إذا قيل لك إن شخصاً قد ضحى بوقته وراحته وجهد وماله، وفرط في أسباب سعادته فتحمل مشاق السفر والتنقل بل وافترش الأرض والتحف السماء فماذا تظن أن ذلك الشخص سيفعل؟ ستظنه صاحب مبادئ وقد تصنفه ضمن من يبحثون عن سعادة أفضل، فيتحملون من أجلها الصعاب ويهون لديهم كل عسير. وقد تحسبه ممن يحملون في حياتهم قضية أو قضايا تستحق ركوب الصعب واجتياز الفيافي من أجلها.
ولكنك إذا علمت أنه يتحمل ذلك جرياً وراء عدد من الأسهم قد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة ألا تصاب بالدهشة؟
وألا تندهش أكثر إذا وضعت في الاعتبار أن ذلك الشخص ليس في حاجة لأن يضع نفسه في مثل هذه المواضع المشينة بل ويكفيه ما ينعم به في بلده من فرص كبيرة أتاحتها له خطط التنمية والبناء وتوجهات الاستثمار وبرامج الخصخصة؟
إن السعي في طلب الرزق ليس عيباً والحرص على تحسين الواقع المعيشي والدخل الاقتصادي أمر محمود، ولكن أن يتحول ذلك إلى ظواهر مَرَضية خطيرة فهنا يكون الخطر الذي يتطلب وقفة تأمل عميقة تبحث عن الأسباب التي أدت بأمثال هؤلاء إلى ما وصلوا إليه حتى إنهم يتعاملون مع السوق السوداء التي أنشأها أصحاب المصالح لتيسير رغبات الباحثين عن تلك الأسهم نحن في حاجة للتأمل لنعيد لأسواق الأسهم طبيعتها الإنسانية المفكرة المبدعة المتأملة الحاسبة وليست تلك المظاهر الطائشة اللاهثة التي تجعل أصحابها ينامون في الملاعب وفي المساجد ويفترشون الأرصفة في مظهر لا يليق بأبناء وطن له مكانته في ساحة الفكر والاقتصاد والمال والأخلاق.
فيا ترى كم من قيمة قد أهدرت وكم من خُُلُق رفيع قد اهتز وكم من مظهر حضاري قد تشوه في زحمة البحث من هذا الاكتتاب وما سبقه؟ وأين الأجهزة المختصة من ذلك توعية وتثقيفاً ورقابة حتى لا تتكرر نفس المظاهر مع كل اكتتاب جديد خارج الوطن. إن الأمر يحتاج لوقفة تأمل فاعلة لا تكتفي بالنقد والكلام بل تصل بنا إلى وضع العلاج لمثل هذه الظواهر قبل أن يستفحل الأمر ويتعداه إلى ما لا تحمد عواقبه.
والله من وراء القصد.
|