Friday 13th January,200612160العددالجمعة 13 ,ذو الحجة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أفاق اسلامية"

التيسير من سماحة الإسلام التيسير من سماحة الإسلام
د. محمد بن إبراهيم الرومي (*)

الشريعة الإسلامية وأحكامها قائمة على رفع الحرج والتيسير على المكلفين، وقواعد التيسير مستمدة من نصوص الكتاب والسنّة، وقائمة على أدلة شرعية، فديننا الإسلامي دين السماحة والتيسير لا دين التشدد والتعسير، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنّة أن التيسير والتخفيف أحب إلى الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}ويقول - سبحانه - {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}ويقول - عز وجل - {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}ويقول الرسول الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم: (خير دينكم أيسره) رواه البخاري وأحمد، وتقول عائشة - رضي الله عنها - (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس عنه) متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته). وما أحوجنا في موسم الحج وكثرة الحجاج أن نلتمس للضعفة والمساكين ما شرع الله لهم من الرخص في حقهم، ويتأكد ترجيح الرخصة واختيار التيسير إذا ظهرت الحاجة إليها لضعف، أو مرض، أو شيخوخة، أو لشدة مشقة، أو غير ذلك من المرجحات، وقد أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم لمن معهم من النساء والضعفاء ألا ينتظروا إلى الصباح ليلة النحر، وهذا التيسير في أمور الحج مطلوب، وخصوصاً مع كثرة حجاج بيت الله الحرام، وازدحام الناس في المشاعر، فينبغي للعلماء أن يأخذوا بالأقوال التي تيسر على الناس، والله يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر.
إن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد بعث أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن وأوصاهما بقوله: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا) متفق عليه.
ولقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأئمة بالتخفيف على المأمومين؛ لأن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد يفتي العالم بالأحوط لبعض أهل العزائم والمتورعين، أما العموم فالأولى بهم اليسر، وعصرنا اليوم أكثر من غيره حاجة إلى إشاعة التيسير على الناس بدل التنفير، لاسيما من كان حديث عهد بإسلام، أو كان حديث عهد بتوبة، وهذا واضح تمام الوضوح في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه الإسلام لمن يدخل فيه، فهو لا يكثر عليه الواجبات، ولا يثقله بكثرة الأوامر والنواهي، وإذا سأله عما يطلبه الإسلام منه اكتفى بتعريفه بالفرائض الأساسية، فإذا قال الرجل: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه قال: (أفلح إن صدق) أو (دخل الجنة إن صدق).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون إنكاراً للتشدد إذا كون اتجاهاً، وتبناه جماعة، ولم يكن مجرد نزعة فردية عارضة، وهذا ما نلحظه في إنكاره على الثلاثة الذين اتخذوا خطاً في التعبد غير خطه، وإن كانوا لا يريدون إلا الخير ومزيد التقرب إلى الله - تعالى - فعن أنس رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم، ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة) رواه البخاري، وفي رواية له: (سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة القصد القصد تبلغوا) وإن هذا التيسير لهو من سماحة الإسلام وسهولته وشمولته، وليس ذلك بمستغرب ولا مستعجب، فهذا الدين هو دين الإسلام دين ربّ العالمي، فربنا - سبحانه - هو المشرع، وهو عالم الغيب، ومدرك لضعف عباده وحاجتهم، وأدرى بما تهواه أنفسهم وما ترغب إليه وما تنفر منه، وسماحة الإسلام شاملة وعامة، فالقصر والجمع في السفر، ورخصة الإفطار للمسافر والمريض والتقوى بقدر الاستطاعة، وعدم تكليف النفس ما لا تطيق فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن التيسير المطلوب الاعتراف بالضرورات التي تطرأ في حياة الناس سواء أكانت ضرورات فردية أم جماعية، فقد جعلت الشريعة لهذه الضرورات أحكامها الخاصة، وأباحت بها ما كان محظوراً في حالة الاختيار من الأطعمة والأشربة والمبلوسات والعقود والمعاملات، وأكثر من ذلك أنها نزلت الحاجة في بعض الأحيان - خاصة أو عامة - منزلة الضرورة أيضاً تيسيراً للأمة ودفعاً للحرج عنها.

(*) عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved