* تحقيق - خالد الفرج : في الوقت الذي تتطوَّر فيه إمكانات الاتصال عبر الحدود في مختلف أنحاء العالم عبر الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) تتزايد مخاطر استخدامه فالإنترنت أداة تطوُّر أصبحت قنبلة متفجِّرة داخل غرف أبنائنا من الشباب فهي لها سلبياتها التي تتضح من خلال مظاهر الانحراف في سلوكيات بعض المراهقين من شبابنا وأبنائنا.. فالمحادثات أو تصفُّح مواقع النت مع غياب الرقابة الأسرية في هذا الجهاز أصبح وجوده يُشكِّل خطراً على أبنائنا لأن سلبياته أكثر من إيجابياته، عن ذلك توجهنا إلى عدد من المربين والمختصين وأصحاب الرأي للحديث عن تدارك المخاطر. فوائد وإيجابيات في البداية تحدث الدكتور يوسف أحمد الرميح أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك، وكيل كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بجامعة القصيم فأشار إلى أن أسهل وصف يمكن أن يُوصف به عصرنا الحديث هذا هو عصر العلوم التقنية وسرعة الاتصالات، فلقد شهد العقد الأخير ثورة هائلة في تلكم الأمور لم يحلم بها الإنسان حتى قبل خمسة عقود من الزمن. ودخلت علينا الإنترنت بمضامين ومعانٍ جديدة وحديثة عن المجتمع، فأصبح الاتصال سهلاً ميسوراً بين أقطار العالم كافة وأصبح تبادل المعلومات من أسهل الأمور والمعلومة تأتي بضغطة زر بدلاً من الانتظار طويلاً للبريد أو البرق، بلمسة في لوحة المفاتيح تفتح للباحث آفاقاً رحبة للعلم والمعرفة، ومما لا شك فيه أن للإنترنت أموراً إيجابية كثيرة جداً خاصة لمن عرف أن يستفيد منها في الدعوة إلى الله عز وجل ونشر العلم الشرعي النافع والمفيد بين الناس في كافة أصقاع المعمورة، وهذا مطلب شرعي جميل أن ينشر العلم الشرعي ومعرفة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بواسطة الإنترنت بكل لغات العالم ليستفيد منها الجميع ولإقامة الحجة على المعاند لشرع الواحد الأحد سبحانه وتعالى، وهي سبيل سهل وواضح للدعوة للحق وحثّ الناس على الدخول في دين رب العالمين، لذا يجب على الدعاة ومراكز البحوث الإسلامية الاستفادة القصوى من هذه التقنية الهائلة، وغني عن القول وتعداد الفوائد ما يدركه القارئ من تلك الإيجابيات لهذه الشبكة. الاستغلال السيئ ولكن مع هذه الفوائد هناك مصائب ومشاكل يجب معرفتها للحذر من الوقوع فيها فللأسف الشديد يُستخدم الإنترنت اليوم في الفساد ونشر الرذيلة والإجرام والعنف والإرهاب.. أقول للأسف أكثر مما يستفاد منها علمياً أو طبياً أو تقنياً وهنا لا بد من عرض لبعض مشاكل الإنترنت.. لقد قفز الفساد الأخلاقي بالإنترنت إلى حدود اللا معقول.. هل يصدق أحد أن الحجم الكلي للتجارة الإباحية العالمية عن طريق الإنترنت يُقدَّر سنوياً بحدود 57 مليار دولار أي أكثر من 200 مليار ريال وهذه تعادل ميزانية دول عدة وهذا ليس مستغرباً إذا علمنا أن عدد المواقع الإباحية في الإنترنت قبل سنوات، تحديداً في عام 1997م كان 7200 موقع مع نشوء قرابة 250 موقعاً جديداً يومياً، هذا الرقم في عدد المواقع الإباحية قفز إلى 4.2 ملايين موقع عام 2001م وللأسف الشديد أن الغالبية العظمي من المترددين على هذه المواقع هم من المراهقين وممن تتراوح أعمارهم بين 12-17 سنة وأن 63% منهم لا يعرف آباؤهم وأسرهم بذلك. ولقد قررت اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة بأن نحو مليون طفل حول العالم يتم بيعهم لعصابات متخصصة بالجرائم الجنسية كل عام وذلك ليتم تصويرهم عن طريق الإنترنت ونشر صورهم وتم ضبط إحدى العصابات المتخصصة في نشر صور فاضحة للأطفال بالإنترنت ووجد لديها أكثر من ربع مليون مشترك في 59 دولة حول العالم. ما ذُكر أعلاه كان مثالاً واحداً فقط لنوع من أنواع الجريمة والانحراف المترابطة بالإنترنت الإباحية، لكن للأسف فالإنترنت تزخر بالكثير من الجرائم على سبيل المثال: السرقات وسحب الأموال من الأرصدة في البنوك بواسطة الإنترنت والاحتيال والتزوير واللعب بأموال الغير بطرق غير مشروعة. هذه نماذج للمجتمع الأمريكي والبريطاني، لكن الإنترنت تستغل للأسف استغلالاً سيئاً حتى عندنا عندما يهرب الطفل ذكراً أو أنثى للإنترنت ولغرف المحادثة وللأسف أحياناً يأتي فرد من أفراد الفئة الضالة يتصيَّد ضحايا من هؤلاء الشباب بواسطة الإنترنت ويدربهم على القتل والتفجير ثم يقومون بكل غباء وسذاجة بقتل أنفسهم وأسرهم. إجراءات وقائية هنا لا بد من كلمة للعقلاء وللمعلمين وللآباء وللأمهات ولرجال الأمن ولرجال الحسبة في هذا الوطن العزيز ومن أولى المسؤوليات الاهتمام بالأبناء، إن كنت أيها الأب أو الأم مضطراً للإنترنت في المنزل فراقب أبناءك مراقبة شديدة، لكن غير مباشرة.. أعطهم حرية منضبطة.. أعطهم ثقة مربوطة بالانضباط والاهتمام والمراقبة من بعيد وإن حصل أي تجاوز فمن الأفضل قطع الإنترنت عن المنزل نهائياً، إذا كانت هذه التقنية ستجلب مشاكل فالإنسان العاقل في غنى عنها وعن مشاكلها، وعلى الأساتذة تنبيه الطلاب (بنين وبنات) بخطر الإنترنت وكذلك أهميتها وذلك للاستخدام العقلاني المنضبط.. كما يجب على الجهات الأمنية التأكد والحذر من المقاهي العامة بالإنترنت ويجب على صاحب المحل مراقبة كل ما يدور فيها وهو المسؤول الأول شخصياً لأي تجاوزات أمنية أو فكرية أو سلوكية والحل أن يغلق محله عند التجاوزات.. كذلك أتمنى من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تفعيل ترشيح الإنترنت فلا يمر لبلادنا الطاهرة إلا الفكر والصورة والكلمة الطيبة وأما الخبيث فلا فائدة منه ولقد قامت المدينة بهذا الدور مشكورة، لكن أتمنى من المسؤولين فيها زيادة الحرص وتوظيف شباب من هواة الإنترنت عملهم فقط هو البحث عن هذه المواقع المشبوهة وتدميرها أو على الأقل الإبلاغ عنها للجهات المختصة، لأنه وكما ذكر هنالك المئات من المواقع الجديدة يومياً وهذا يحتم علينا جميعاً أن لا يخترق المجتمع المحافظ من قِبل هذه الوسيلة التقنية. كذلك أتمنى سن قوانين وأنظمة واضحة وصريحة وقوية لمن يثبت تعامله بالإنترنت للفساد أو كلمات أو مواقع فاسدة أخلاقياً أو دينياً أو ما يشكِّل خطراً على الوطن أو على المجتمع بان، يعاقب عقاباً صارماً ويعلن هذا بأنه عند دخول شخص لهذه المواقع سوف يعرِّض نفسه للعقوبة المقررة. مقاهي الإنترنت وتحدث الدكتور عادل حمد الزنيدي أحد منسوبي الكلية التقنية بالقصيم قائلاً: من المعروف أن العالم خرج من عصر الصناعة ودخل عصر المعلومات منذ عقود، وهذا بالتأكيد له تأثير مباشر في تشكيل المجتمعات وتحويل العالم إلى قرية صغيرة، والفضل يعود إلى تطور وسائل الاتصالات المختلفة التي من أهمها القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت وعندما نتساءل هل هذه الوسائل لها تأثير واضح على المجتمع؟.. فالجواب وبكل تأكيد نعم، والجميع يستطيع أن يلاحظ التغيرات التي طرأت على فئة الشباب السعودي في السنوات العشر الأخيرة بسبب وجود مثل هذه الوسائل، فلم يعد هناك حواجز تمنع الجيل الجديد من الاطلاع والتعرف على الثقافات المختلفة وهم يعيشون داخل وطنهم، وهذا لا يعني أن وسائل الاتصال المختلفة لها تأثير سلبي على المجتمع في جميع الحالات، بل على العكس هناك فوائد كثيرة ومختلفة من استخدامها وبما أن الحديث هنا عن وسيلة واحدة من وسائل الاتصال وهي الإنترنت، لعلي أذكر بعض خصائص هذه التكنولوجيا وما لها من تأثيرات على المجتمع السعودي. ما قدَّمه التلفزيون للعالم في منتصف القرن التاسع عشر يشبه إلى حد كبير ما تقدمه الإنترنت اليوم مع الاختلاف البسيط بينهما وهو أن مستخدم الإنترنت يحدد المادة التي يرغب الوصول إليها، وفي المملكة بدأ استخدام الإنترنت منذ عام 1997م تقريباً، لكن معالم هذه التقنية لم تكن واضحة لدى كثير من فئات المجتمع، ولقد اقتصر استخدامها على فئة قليلة جداً من الشباب المتعلم الذي أدرك أهميتها، محاولاً استغلالها بما ينفعه فالإنترنت تُعتبر وسيلة اتصال بالمرتبة الأولى تحوَّلت بعدها إلى وسيلة بحث ثم وسيلة ترفيه. ويُعتبر البريد الإلكتروني أحد مميزات هذه الشبكة لأنه جعل من السهل جداً التواصل بين أفراد المجتمع بتكلفة منخفضة وبسرعة فائقة ويعتبر كثير من مستخدمي الكمبيوتر أن الإنترنت هي الوسيلة الأفضل للبحث عن المعلومة بمختلف مجالات الحياة كالصحة والثقافة والتجارة والرياضة والسياحة، والكثير من صغار السن يستخدمون الإنترنت للترفيه فقط من خلال الألعاب المختلفة وغرف الدردشة وتصفح المواقع الممنوعة والإباحية. إن ما تقدمه الإنترنت من فوائد للمجتمع يصعب حصرها فلقد استطاعت أن تأخذ موقعها في عالم الصحافة والإعلام من خلال الصحف والمجلات المتوفرة على الشبكة، وأصبح من السهل متابعة أخبار العالم كما أنها توفر خدمات بنكية وشرائية إلكترونياً لجميع أفراد المجتمع وهذا بلا شك يساعد على توفير الوقت والجهد والمال. كما أن للإنترنت فوائد كثيرة إلا أنه لها تأثيرات عكسية على المجتمع دينياً وأخلاقياً، ولعل من أهمها سهولة الوصول إلى المواقع الإباحية، الإصابة بمرض الإدمان على استخدام الإنترنت وكذلك الإصابة بالعزلة والانقطاع عن المجتمع المحيط، كما أن الإنترنت توفر بيئة خصبة لمن أراد نشر رسالته للعالم أجمع دون رقيب أو حسيب، فالكل يستطيع تطوير موقع أو منتدى خاص على الإنترنت يحتوي على ما شاء من المعلومات، وهذا ما يفقد الكثير من مواقع الشبكة مصداقيتها فليس كل ما ينشر صحيحاً. لقد اطلعت حديثاً على بحث أجرته الإدارة العامة للتعليم بنقطة الرياض حول مقاهي الإنترنت وأثرها على الشباب، وخلاصة البحث تفيد تقريباً أن نصف مرتادي مقاهي الإنترنت هم دون سن الخامسة عشرة، وأن المواقع الإباحية والترفيهية والرياضية هي من أكثر المواقع زيارة، كما تفيد الدراسة أن متوسط ما تصرفه العينة على مقاهي الإنترنت حوالي خمسين ريالاً أسبوعياً، وتشير الدراسة إلى أن استخدام الإنترنت بين أفراد العينة لأغراض مفيدة يكاد يكون معدوماً وأن ما جاءت به هذه الدراسة من حقائق تحتاج إلى وقفة صادقة من التربويين وأولياء الأمور لأن أثرها قد لا يظهر إلا على المدى البعيد وحينها يصعب تدارك المشكلة وسبل علاجها، وأن ما تقوم به مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من حجب للمواقع الإباحية لهو جهد كبير، لكن هناك مجموعة كبيرة من مستخدمي الإنترنت باستطاعتهم تخطي حواجز الحجب وتصفح المواقع الممنوعة، وللأسف أن تقنية كسر الحواجز تنتشر بسرعة بين فئة الشباب، والكثير من عمالة مقاهي الإنترنت يساعدونهم في ذلك، لذلك بقي دور أولياء الأمور والمعلمين في توجيه أبنائهم ومتابعتهم في استخدام الإنترنت ومشكلتنا في المملكة أن كثيراً من أولياء الأمور لا يعرفون ما بداخل شاشة الكمبيوتر ويجهلون ما يمكن أن تفعله هذه الشبكة العنكبوتية لأبنائهم. فوصيتي لأولياء الأمور هنا هي أن يعطوا أبناءهم الحق في استخدام وتصفح الإنترنت في منازلهم لوقت محدد يومياً دون التأثير على برامجهم الدينية والتعليمية والاجتماعية، ويجب أن يكون الأبناء في منطقة مفتوحة داخل المنزل عند استخدامهم للكمبيوتر لما في ذلك من سهولة المراقبة والتوجيه.. أما الأبناء الذين يرغبون في أن تكون لهم خصوصياتهم داخل غرفهم، ولا يسمحون بأن يطلع الآباء على ما يجري خلف شاشة الكمبيوتر فهم بلا شك يخفون أمراً مرفوضاً من قِبل الوالدين، كما أوصى التربويون بتوجيه الأبناء وتحذيرهم من مفاسد الإنترنت وأصدقاء السوء الذين يحرصون على نشر الفساد والرذيلة بين أفراد مجتمع مسلم محافظ. إن ما تقدمه التكنولوجيا من خدمات (أو الإنترنت بشكل خاص) يجب أن يصب في مصلحة المجتمع وليس العكس، وإذا لاحظنا خللاً في علاقة المجتمع مع التقنية الجديدة، فهذا يدل على ضعف المجتمع نفسه لأنه لا يستطيع أن يسخِّر التقنية حسب مصلحته. آراء شبابية وفي نفس السياق تحدث الشاب تيسير الملاح فأشار إلى أنه على الصعيد المحلي ورغم التقدم الملحوظ للقطاعات العامة والخاصة وللأفراد في استخدام الإنترنت إلا انه لم يبلغ عندنا المستوى المطلوب من الاهتمام والالتفات من قِبل المجتمع كافة، وإلى هذا الحين لم توظف هذه الخدمة أمثل توظيف في سبيل توفير احتياجات المواطن بأسهل الطرق كما نرى في دول متقدمة، وحتى من ناحية الاستغلال المعلوماتي والثقافي لم يقيِّم أغلب المطلعين في منطقتنا الثروة الإنترنتية. الأسباب لهذه الحقائق عديدة ومتفرعة، منها ما هو تحت إرادتنا كأفراد مثل إتاحة الإنترنت بالمنزل ومنها ما هو فوق إرادتنا كقلة توافر القطاعات الخدماتية في الشبكة (أون لاين) منها ما يرجع إلى حال المجتمع كله مثل تأخر دخول الإنترنت للبد ومنها ما يرجع إلى حال شخص بعينه كافتقار الرغبة في المعرفة. من المحاور الشائعة والحساسة والتي كثيراً ما يتطرَّق لها الناس المصالح والمفاسد الناتجة عن عالم الإنترنت، ولكل منهم مرئياته وفكره، لكن الفئة الغالبة من مجتمعنا السعودي ما زالوا يرجحون أضراره على فوائده تجاه أبنائهم وأسرهم من بنين وبنات، وذلك في نظري للأسف لا يعود سببه لسوء الإنترنت نفسه بقدر ما يعود لغاية المستخدم نفسه من الإنترنت فمن جهة يتحتم على الشباب والفتيات خاصة أن يحكِّموا عقولهم وأخلاقهم وأن يتزنوا ويفتحوا آفاقهم العلمية ويترفعوا أمام أنفسهم عن كل ما يشين، ومن جهة أخرى على الأهل أن يمنحوا الأبناء الثقة الممزوجة بالمحبة. وتحدث كل من الشاب رائد الدخيل ونادر المفيد وصالح الكريداء ومساعد التركي ومحمد الخويطر عن المحاور ذاتها مبينين الفوائد الجمة التي يمكن للشاب مستخدم الشبكة أن يجنيها وكذلك العواقب الوخيمة والآثار السيئة من سلبية الاستخدام الخاطئ لهذه الوسيلة. وأكدوا من خلال تجاربهم أن فئة من الشباب لا تتعامل إلا بالمفيد من مضامين المعلومات وضدهم يوجد آخرون يبحثون عن التسلية الوقتية في مواقع معروفة لديهم، فيما توجد فئة وسط بين هؤلاء وأولئك وهم ممن جمعوا بين الأمرين البحث عن الفائدة والمعلومة وكل جديد مفيد عبر الشبكة غير أنهم قد ينساقون أحيانا وراء رغبات وشهوات تدفعهم للدخول للمواقع غير المرغوبة والمحذورة أخلاقياً وشرعياً، ونتمنى للجميع الهداية وسلوك الطريق الصواب.
|