Friday 6th January,200612153العددالجمعة 6 ,ذو الحجة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أفاق اسلامية"

الحج مرة واحدة في العمر الحج مرة واحدة في العمر
معالي الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ (*)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فالحج إلى بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة، ومبانيه العظام، قال الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) أخرجه البخاري ومسلم.
والحج واجب مرة واحدة في العمر، ودليل ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) أخرجه مسلم.
ويجب الحج على من توافرت فيه شروط خمسة، وهي:
الشرط الأول - الإسلام:
فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة به في الدنيا حال كفره، ولا يصح منه، لعدم أهليته لأداء العبادة، فلو حج الكافر ثم أسلم بعد ذلك تجب عليه حجة الإسلام، ولا يُعتد بما حج في حال كفره.
الشرط الثاني - العقل:
لأن العقل شرط للتكليف، والمجنون ليس مكلفاً بفروض الدين، بل لا تصح منه إجماعاً لأنه ليس أهلاً للعبادة، فلو حج المجنون ثم أفاق إلى رشده فتجب عليه حجة الإسلام.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل). أخرجه الترمذي وحسنه، وأبو داود، وابن ماجه.
الشرط الثالث - البلوغ:
لأن الصبي ليس بمكلف، فلو حج صح حجه وكان تطوعاً، فإذا بلغ وجبت عليه حجة الإسلام.
الشرط الرابع - الحرية:
فلا يجب الحج على العبد، لأنه عبادة تطول مدتها، وتتعلق بقطع مسافة، وتشترط لها الاستطاعة بالزاد والراحلة، ويضيع حقوق سيده المتعلقة به، فلم يجب عليه.
الشرط الخامس - الاستطاعة:
فلا يجب الحج على من لم تتوافر فيه، لأن القرآن خص الخطاب بهذه الصفة في قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.
والاستطاعة التي تشترط لوجوب الحج، تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول - استطاعة تشترط في الرجال والنساء:
وذلك يشمل: القدرة على الزاد وآلة الركوب، وصحة البدن، وأمن الطريق، وإمكان السير.
القسم الثاني - استطاعة خاصة بالنساء:
وهي وجود المحرم، فالتي لا محرم لها لا يجب عليها الحج، لحديث ابن عباس مرفوعاً: (ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّةً وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ قال: انطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وقد وردت جملة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تبين فضل الحج ومكانته وما يترتب عليه من خيرات عظيمة، فمن هذه الأحاديث:
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) أخرجه البخاري ومسلم.
2- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري.
فتأمَّل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من حج لله) أي مخلصاً لوجهه الكريم لا نصيب للخلق فيه ولا للنفس.
3- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أخرجه الشيخان.
4- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة) أخرجه الترمذي وصححه.
5- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة) أخرجه مسلم.
6- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: ولكن أفضل الجهاد حج مبرور) أخرجه البخاري.
وللحج إلى بيت الله الحرام معانٍ عظيمة، وحِكَم جليلة، ومنافع كبيرة، ومن ذلك:
أولا- إعلان التوحيد:وذلك من أعظم حِكم الله تعالى في إيجاب الحج على عباده المؤمنين، فيحققوا العبودية له - جل وعلا - من أول عمل من أعمال الحج، ألا وهو التلبية، فيعلنوا التوحيد بالتلبية بقولهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
ونرى تحقيق التوحيد واضحاً في قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في ركعتي الطواف.
وكذلك يتمثل التوحيد في الحج من خلال دعاء يوم عرفة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
ثانياً - أن الحج يذكِّر بالآخرة:ففي الحج استشعار حقيقي لمشاهدة يوم القيامة، فالناس يقفون في صعيد واحد، حيث الزحام الشديد، والجميع في خشية ووجل من الله - جل وعلا - طامعين في مغفرة الذنوب والصفح من الله - عز وجل -، فهذا المشهد يشبه وقوفهم بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة في صعيد واحد، حفاة عراة غرلاً، خائفين وجلين مشفقين.
ثالثاً - تعلُّم العلم الشرعي:فالحج صرحٌ من صروح العلم، فكم من أناس كانوا يجهلون كثيراً من أحكام الحج وغيره من أمور الدين، فحصل لهم بالحج العلم النافع، والفقه في دين الله - عز وجل -.
رابعاً - تحقيق العدل والمساواة بين الناس:فالحج مدرسة عملية تدريبية على تحقيق المساواة التامة بين الناس، فالحجاج جميعاً رغم اختلاف أجناسهم وألوانهم، وتباين ألسنتهم وتباعد بلادهم، لا يتميز غني بغناه، ولا يعرف فقير بفقره، ولا حاكم بعزّته وسلطانه، ولا ذو جاه بجاهه، فالجميع ربهم وخالقهم واحد وكلهم من آدم وآدم من تراب.
خامساً - الحج يربي الناس على التواضع:التجرُّد من المخيط يُذكِّر بلباس الأكفان بعد الرحيل، وفيه إرشاد إلى التواضع ونبذ الكبرياء، الجميع كلُّهم قد ارتدوا الرداء والإزار، وخضعت رؤوسهم للواحد القهار.
سادساً - الحج نقطة لتوحيد كلمة المسلمين:فمن مقاصد الحج العظيمة اجتماع المسلمين في هذا المؤتمر الإسلامي الكبير، فاجتماعهم في الحج نقطة لاجتماع كلمتهم على الحق، وتوحيد صفوفهم وتضامنهم.
سابعاً - تعظيم شعائر الله:في الحج تعظيم لشعائر الله التي هي علامة على تقوى القلوب كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}فكلما عمل الحاج عملاً من المناسك تذكر عظمة الله تعالى، خاصة وهو واقف بعرفات يناجي ربه، ويسكب العبرات في تلك الرحبات.
ثامناً: حسن الانقياد لشرع الله:وذلك ظاهر في تقبيلِ الحجر الأسودِ، فالحاج يقوم بتقبيل الحجر الأسود منقاداً لشرع الله - عز وجل - وإن لم تظهر الحكمة، يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (والله، إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبّلك ما قبّلتُك) متفق عليه.
تاسعاً - مواساة الفقراء والإحسان إليهم:فالحج محل للبذل والإحسان إلى الفقراء ومواساتهم، وسد حاجتهم، فقد قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أيام مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، وقال سبحانه: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}والقانع الفقير الذي لا يسأل، والمعتر الفقير الذي يسأل.
هذا شيء يسير من حِكم الحج وأسراه ومنافعه.. وأخيراً أسأل الله - العلي القدير - أن ييسر للحجاج حجهم، وأن يتقبله منهم، وأن يخرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وأن يوفق جميع ولاة المسلمين عامة للعمل بكتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأن يوفق حكام هذه البلاد المباركة خاصة لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(*) عضو اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى وعضو هيئة كبار العلماء

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved