* كتب - محمد المنيع:
الساحة الشعبية تشبه إلى حد قريب إحدى رياض نجد العذبة حينما تستقبل خير الله العميم وبركته ذلك الوابل الصيب الطاهر فتتحول إلى روضة غناء يتراقص روضها ونفلها ومختلف أزهارها مع شجرة العوسج المغبرة التي تتحول إلى لون خمائلي وشموخ غريب وتبرز رائحة فريدة ومنظر غريب وكل شيء فيها يجبرك على الاندهاش.
ولكن عندما تزهر تتحول تلك الروضة إلى كائن آخر لا يمت إلى الحياة بصلة.. أرض قاحلة مغبرة.. شقوق في كل مكان تعبث فيها الجرذان والحشرات وتعود شجرة العوسج الى غبرتها ووحدتها وشموخها الغريب!!
تلك الفكرة دارت رحاها حواراً سجالياً مع مجموعة من الأصدقاء حول الساحة الشعبية كيف كانت وماذا حدث لها وماذا يجب أن تكون عليه فرأيت طرح هذه الفكرة على صدر هذه الصفحة المتألقة بقيادة ربانها الماهر.. الحميدي الحربي.
نعم.. لقد كانت الساحة الشعبية روضة سعى لها الجميع من شعراء ومفكرين وأدباء ودكاترة وكنا نراهم يتربعون في ناصية تلك الساحة ويطرحون فكرهم حول مختلف جوانبها وعناصرها، كلنا كنا نتابع وبحماس الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك والدكتور سعود الصويان والدكتور سعد البازعي وغيرهم كثير وهم يناقشون بأكاديميتهم وفكرهم ورؤيتهم ما يطرح من الموروث وآفاقه في ثنايا الصحف بلا خجل أو مواربة أو تجنٍ.
والآن اختفى كل أولئك واختفى طرحهم وكأن الموروث تبدل أو تغيرت أحواله فأين اختفى هؤلاء ولماذا هجروا تلك الساحة؟.
كلنا (ثانية) أيضا كنا نتابع ماجد الشاوي وصنيتان وعناد المطيري وعبدالله السياري وأحمد الجريفاني وعلي المفضي وعبدالعزيز المتعب (وبشته) وغيرهم كثير ولكن!! لماذا انزوى هؤلاء وابتعدوا عن الساحة وفضلوا الاستراحات وبيوت الشعر والجلسات والسمر وتركوا الساحة وتنازلوا عن مواقعهم بكل بساطة ومن دون تردد أو دفاع عن وجودهم أو ساحتهم؟.
وكلنا (ثالثة) كنا نتابع بملء السمع والبصر راشد بن جعيثن والحميدي الحربي ومهدي بن عبار ونايف العتيبي ومن جاء بعدهم كسعد زهير وعبدالرحمن بحير وغيرهم كثير كانوا يديرون الساحة بكل إثارة وإبداع يقدمون لنا مادة شعبية جميلة كل حسب فكره ومنهجه وتوجهه وبيئته ثم تساقطت تلك الرموز من وهجها إلا من (رحم الله).
فما الذي حدث لهؤلاء ولماذا ابتعدوا عن دارهم وصمت أغلبهم واختفى عن الأنظار؟.
وكلنا (رابعة) كنا نحتسي شعر فتاة الوشم وريم الصحراء ومنيرة الحمد وبنت أبوها والراسية (واللي مارست) وغيرهن كثير وفجأة وبلا مقدمات صمتت تلك الشاعرات وهربن إلى عالم السكوت الغريب!. فمن المسؤول عن تغييب ذلك الصوت النقي الحالم الهادي من ساحتنا العذبة؟.
وفي المقابل أصبحنا نشاهد رؤساء تحرير لمجلات وصفحات بأسماء غريبة وأقلاما خرقاء لا تجيد كتابة خمسة أسطر (المهم الصورة) وبعدين الكلمة لأنه لا أحد يقرأ أصلاً ذلك المقال.!!
وأصبحنا (ثانية) نجبر بكل قهر على رؤية الشعر الشعبي على أجساد العاريات وخدودهن الملطخة بالمكياج وعيون البقر التي توضع لهن كعلامة جمال وهي أبعد من ذلك وعنه، فمن الذي فعل بهذا الكائن الجميل الشعر تلك الجريمة ولماذا نسكت عنه جميعاً ونسمح له بل ونشجعه؟.
وأصبحنا (ثالثة) نطالع ذلك (المسخ) عفوا الشاعر الذي لطخ وجهه بجميع أنواع المكياج وهو يبرز (عصيدته) بصفحة كاملة مدفوع ثمنها نقداً وعداً وهي ليست شِعراً أو شَعراً أو حتى (شعيوررات) فمن المسؤول عن تلك العصائد؟.
عفواً.. لست ضد النشر أو المحاولات أو البحث عن الإبداع أو إبراز الذات ولكني ضد الإبداع المزيف واقحامه بكل وقاحة في مجال الشعر وهو أبعد ما يكون عن ذلك!!
وأصبحنا (رابعة) وهي الطامة الكبرى نرى شاعرات فجأة وأسماء غريبة تصنع من قبل مشرفي التحرير ويكتب لهن الشعر وحتى المقالات و(يشخص) بصورهن فترة من الزمن ثم يختفين فجأة وبسرعة أكبر من سرعة بروزهن الفجائية..!! فمن أبرز هؤلاء الشاعرات ولماذا اختفين فجأة وما السر في ذلك؟ ومن المسؤول عنهن كظهور واختفاء مريب؟!.
وأصبحنا (خامسة) لا نكاد نتابع أو (نلحِّق) نعرف أسماء المجلات الجديدة لكثرتها وولادتها التي تثير الغرابة، والأغرب من ذلك أنها تختفي بسرعة تفوق ولادتها وبدون دراسة أو تفكير أو رسم خطط مدروسة.
فمن المسؤول عن تلك المجلات الطائرة التي تسقط يميناً ويساراً بطريقة غريبة جداً جداً؟.
وبعد.. أليس من حق شجرة العوسج أن تغبرَّ وتزدهر وتنزوي حتى ينزل الله الغيث الذي يروي ظمأها ويبل ريقها لتسترجع لونها الجذاب.
والسؤال المهم جداً يوجه نفسه إلى وزارة الثقافة والإعلام بوصفها الحارس الأمين والراعي المبدع لإعلامنا الشامخ الذي ينهل طرحه من ثوابتنا الأصيلة.. أليس من واجبها التدخل حيال ما يجري من تشويه لموروثنا وفكرنا وإيقاف ذلك العبث الذي يخرج بلا رقيب فني أو مهني؟.
كم نتمنى أن نسمع إجابة شافية حول تلك الأسئلة المتلاطمة يمكن من خلالها أن يعيد للساحة ولو بعض توازنها أو نعرف الحقيقة والحقيقة فقط.
|