Saturday 28th January,200612175العددالسبت 28 ,ذو الحجة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"منوعـات"

وعلامات وعلامات
معارك أنور المعداوي النقدية 1-4
عبد الفتاح أبو مدين

حين فكَّرتُ في الكتابة عن الأديب الكاتب الأستاذ أنور المعداوي - رحمه الله - شعرتُ بحيرة شديدة؛ لأني عرفته من مجلة (الرسالة) في مطلع شبابي. وكنتُ على إعجابي بأسلوبه الرائع، ونقده الصائب الجاد، وجراءته النادرة في التحدي، كنتُ مع هذا أجد مخالفة لطريقته في النقاش الأدبي؛ فهو ينتقل من النقد إلى الهجاء، ويصارع في غير مجال المصارعة. وأذكر أني كنتُ أدوِّن في مذكرتي الخاصة ما أقف أمامه من هجوم صارخ لا داعي له، حتى اجتمع لديَّ بعض الأمثلة الناطقة بمدلول متسرع لا يعرف الاتئاد. حين أقبلتُ على مراجعة هذه المقتطفات وجدت أنها تكفي لأن أكتب صفحات محدودة عن هذه الشطحات التي بدرت من الناقد، فلم تصادف قبول الكثيرين، وقد حرتُ في تعليل هذا الجموح، ثم اهتديتُ إلى مقالٍ كتبه صديقه الأستاذ عباس خضر بمجلة (الثقافة) في (نوفمبر 1977م) التي كان رئيس تحريرها الدكتور عبد العزيز الدسوقي، ويشرف عليها الأستاذ الروائي يوسف بن محمد السباعي، وهي غير مجلة (الثقافة) التي كان يصدرها الأستاذ الكبير أحمد أمين. وفي مقال عباس خضر بيَّن بواعث هذا الاندفاع. والأستاذ عباس خضر كان زميل المعداوي في تحرير (الرسالة)؛ إذ له باب أسبوعي يقع تحت عنوان: (الأدب والفن في أسبوع)، كما للمعداوي باب مجاور يقع تحت عنوان: (تعقيبات)، وبينهما من الصداقة ما لم يمنع الأستاذ عباس أن يقول رأيه في صديقه كما يعتقده وفاءً لحق التاريخ!
قال الأستاذ عباس خضر بمجلة (الثقافة) المشار إليها تحت عنوان: (هؤلاء عرفتهم - أنور المعداوي): (كانت أزمته الأدبية أنه لم يستطع أو لم يُمكَّن - بالبناء للمجهول - أن يستمر عنيفاً مهاجماً، ولم يصبر على المعاناة، كان يريد أن يبدأ ويستمر كاتباً كبيراً، ولكن الحياة تمسَّكت بناموسها الذي لا يخلف، فلا بدَّ للإنسان أن يبدأ صغيراً ثم يكبر شيئاً فشيئاً، ولا بدَّ من عقبات في الطريق، ولا بدَّ من جهود تُذلِّل هذه العقبات، ولن يلتفت أحد من الركب الذي يحثُّ السير إلى مَن تخلَّف في الطريق). ثم يقول: (والملاحظ بوجه عام أنه كان يدور حول نفسه بكفاحه، يريد أن يثبتها بأي طريقة.. ويتحدث أحياناً عن صداقته المبتدئة لتوفيق الحكيم وعلي محمود طه، ثم يهاجم توفيق الحكيم ويصف أدبه بأنه أدب الجدران المغلقة؛ أي أنه بعيد عن الناس، ولم يكن صاحب (يوميات نائب في الأرياف) كذلك، وكل ما في الأمر أنه كان يكتب في (الرسالة) تحت عنوان: (من برجنا العاجي)، فأخذ الناس يتهمونه بهذه التهمة!).
ويقول الأستاذ خضر: (ولا أذكر سبب المعركة الحامية التي دارت رحاها بينه وبين الدكتور زكي نجيب محمود، ولكني أذكر دُرَّ سلاح دكتورنا الفيلسوف كان علمياً تحليلياً، إذ ألقى بعض الضوء على شخصية المعداوي يصوِّره شاباً مغروراً).
وهذا الكلام يتيح لي أن أذكر ما كتبته في أوراقي عبر معركة المعداوي مع زكي نجيب محمود؛ لأني تابعتها بالتفصيل؛ فقد أصدر المعداوي كتاباً تحت عنوان: (نماذج فنية في الأدب والنقد)، وأهداه إلى الدكتور زكي نجيب محمود، فكتب الدكتور زكي يقول: (ليس في حياتنا ذرة من الأصالة الخالقة، فلا العالم يكشف كشفاً جديداً، ولا الأديب يخلق خلقاً جديداً. وإني أنظر فأجد أن الرؤوس قد استحالت عندنا إلى جماجم خاوية، تنفذ إلى أجوافها أصداء مما يقول سوانا، فتتردد الأصداء في جنبات الجماجم لتخرج على الألسنة والأقلام هشيماً هو أقرب ما يكون إلى فضلات النفاية. وإني استعرضتُ فصول الكتاب لأجدها تعليقاً على رجل أو كتاب، وهذا ما أسميه: فتات الموائد). هذا لباب ما قاله الدكتور زكي، فهو يرى أن الكتاب تعليقات على آراء ورجال، وليس إبداعاً فنياً يُذكر لصاحبه.
لقد كان على المعداوي أن يتعرَّض للرأي فينقده ويثبت مثلاً أنه ليس مجرد تعليقات، وأنه إبداع، ويقرب المثل من أبواب الكلام الدالة على ذلك، وقد ذكر فعلاً عناوين المقالات التي يعدُّها جديدة ومبتكرة، ولو وقف عند ذلك لكان ناقداً موضوعياً، ولكن شطحاته المتسرعة جعلته ينتقل من المنقود إلى الناقد، فيقول:
(عيبك يا صديقي أنك لا تؤمن بنفسك، والرجل الذي لا يؤمن بنفسه لا يستطيع أن يؤمن بغيره، وأنك تشعر دائماً أنك عبد وأن كل مَن تراهم عبيد، وأنك ذليل وأن كل مَن تراهم أذلاء. صدِّقني، إني مشفق عليك من هذه الثورة العاجزة التي ينقصها الإيمان بالنفس في كثير من الأحيان! إنك تهاجم الشيوخ وتتنكَّر لهم ولا تكاد تعترف بوجودهم، ومع ذلك فما أكثر ما واجهت الجمهور مستنداً إلى ذراع أحدهم (يريد الأستاذ أحمد أمين) لتستطيع في ميدان الأدب أن تقف على قدمك، حتى لقد كنت تحرص كل الحرص أن تضع اسمه على كتبك متبوعاً باسمك؛ لتضمن لتلك الكتب شيئاً من الذيوع، ولو كنت ثائراً حقاً لواجهت جمهورك القارئ بنفسك وعلى فمك هذه العبارة: هاأنذا وحدي، ولكنك تواجه الجمهور وتقول له: هاأنذا مع أحمد أمين، فآهٍ من العبودية التي تسري في دمك وتتخيَّل أنها من صفات غيرك.. إنني يا صديقي لست مثلك عبداً من العبيد؛ لأني أؤمن بنفسي إلى أبعد حدود الإيمان، ولست من طرازك حين تقول إني لم أكتب سطراً واحداً منذ بدأتُ الكتابة.. وأنا على يقين من أنها لا تلتقي بعين قارئ؛ فإن صرير قلمي لا يكاد يبلغ سمع صاحبه. كيف تصفني يا صديقي بأني مثلكم جميعاً عبد من العبيد، أولئك الذين يقتنعون بفتات الموائد. إني أتحداك أن تذكر لي اسماً واحداً من أسماء الشيوخ قد أخذ بيدي في دنيا الأدب وقدَّمني يوماً للقراء، وإن كتابي ليتحداك أن تثبت للناس أن فصلاً من فصوله الباحثة أو الناقدة قد كُتب دون أن يحمل بين طياته رأياً جديداً أو فكرة مبتكرة أو تصحيحاً لوضع من الأوضاع الزائفة في محيط الأدب والنقد. وإن كتابي لا يُعلِّم الإنشاء لتلاميذ المدارس، ولكنه يفتح الطريق للدارسين، ويبيِّن الطريق للسالكين. وحسبك أني سأهدي إليك في الغد القريب نسخة من الطبعة الثانية).
* كتب عنه أحمد عطية كتاباً عنوانه: (أنور المعداوي: عصره الأدبي وأسرار مأساته).
* اتصل بالرسالة كاتباً عام 1949م.
* ألَّف عن المعداوي الأستاذ رجاء النقاش كتاباً بعنوان: (صفحات مجهولة في الأدب العربي الحديث).
* وللدكتور علي شلش كتاب عنوانه: (أنور المعداوي)، صدر عام 1990م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، رقم (1) نقاد الأدب.
* ولد أنور المعداوي في 19 مايو 1920م بقرية مصرية (مهدي) تابعة لمحافظة كفر الشيخ.
* تعلَّق المعداوي بأستاذه الشيخ أمين الخولي في كلية الآداب جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة فيما بعد) قسم اللغة العربية، وأصبح في طليعة جماعة الأمناء التي تكوَّنت في عام 1944م برئاسة الشيخ أمين الخولي.
* كان المعداوي ينفر من محاضرات الجامعة لأنها لا تعجبه، بعكس بقية الطلاب الحراص على ألا يفوتهم شيء من ذلك، وكان يفضل الجلوس على كرسي أعرج في مقهى متواضع في ميدان الجيزة، لذلك لم يكن متفوقاً في الامتحانات ولا في أبحاثه التي يقدِّمها بأسلوبه الرفيع وكلماتها المختارة وخطها الأنيق كما قال الأستاذ علي شلش، ولم يحصل على درجة الامتياز. ويقول زميله عبد الكريم غلاب: كان أسلوبه في الحديث كأسلوبه في الكتابة رشيقاً جميلاً جذاباً، وكان المعداوي قارئاً ممتازاً، وذا استعداد فني وموهبة في الكتابة.
* تخرَّج المعداوي في جامعة القاهرة عام 1945م، وفي بداية عام 1947م بدأ عمله موظفاً بإدارة التسجيل الثقافي في وزارة المعارف، لكن هذه الوظيفة لم تُرْضِ طموحه كما قال الدكتور علي شلش.
* والرجل كان طموحه الأدبي كبيراً جداً، ولم يُرْضِهِ شيء مما أُتيح له يومئذٍ.
* تُوفِّي المعداوي في أول ديسمبر عام 1965م وعمره لم يتجاوز الخامسة والأربعين إلا بقليل، ولم يُقدَّر له أن يتزوج.
* كان المعداوي يكره الوظيفة لما فيها من قيود وروتين، وكان يعيش الحرية، لكنه اضطر إلى الوظيفة بعد تخرُّجه في الجامعة، وعمل بعض الوقت في مجلة (المجلة) بمساعدة يحيى حقي وبعض أصدقائه.
* إن غزارة أدب المعداوي كانت في الفترة 1947- 1953م، وأول كتبه: (نماذج فنية من الأدب والنقد). في هذا الكتاب (14) مقالة في موضوعات شتى في الأدب والفن والحياة.
* وله كتابان آخران، هما: (علي محمود طه)، (الشاعر الإنسان). وكتاب ثالث عنوانه: (كلمات في الأدب) جُمع بعد وفاته.
* ويُمكن أن يُطلق عليه وعلى أمثاله: (أدباء بائسون)، ذلك أن حظَّهم في الحياة كان ضيقاً أو حالكاً.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved