* الجزيرة - خاص: في الحج، تتجلى وحدة المسلمين في أبها صورها، فقد جاء حجاج بيت الله الحرام من كل فج عميق، من كل حدب وصوب، يرددون نداء واحدا (لبيك اللهم لبيك)، بلباس واحد، تجردوا من زينة الدنيا وزخرفها، حركتهم واحدة، وقبلتهم واحدة، يقفون جميعا في عرفات الله في ساعات محددة، وينصرفون في وقت محدد، هذه المظاهر، وهذه الحركة، لأكثر من مليوني شخص لا يجمع بينهم إلا الإسلام وعقيدة التوحيد وأداء الفريضة، كيف يمكن الاستفادة من الحج في تحقيق وحدة المسلمين وتحقيق التعاون والتضامن فيما بينهم. في هذا التحقيق التقينا ببعض المشايخ والقضاة والأساتذة لاستطلاع آرائهم حول كيفية تحقيق الحج لوحدة المسلمين. ******* أواصر الوحدة والتعاون في البداية يقول الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود وكيل المعهد العالي للقضاء بالرياض: الحج أكبر مؤتمر إسلامي يحضره المسلمون من أنحاء العالم في فترة محدودة وفي مكان معين فيترك كثيرا من الآثار الإيجابية بين المسلمين، ومن أبرز تلك الآثار أن الحج مدرسة في تعليم الأخلاق والسلوك حيث تتجلى فيه وحدة المسلمين وترابطهم ويسودهم التآلف والتآخي كأنهم أبناء رجل واحد لما ترى بينهم من تعاون وتآزر وتكافل وإيثار رغم تعدد جنسياتهم وتباعد أقطارهم وهذا من أجل منافع الحج التي ذكرها الله في الآية {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}وأي منفعة أعظم من تقارب القلوب وعمارتها بالمحبة في الله لا رابط بينهم إلا الأخوة الإيمانية لا نسب ولا حسب ولا مال، وإنما شعور إيماني مفعهم بالعطف والشفقة والرحمة، والناظر في القيم والأخلاق التي تكون بين الحجاج يجد في مقدمتها خلق التراحم والإحسان حيث ترى بين الحجاج من إشفاق بعضهم على بعض، ويعطف بعضهم على بعض، ويطعم بعضهم بعضا وهذا معنى كون المسلمين كالجسد الواحد، وما أروع هذا المثل الأعلى بين المسلمين حين يعطف الغني على الفقير والصغير على الكبير والصحيح على المريض والقادر على العاجز فيواسيه ويخفف عنه ما قد يجده من معاناة ومشقة وغربة، إنها صور تتكرر في موسم الحج تجسد التلاحم والتآلف بين المسلمين حين يشعر المسلم بحرمة أخيه فيحفظ له نفسه وماله وعرضه، ويقدم له كل ما يستطيع من أجل تحقيق الطمأنينة في الحج والشعور بالأمان في بلد الإسلام فما أحوج المسلمين إلى تلقي هذه الدروس الإيمانية التي تجسد مبدأ التعاون والترابط حين تلتقي تلك الجموع على صعيد عرفات بلباس واحد ووجهة واحدة يحدوها الأمل والرجاء في عفو الله ومغفرته، ولن يحقق أي نظام في العالم ما حققه الإسلام في موسم الحج من تلك المبادئ والقيم في العلاقات الإنسانية والاجتماعية، التي منها ما يؤدي إلى زيادة أواصر الترابط والمحبة كالتعارف والتراحم وما من مناسبة إسلامية إلا تجد فيها هذه الروح الإيمانية كالاجتماع لصلاة الجمعة والجماعة والعيدين، لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى، توحدت صفوفهم بعد أن توحدت قلوبهم، ولقد كان لحملات الحج من الداخل والخارج دور كبير في ترسيخ هذه المعاني الروحية لدى الحجاج وفي توطيد أواصر المحبة والعلاقة الطيبة وذلك من خلال التوجيهات والبرامج والمناشط الدعوية التي يقدمونها للحجاج فترة إقامتهم في موسم الحج حتى أصبح الحج مصدرا للتعارف والتآخي بين الحجاج، وظلت تلك العلاقات الأخوية قائمة بعد الحج بسنوات لا تنقطع، ومتى أراد المسلم أن يتعرف على أخيه ذكره بتلك السنة التي حجا فيها معا وما فيها من مواقف لا تنسى. أمة واحدة أما الشيخ محمد بن إبراهيم العباد رئيس المحكمة العامة بمحافظة العلا فيقول: لقد فرض الله سبحانه علينا الحج إلى بيته الحرام وجعله مرة واحدة في العمر لا