم الإسلامي ولم تتحرك المؤسسات المعنية بوقف تلك الإجراءات أو التحرك ضدها وفضحها وممارسة الضغوط عليها.. بل إن السياسيين وقفوا يتفرجون على المشهد في أوروبا دون أن يحركوا ساكنا، فكان نتيجة طبيعية لذلك أن بالغ الأوروبيين في هجومهم على الإسلام، فنالوا بالتعدي على شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رسوم كاريكاتيرية مسيئة لا يمكن أن يقبلها مسلم يؤمن بالله ورسوله.. حتى عندما أقام نفر من المسلمين بالدنمرك قضية ضد الصحيفة ورسامو الكاريكاتير رفضت المحكمة إدانتهم لأن ذلك يأتي في إطار حرية الرأي والصحافة.
وقد انتظرت هذا الوقت منذ صدور الكاريكاتير الأول بصحيفة دنمركية حتى يتسنى للمؤسسات والهيئات والجمعيات والجامعات الإسلامية أن تقوم بدورها المنوط في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والذود عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن ردود الفعل خرجت باهتة ولا تكاد تبين وسط صخب الهجوم على الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصحف الدنمركية والنرويجية، فقد انتظرت من الأزهر وجامعته ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعات الإسلامية أن ترد الإهانة عن أحب خلق الله إلى الله وتقيم الدنيا على أوروبا أو على الأقل على هذه الدول التي صدرت منها الإهانة، لكنها للأسف الشديد لم تفعل ذلك ولم تقم بدورها المنوط بها وآثرت السلامة.
واليوم نكتب عن تلك الجريمة الكبرى والغضب يملأ صدورنا مؤكدين أنها لن تمر مرور الكرام، كما مرت سياسات وممارسات سابقة.. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أسيء إليه يرقد في قبره وينتظر من قومه وأمته الرد المناسب والذود عنه بكل السبل والسياسات الدبلوماسية والإعلامية والتجارية.
فإن تقاعس تلك المؤسسات في العالم الإسلامي عن الرد المناسب والغاضب نظراً لكبر الجرم الحاصل على شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن الانفلات الشعبي سيحدث ولاشك من شتى دول العالم الإسلامي بعد أن سكنهم الغضب على تلك الإهانات على رسولهم الكريم، والثورة تغلي في صدورهم، وبالتأكيد سيترجم ذلك إلى مواقف وأفعال وتحركات ضد هؤلاء المعتدين، لأن إيمانهم لا يكتمل ما لم يكن الله ورسوله أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم والناس أجمعين.
ويبدو أن الذين بالغوا في هجومهم على الإسلام لهذا الحد لا يدركون مدى حب المسلمين لرسولهم، ولا يعرفون حجم الغضب الذي ينجم عن ذلك التعدي، فلا تكفيهم نبرة السفراء ووزراء الخارجية بأن ما نشر في الصحف لا يعبر ولا يمثل رأي الحكومات أو أن يشدد رئيس الوزراء الدنمركي أندرز نوغ راسموسن على حق كل شخص في التعبير عن رأيه بحرية في الإطار الذي يحدده القانون!!
لكن إسلامنا يمنع ازدراء الأديان الأخرى ورسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي وجهوا إليه الإساءة علمنا أنه لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بكل الرسل والكتب.
فلا غرابة أن تنتشر الآن دعوات لمقاطعة البضائع التجارية أو تقام تظاهرة ضد هذه الدول، وتطالب بالقصاص من هؤلاء المعتدين، ولا نخفي أن ردود الفعل الشعبية آخذة في التزايد وستتصاعد حدتها كلما رأت الشعوب أن مؤسساتها وحكوماتها المعنية بالرد لا تفعل سوى الأسى والاستنكار.
لكن إلى أي مدى يمكن أن تصل تلك الردود فهذا ما لا نستطيع قياسه أو توقعه.. وقد استشعرت حكومات الدنمرك والنرويج هالة ما فعلته صحفهم؛ لذلك استنفروا أجهزتهم الأمنية تحسبا لأي موجة غضب قد تحدث.. وبعد أن أدركوا أن الشخص الذي أساءوا إليه هو أحب خلق الله وسيد ولد آدم ولا فخر.
وإذا حدثت موجات غضب عارمة فلا ألوم إلا الحكومات الأوروبية التي افتعلت تلك الأجواء بفعل حادثين ليستنفروا كل طاقاتهم ومؤسساتهم في الهجوم على الإسلام وتضييق الخناق على المسلمين بقارتهم، كما يصل لومي وإدانتي للحكومات والمؤسسات والجامعات والجمعيات والهيئات الإسلامية في العالم الإسلامي التي وقفت تتفرج على تلك السياسات والممارسات بدون أن تنطق ببنت شفة، فكان ما كان من المغالاة في الهجوم على سيد ولد آدم.
وأحيل تلك الدول والمؤسسات إلى ما فعله اليهود مع أوروبا تحديداً، عندما ضغطوا عليها وأجبروها على الاعتذار أولا عما حدث لهم من جرائم ضد الإنسانية إبان الحرب العالمية الثانية وما تعارف عليه باسم (الهولوكست) ثم التعويض عن تلك الجرائم.. ثم أجبروهم بعد ذلك على تقنين تلك الجريمة على أنها حقيقة دامغة لا يمكن بحثها أو التعامل معها سواء بالرأي أو البحث، وعندما حاول مثقفون ومفكرون أن يتمردوا على تلك القوانين وقاموا بالتقليل من حجم الأرقام المبالغ فيها، أدانهم القضاء الأوروبي وحكموا، فلماذا لا نسلك هذا المسلك بالضغط على أوروبا من كل أنحاء العالم الإسلامي للوصول معهم على اتفاق باحترام عقيدتنا ورموزها وتقنين ذلك بأن يعاملوننا كما نعاملهم باحترام دينهم كما يحثنا ديننا الحنيف.. فالأمر ليس صعباً أو مستحيلاً، بل نجرب معهم كما فعل الآخرون؟!
فاللهم انتصر لنبيك وخير خلقك... اللهم آمين.
|