مبدأ الوسطية الذي يدعو إلى الاعتدال في كل مناحي الحياة إن كانت شرعية أو أخلاقية أو سلوكية هو مبدأ جميل طاهر يتسم بمقاصد إيجابية وأهداف تساعدنا على تجاوز جميع قضايانا بكل عقلانية متزنة وبأسلوب مرن نستطيع من خلاله الوصول إلى حلول مقنعة وغير منافية للتعاليم الدينية من دون تعصب ولا تساهل ومن دون تصوف ولا انحلال.ولكن هناك من يحاولون باسم الوسطية زرع منهجية مغايرة في عقولنا تمهيداً لأساسيات أخلاقية جديدة تخرج عن المألوف وتقع في المحظور من قِبل رواد لا يمتُّون لهذا المبدأ الجميل بأي صفة، بل أقحموا أنفسهم بها مستغلين الجوانب السلبية في قضايا اجتماعية حساسة وخاصة نوعاً ما وتضخيمها وجعلها قضية الساعة؛ لأنهم يملكون العوامل التي تساعدهم في إثارة أي موضوع في الزمان المناسب لهم، وهم بهذا لا يمتُّون بأي صفة لمبدأ الاعتدال في طرح القضايا المهمة ومعرفة الظروف المناسبة وتقييم وجهات النظر المتوازنة، بل الغاية لديهم الوصول إلى مرحلة الابتذال في أخلاقنا والتسفيه لعقولنا حتى نصل إلى مرحلة الخروج عن العادة والقبول بكل شيء يُطرح من دون التفكير في الخيارات المتاحة ولا حتى وضع الاهتمامات الملحة لمجتمعاتنا في أولويات نقاشاتنا.ولكن مع كل تلك المحاولات والتحايلات المكشوفة أمام الرأي العام فقد تصدَّت لتلك المحاولات والتحايلات أقلام شاركت وستظل تشارك بأمانة وإخلاص في كشف حقيقتهم بهدف الوعي الدائم والحرص المستمر والتقليل من شأنهم؛ لأنهم هنا يحاولون تصوير مبدأ الوسطية بمفاهيمه الكبيرة على أنه الطريق لكشف المستور بطرق مشبوهة تسيء لهم أولاً ثم للطابع الاجتماعي المحافظ في أغلبه ومن دون تفرقة؛ كتصوير بعض الوقائع الاجتماعية الدخيلة علينا والمنافية للعادات والتقاليد وكأنها وصمة عار أزلية؛ حتى يكون لإثارة المسألة ما يبررها على صعيد ردود الأفعال؛ لنكون مادة إعلامية سهلة النقاش والحوار والأخذ والرد لاكتمال العناصر والعوامل، وتكون المصيبة من نصيبنا جميعاً والعار علينا جميعاً وكأن فينا شيئاً من السذاجة وعلينا التصديق والجزم بهول هذا الأمر العظيم وأننا جميعاً في قفص الاتهام من أرباب التحايل والصيد في الماء العكر.إن من يتابعهم يجدهم يحرصون في أغلب نقاشاتهم وطرحهم على نشر السلبيات أكثر من الإيجابيات، وفيما يتعلق بالنساء أكثر من الرجال. وعند الدخول في عالم المرأة نقف مستمعين لعرضهم عن المرأة وأسلوب حياتها وما مدى اندماجها مع المتغيرات، وكأنها الشغل الشاغل في مجالات الحياة العامة وليست جزءاً منه، وكأنها هي الهدف الأساس للإصلاحات وليست ضمناً منه، مع العلم أن للمرأة قيمتها معروفة وحقوقها مصانة وقد كفلها ديننا الإسلامي الحنيف قبل خوضهم في تلك التفاصيل والسلوكيات السلبية قبل الإيجابية. وعند هذه النقطة بالتحديد كان الاستغلال الواضح لمفهوم حقوق المرأة من هذه الزاوية الضيقة التي سرعان ما توسعت بتوسع أفواه المطالبين بصيانة حقوقها كما يزعمون، وإلا لماذا كان هذا التركيز وهذا الحماس الزائد عند التحدث عن المرأة أو الفتاة من منظور نفسي يتعلق بنظرتها الخاصة للحب والألفة بينها وبين من يتفقون معها في التأكيد على هذه النظرية التي يُراد لها أن تتشعب في عقول الجيل الصاعد عن قصد، والإسهاب في ذكر التفاصيل والتفصيلات الدقيقة لهذا المنظور وتصويره وكأنه حالة غير طبيعية أصابت بعضهن لدرجة أننا مقبلون على وباء جديد اسمه (أنفلونزا البنات المعدي)، لا نعرف من أين هي قادمة هذه الأنفلونزا، هل منشؤها محلي أم قدمت من الخارج عن طريق العدوى ولم تمنعها حدود البلاد ولا غيرها، ولكن أتت وللأسف من عقول أصابتها العدوى لتنفث سمومها على فكر ونفسية وروح وزهرات هذا الجيل من الفتيات والمراهقات اللاتي تأثرن حقيقة من هذا الوباء المعدي عن غير دراية ولا استيعاب للنتائج العكسية والمؤلمة التي تم استغلالها لأغراض دعائية وهزلية من قبل أبطال هذا الموسم.وهنا عندما نتألم كمجتمع ليس لمعرفة الحقيقة وذكرها، ولكن للمستوى المنحط الذي جعل هؤلاء يتهكمون من دون معرفة أي ثوابت أو أهداف لهم؛ لأنهم أصبحوا منكبِّين على وجوههم مسوقين لعقليات مريضة في لباس الوفاء والاحترام ممن يحسبون أنفسهم على طبقة المثقفين والباحثين والأجلاء.لذلك أرى أن تكون الخاتمة هنا والنهاية في تجاوز هذا الخطأ إلى الصواب أو بالأصح اكتشاف مسببات هذا المرض الجديد والقضاء عليه قبل أن يتغلغل في عقول الناشئة ويعكر صفوهم ويكسر قدرتهم ويعدم تفكيرهم.ولكن هل يا ترى سنكون أقوياء لتحمل مسؤولياتنا بكل أمانة وصدق؟! هل نحن على دراية وعلم كافٍ للتصدي لكل ما من شأنه أن يساهم في ردع هذه الثقافة الدخيلة علينا؟! هل نمتلك الحماس اللازم لمواجهة فصول هذه الحرب الثقافية والنفسية والقضاء عليها؟! هل سنحافظ على قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ونصونها ونجعلها نبراساً لنا في تسيير شؤون حياتنا العامة والخاصة؟!إنها أسئلة كثيرة تحتاج إلى عوامل وقوى مساندة للمساعدة في حلها، ولكن أملنا في الله أولاً ثم في أرباب العقل والتعقل والصدق والمصداقية والسند والمساندة حتى تكون لهذه الأسئلة وغيرها إجابات كاملة شافية لتستقر أعيننا على طريق الهداية، وترتاح قلوبنا على صدى الحق والعدل؛ لتنعم جوارحنا تحت ظلال الأمان الدائم وتراعي وتحافظ على ما هو مقدَّس في حياتنا من دون تراخٍ ولا تهاون وبكل عزيمة وقوة.
|