كل عام وفي الحج يكون التعارف والالتئام وقد جعل جل وعلا هذا البيت رمز الوحدة الإسلامية وملتقى وفود الحجاج من البلدان العالمية، هذه البلاد المقدسة والأراضي المشرفة هي التي قامت فيها الرسالة المحمدية وأشرقت من أفقها شمس الهداية الإسلامية ولها في نفوس المسلمين مكانة سامية وفي هذه البلاد كان تمام الشرع وختام الأمر وكمال الدين قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}فالحج مطهرة للنفوس من الذنوب والآثام ورجوع إلى الله بالتوبة والإنابة وعهد إليه بالتمسك بدينه ونشر دعوته والاعتصام بكتابه وملازمة جماعة المسلمين وإمامهم والبعد عن موارد النزاع وأسباب الافتراق، وفي الحج تتخلى النفوس عن الأوصاف الذميمة والأعمال الوخيمة وتتحلى بفضائل الصفات وجميل الخلال فتطيب طباعها وتزدان مزاياها فترجع نقية نزيهة طاهرة مستقيمة وقد انحطت عنها الذنوب والخطايا. وعندما يقف المسلمون بعرفة أرض تزخر بمئات الألوف على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وتباين لغاتهم وأقطارهم وتفاوت درجاتهم ومراتبهم وقد تجردوا من مظاهر الملك والإمارة والغنى والجاه والفقر والحاجة وبرزوا بثياب موحدة بيضاء نقية وهيئة واحدة ما هناك إلا المسلم وأخوه المسلم يتعرف إليه ويصافحه ويتحبب إليه ويعانقه هناك يتوادون ويتناصحون ويتعرفون إلى شؤون بعضهم ويتآزرون ويشتركون في الضراعة إلى الله والابتهال إليه. هذا الاجتماع في الحج اجتماع في زمن واحد ومكان واحد من الرجال والنساء ويبلغ أعدادا كبيرة تتجاوز المليون ونصف المليون من كافة الطبقات والفئات فيه تتحقق الوحدة الإسلامية العامة. ونرى أنه يمكن الاستفادة من تجمع المسلمين في هذا الموسم المبارك والتآخي بين المسلمين في تجمعهم هذا وترسيخ مفهوم الوحدة الإسلامية وأنهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما ورد في الحديث بعقد مؤتمر إسلامي كبير يضم رجال الفكر والعلم والشريعة والسياسة والقانون ويتبادلون الآراء ويتحدون على المصالح العامة الشاملة وعلى التناصر في كل حين، وأن يقوم بالتنسيق لهذا المؤتمر الجهات المشرفة على الحج مثل وزارة الحج ووزارة الشؤون الإسلامية وغيرها من الجهات الأخرى وأن يحرص أشد الحرص في هذا المؤتمر على تفعيل الأدوار التي يقوم بها المؤتمرون وأن يهتم بوحدة الصف واجتماع الكلمة وكيفية الوصول إليها مع مدارسة أحوال المسلمين بتشكيل لجان من هذا المؤتمر للنظر في أوضاع المسلمين الحالية وكيف تعالج وكيف تم المساعدة لهم للخروج مما هم فيه من المآزق، وأن يفعل كذلك دور هذه اللجان عن طريق حكومات البلاد الإسلامية وأن يكون شعار هذا المؤتمر تحت اسم (أمة واحدة) لتحقيق هذه الوحدة أمل المسلمين جميعا. الجسد الواحد ويرى الشيخ إبراهيم بن جاسر الجاسر رئيس المحكمة العامة بالقريات: إن وحدة المسلمين ظاهرة للعيان ويظهر تآخيهم وترابطهم وتعاطفهم أشد ما تكون في موسم الحج حيث إن لباسهم الواحد ومناسكهم الواحدة في المشاعر لا فرق أو تمييز بينهم إلا بالتقوى فلا مكان للتفرقة باللسان أو اللون أو المنصب والجاه فالكل يؤدي عبادة واحدة بلباس واحد بمنسك واحد بمكان واحد بزمان واحد لأداء هذه العبادة التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام وبهذا الزي وهذا التآخي الذي يظهر الحجاج وكأنهم جسد واحد يثمر للناس أجمع عربهم وعجمهم ثمارا يانعة يستفاد منها في: أولاً: وحدة المسلمين وترابطهم وتكاتفهم وتآلفهم والتآخي فيما بينهم رغم قصر المدة فكأنهم أبناء رجل واحد بل وكأنهم جسد واحد كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). ثانياً: النصح لكل مسلم فالدين النصيحة فالحاج إذا رأى أخاه المسلم على خطأ أو معصية أو مخالفة شرعية بادر بنصحه وبين الحق والصواب خصوصا وهو يؤدي مناسك الحج تنزيها لتلك العبادة عما ينقص أجرها أو يبطلها. ثالثاً: التذلل والخشوع والانكسار من الجميع بين يدي الله ولله وحمده. رابعاً: المواساة والمساواة وهما من الأخلاق السامية بين المسلمين ومن الأسباب الرئيسة والعرى والوثيقة في تآلف المسلمين وترابطهم. خامساً: الإيثار وهو أفضل خلق يتحلى به المسلم قال سبحانه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}فنجد أن الحاج يؤثر أخاه على نفسه في أكله وشربه ومركبه ولباسه وهذا معنى كون المسلمين كالجسد الواحد بفضل الله ومنته ثم بفضل الإسلام الذي جعل بين المسلمين مودة ورحمة تجلت وظهرت في هذه الشعيرة العظيمة شعيرة الحج فما تجده بين المسلمين من تعاون وتكافل وتعارف وتآخ كل ذلك ناتج عن آثار تلك المحافل الإسلامية التي يلتقي فيها المسلمون كل يوم في المسجد أو كل أسبوع في الجمعة أو كل عام في العيدين ومن أكبر هذه المحافل موسم الحج وصدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}وقال سبحانه: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}منافع دينية ودنيوية. اجتماع الشعوب ويؤكد الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد القاضي بالمحكمة العامة بالرياض: إن في الحج دعوة إلى هذه الوحدة وذلك الائتلاف باجتماع الشعوب ذات الألوان والأعراق واللغات والملابس المتعددة في الزمان الواحد والمكان الواحد واللباس الواحد والذكر الواحد والدين الواحد الذي اجتمع عليه رسل الله - عليهم الصلاة والسلام - حين حجوا إلى بيت واحد من لدن إبراهيم - عليه السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -. وفي الحج نكران للذات، وتجرد من حظوظ النفس وشهواتها، وتذكر من الحاج بتجرده من ملابسه: أصل نشأته وحاله بعد موته، وهذه أولى الدرجات لتحقيق الأخوة. وفيه فرصة لتعزيز هذه الوحدة وتفعيلها في الواقع من خلال اللقاءات والمؤتمرات والحوارات وتبادل الخبرات في كل صعيد؛ حتى نكون خير أمة أخرجت للناس. قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ويقول إننا لا نرى أمة قوية البنيان مرهوبة الجانب إلا ترى الائتلاف والانسجام بين أبناء هذه الأمة قويا متينا لا ثغرات فيه، ولا نرى أمة هي في ذيل القافلة ومؤخر الركب إلا ترى التدابر والحسد والبغضاء منتشرا بين أبنائها، فهذا هو التناسب الطردي بين الائتلاف والقوة، وبين الاختلاف والضعف. ولهذا قال الباري جل شأنه: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} الآية، ومن أجله كان من أول ما بنى النبي - صلى الله عليه وسلم - المجتمع المسلم عليه عند قدومه طيبة: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. إن وحدة المسلمين ليست خلقا اختياريا مستحبا، بل هي - في الجملة - فريضة واجبة: قال - صلى الله عليه وسلم - : (المسلم أخو المسلم)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا). إن الأخوة سبب من أسباب تنمية المجتمع وتحقيق أهدافه الدينية والدنيوية، لأن أي مشروع تنموي في الدين والدنيا لا يقوم إلا على التعاون وبذل النصيحة، فإذا حل محلهما الحسد والمكيدة وسوء الظن فالنتيجة الحتمية كبت الأفكار البناءة وانهيار المشروعات النافعة.. إننا في حاجة إلى الاستفادة من الحج لتحقيق الوحدة الإسلامية. الحج.. وقضية الأمة ويشير الشيخ محمود المختار الشنقيطي الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة إلى أن قضية الوحدة الإسلامية قضية مفروغ منها عند أهل السنة والجماعة لأنهم الأصل بتمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واجتماعهم عليهما فمن خرج عن هذا الأصل فهو الذي ترد عنده قضية الانضمام إلى هذه الوحدة. عموما.. لعلني بعد هذه المقدمة البسيطة أشارك بإشارات من واقع عبادة الحج لها أبعادها ودلالاتها في إرساء وتثبيت أسس الوحدة الإسلامية بين المسلمين من خلال عبادة الحج، أجملها في: أولاً: لا تعني الوحدة بين المسلمين ذوبان الآخر ومحو ما عنده من الخير، تماما كما هو في مفهوم الحضارات الاستعمارية، إنما تعني الوصول بالمسلم إلى مبدأ التسليم لله جل جلاله في فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، نشاهد في الحج من يدعو بلغته ولا يحسن أن يدعو بالعربية لم يفرض الإسلام لغته (العربية) - بالرغم من أن أهم ملامح التغيير والمسخ الثقافي اللغة - على معتنقيه ولم يجعلها شرطا لصحة كل العبادات بل رغب وأوجب قدرا في الصلاة وغيرها من العبادات اعتبرها أركاناً. ثانياً: توافق تشريعات الحج مع طبيعة النفس البشرية وخلفيتها وظروفها سبيل للوحدة الحقيقية نرى في أروقة الحرم المكي بعد الفريضة هذا ممسك بمصحفه يتلو وآخرين اصطفوا للصلاة على الجنازة وذاك يطوف، وهذا يذكر الله تعالى، ومسلم يصلي وآخرون يدخلون، وغيرهم يخرجون.. في حركة دائبة لم يتدخل الدين في غير الصلاة المفروضة الثابتة، فهي أصل وغيرها فرع وكل له ظروفه، لكن يجمعهم كلهم طلب الجنة بعباداتهم والتقرب إلى الله جل جلاله وتقدست أسماؤه. إن في مظاهر هذه العبادات ومشاهدها المتغيرة والمتعددة لإشارة إلى أن من يروم توحيد الأمة على شعيرة معينة وجانب من جوانب الدين أو شعبة من شعبه أو قول واحد ومذهب واحد قد رام المستحيل وضيق واسعا يكلف الناس بما لا تطيق وخالف طبيعة هذا الدين الذي تجاوز الشكل إلى الجوهر. ثالثاً: بالرغم من كثرة الاختلافات والأقوال في بعض أقوال النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - وأفعاله في حجة الوداع - مع أنها حجة واحدة - وجدت مسائل مجمع عليها ومتفق عليها وليس فيها خلاف بين العلماء ومن نقلوا لنا وتكلموا عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إن هذه الاتفاقات والاختلافات هي الأخرى ظاهرة صحية عجيبة فيها من التيسير على الأمة، ومن إظهار فضل العلماء على بعض، وزيادة الابتلاء بمعرفة الحكم الشرعي والتقيد به، إلى غير ذلك من الأسرار والحكم، وفيها دلالة على أن الاختلاف منه ما هو مقبول مأجور عليه كلا الطرفين، ومنه ما هو مردود، ومنه ما ليس مجالا للخلاف أصلا، فما دام أن الخلاف موجود منذ العصر الأول عصر مشاهدة التشريع ونزول الوحي فينبغي أن نتعامل معه كما تعامل سلفنا الصالح ومعه ومن رام رفعه - دون احتوائه ومعالجته - فقد رام المستحيل. رابعاً: العلاقة بين التوحد والتوحيد علاقة تلازمية كما يقول الأستاذ علاء سعد حسن فموسم الحج ومؤتمره الحاشد الجامع مناسبة مركزة لإعلان التوحيد والتوحد.. هو موسم التوحيد الخالص لله رب العالمين لا شريك له في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، فالجميع متوجه إلى الله بقلبه وقالبه، لا معبود له إلا الله سبحانه، لأن شعاره الخالد (لبيك لا شريك لك لبيك)، موسم تلتقي فيه الأرض قاطبة على التوحيد عبر ممثليها المحتشدين بالمشاعر المقدسة وعبر ذويهم المعلقة قلوبهم بتلك المشاعر وبإخوانهم الذين سبقوهم إليها.. ما أروعه من موسم وما أجملها من أيام تلك التي تنطلق فيها الألسنة من كل حدب وصوب تعلن كلمة التوحيد، وترتبط فيها القلوب إله واحد،وتتطلع فيه العيون إلى السماوات العلا، وترتفع فيه الأكف إلى خالق السماوات والأرض طلبا للرضا والقبول.. ليكون مؤتمر التوحيد الحاشد في مكة مركز الأرض بينما تنطلق أشعة شمس التوحيد منها إلى دائرة محيطها هو محيط الأرض كلها.
|