Monday 9th January,200612156العددالأثنين 9 ,ذو الحجة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

العنف لدى الأبناء في مواجهة الوالدين العنف لدى الأبناء في مواجهة الوالدين
مندل بن عبدالله القباع

طالعتنا بعض الصحف المحلية في الآونة الأخيرة عن بعض حالات الموت والقتل من قبل بعض الأبناء ونضرب مثالا على ذلك: أن ابناً ظل يرمي والده بحجر حتى مات.
فلم هذا الشر؟
ولماذا هذا العدوان؟
وعلام هذا العنف؟
وما هي الدوافع وراء هذه الظاهرة السلوكية البغيضة؟
وما هي مصاحباتها؟ وما هي طرق الحد منها ومواجهتها؟
أسئلة عديدة تبحث عن إجابة وسؤال في مقالنا هذا أن نجيب عنها من واقع علمي وخبرة في هذا المجال:
إن سلوك الأذى والعنف والعدوان سلوك إنساني نشأ في الإنسان منذ الأزل وهو سلوك خطر يهدد بقاءه، كما يهدد كيان ومصالح الآخرين، وهذا في جانب السلوك المرضي، وهو يتشكل بأنماط ودرجات مختلفة من الفعل غيرالسوي والانفعال الشديد.
إذ نتفق جميعا أن سلوك العدوان سلوك لا سوي يمثل علاقة غير مرغوبة بين طرفين، فما بالنا إذا كانت هذه العلاقة المشينة تتعلق بابن ووالديه أو أحدهما خاصة إذا انعدمت العوامل الأخلاقية أو القيمية أو الاجتماعية كأساس مرض للعلاقة.
ونحن على قناعة بأن ثمة أسبابا ذاتية أو موضوعية وراء هذا العدوان، وإزاء ذلك يقول النفسيون: إن هذه الطاقة العدوان التي يتشبع بها فرد ما إذ لم تجد طريقاً للتصريف أيا ما كان هذا التصرف فهو غير محسوب - ارتد إلى الذات وقد يصل إلى الانتحار، وهو قمة الارتداد على الذات، ويقولون: إن عوامل الانحراف ودوافعه مختلفة لكنهم يشيرون إلى سن التمرد، والثقافة الجانحة والبيئة المنحرفة والوضع الاجتماعي المتصدع والمستوى الاقتصادي المتدني، لكننا نقول: إن العام السائد يتمثل في أساليب التربية والتنشئة الخاطئة ووسائط الاتصال والتعبير.
إن فهم العلاقة الأبوية مرجعها فقر العلاقة الجدلية المتبادلة بينهما في مواقف الحياة مما ينتج عنه فقدان الحب والانتماء والاحترام، وهو أمر غير مرغوب أخلاقياً واجتماعياً، كما يمثل اعتلالا في الصحة النفسية للفرد.
وعلى ذلك نعود لموضوع هذا المقال: وهو عدوان ابن على والده بحجر حتى الممات.
إن هذا النوع من العدوان يطلق عليه عدوانا انتقاميا بل هو إسراف مزر في الانتقام وأحد أشكاله الإيذاء البدني، والضرب الشديد وإحداث عاهات وجروح، ولاشك أن عملية استخدام أساليب القسوة والتعذيب يعتبر سلوكاً مرضياً لأنه يدخل في نطاق السادية، حيث يمعن المعتدي في إيلام وتعذيب الآخرين، وهذا سائد في جماعات الانحطاط الأخلاقي والضعف الديني والتدني الاجتماعي خاصة إذا كان المعتدى عليه في عمر أو وضع لا يمكنه أن يدافع عن نفسه أو يرد الاعتداء الواقع عليه ربما لفجاءته أو لعدم تصديقه أو حتى تخيله، فمن يجرأ أن يأخذ موقفا سالباً من أبيه فيه سلب لحياته، انعدمت لدى هذا الابن الرحمة والتقدير والاحترام لأبيه! أين نظمنا التربوية؟ أين تعاليم ديننا الحنيف؟ أين نسقنا القيمي الأخلاقي؟ أين تراثنا الإنساني الحضاري؟ ألم يكن الإنسان أصلاً منتميا لأبيه جزءا منه، بينهما علاقة تكافلية، أساسها الحب والتقدير، أم تحول هذا الحب لدى الابن إلى حب للذات والتمركز حولها بعيداً عن حبه لوالديه، أم هو نضوب منبع معايير حياته، أم هو ضغط من قبل عوامل البيئة الاجتماعية المواتية، أم أن المناخ النفسي هو المسؤول الأول عن السلوك العدواني - كما يدعي فرويد - إن الشخصية السوية لها شروط ترتبط بعوامل النمو السليم التي يستحيل توافرها إلا من خلال نظام اجتماعي تترابط وتتكامل عناصره المختلفة التي تساهم في بناء مناخ ملائم لإيجاد حياة إنسانية صالحة في مناخها وروحها العامة.
وفي ضوء ما سبق عرضه من رؤى حول هذه القضية المثارة نود أن نشير إلى بعض من النقاط نراها مهمة في تجنب مثل هذه المشكلة ودرء السلوك الاستجابي للعدوان بصفة عامة.
أولاً: العمل على إشباع الحاجات الأساسية للإنسان التي تكلف له الحماية والحفاظ على حياته، ففي هذا حيلولة دون استثارة النزعة العدوانية في نفسه واللجوء إلى السلوك العدواني لمهددات إشباع حاجاته الأساسية التي لا غنى عنها ولا حياة في النأي عنها.
ثانياً: إكساب الفرد القيمة الأساسية لوجوده والاقتناع بدوره الممارس في الحياة والعمل والرضا بمكانته الاجتماعية وقدرته على بلوغ إشباع حاجاته حتى لا يلجأ إلى غير المبالاة والتخريب ومحاولة التعدي بالخروج على النظام والقانون والسلوك الانحرافي والجرم.
ثالثا: دعم إمكانات تقدير الذات ومد الفرد بمعنى وقيمة الكرامة الإنسانية حيث خلق الإنسان في أحسن تقويم، وليس له إلا ما سعى بالعمل والإنتاج والإبداع المادي والذهني والفني.
رابعاً: إعطاء الفرد ومنحه الحرية في التعبير عن حاجاته وآرائه واتجاهاته فضلاً عن إعطاء الفرصة له لتحمل المسؤولية حسب القدرة والإمكانية حيث: إن افتقادها يضطره للبطش والعدوان.
خامساً: إعمال الثواب والعقاب بالتأكيد على كل من السلطة الفردية - والجماعية - وسلطة المجتمع وتنمية الأنا الأعلى (الضمير) و(القانون).
هكذا لجأنا إلى المساهمة في تحليل القضية من وجهة نظر اختصاصنا الاجتماعي والنفسي وما زال الأمر يحتاج لمزيد من التحليل والتشخيص ووضع سبل العلاج القريبة والناجعة على المستوى الفردي والجماعي.
آمل من مراكز البحوث والجامعات بحث هذه المواقف قبل أن تتحول إلى ظاهرة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved