تمثل صفحات الرأي والمناقشات (ترمومتراً) مهماً يقيس مستوى الصحيفة ونوعية القراء.. ومقروئية الكتاب وأعمدتهم.. وفي الصحافة الأمريكية والبريطانية توكل مهمة الإشراف على مثل هذه الصفحات إلى أكثر الصحافيين ثقافة ومهارة وعدالة واتساع رؤية، وفي أكثرها يتولى رؤساء التحرير أنفسهم الإشراف على مثل هكذا صفحات اعتقاداً منهم أنها أهم الصفحات لأنها الشاشة التي يستقون منها معلوماتهم تجاه صحفهم وكتابهم وشريحة القراء التي تقرؤهم وهكذا.
ولابد أن تتسم صفحات الرأي والمناقشة بالموضوعية ومناقشة الرأي والفكرة دون التعرض أو المساس إلى صاحبها..
* وفي أغلب الصحف السعودية.. يلقى كتاب الأعمدة ردود أفعال قوية من القراء تفرد لهم المساحات ليقولوا آراءهم، وهذا حق مكفول بل ومطلوب ومندوب إليه.
لكن مهارة المشرفين على هذه الصفحات تتفاوت، واهتمامهم بعملهم وقراءتهم للموضوعات وتهذيب وتشذيب ما قد يخرج ويتجاوز مناقشة الفكرة إلى الحديث عن أخلاق أو دين الكاتب ومساس عقيدته واتهامه بأهدافه ووصفه بأوصاف أقل ما يقال عنها أنها تستحق رفع قضايا.
* قرأت مقالاً في إحدى صفحات القراء تتهم فيه كاتبة بأنها تسعى إلى إفساد المجتمع وإخراج النساء من ربقة الأخلاق ويذكر اسم الكاتبة كاملاً وتبارك الصحيفة لنشر وترويج الاتهامات المجانية..
وهذا مثار غرابة كبيرة.. فأين مناقشة الأفكار والروية في الطرح والنظر إلى أبعاد القضية المطروحة بميزان الفكر والعقل والرؤى المتباينة والمختلف عليها..
* الشيء الأكيد أن نظام الإعلام في المملكة لا يبيح مطلقاً نشر أي فكرة تجترح العقيدة السمحة أو تتطاول عليها أو تنكر أمرا.
* أما ما عدا ذلك من أطروحات خاضعة للتفسيرات البشرية فليس لأحد كائن من كان أن يقول بقطعية أمر ما.. فما بالك إن أصحاب هذه التفسيرات هم أئمة معتبرون..
إذن من يمتلك الحقيقة.. ومن يستطيع أن يشير إلى نفسه ويقول الحق لدي والباطل لديكم؟
هذا ضرب من الأحادية التي أفرزت انقساماً بائناً في مجتمعنا أدت بنا إلى أن تتهم فئة فئات أخرى ويتطور أمرها إلى أن يخرج منها فتيان يجوبون البلدان يقتلون ويفجرون في الداخل والخارج.
* وفي كل مرة أطالع فيها صفحات المناقشة والرأي في أغلب صحفنا السعودية وأتابع صولات وجولات الاختلاف والاتفاق وهو ولا شك اتجاه صحي إذا روعيت فيه أساليب الحوار الموضوعي التي تناقش الأفكار ولا تجزم بشيء مطلقاً، ولا تتهم ولا تستدخل قلمها في نوايا الكتاب وفي قلوبهم.. ولا تنال منهم شخصياً.. فإن ذلك دلالة نجاح وتفوق للصحيفة التي يتفاعل قراؤها مع ما يطرح فيها، لكن السؤال الذي أجسده يلح علي بقوة: هل رؤساء التحرير محصنون من النقد والهجوم على كتاباتهم؟ وهل يصدر رؤساء التحرير للمحررين المشرفين قراراً بمنع نشر الهجوم عليهم أو اعتراض أفكارهم؟ أم أن المحررين يبادرون إلى طرح الثناء على رؤساء التحرير واستبعاد القدح من باب المجاملة لرؤسائهم وطمعاً في رضاهم؟
* قرأت أخيراً مقالاً رائعاً لرئيسنا الأستاذ خالد المالك عن المنتديات وخص منتدى الساحات بالانتقاد وعرض السلبيات وما وجدنا في (عزيزتي الجزيرة) إلا مدحاً وثناءً على المقال، مع أن المصفقين للمنتديات وبالذات هذا المنتدى بل وبعض المشاركين والمشاركات فيه يترددون على هذه الصفحة وينشرون فيها آراءهم التي لا تختلف كثيراً عن منتداهم.. فهل للرئيس حصانة ونحن الكتاب محرومون منها.. أسئلة أدرك أنها لا تغضب أبا بشار وهو المؤمن بحرية الرأي إلى أبعد مدى.
|