Sunday 25th December,200512141العددالأحد 23 ,ذو القعدة 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

مَسار (الحُوار).. من (النُّخبوية).. إلى (الشَّعبوية)..؟!مَسار (الحُوار).. من (النُّخبوية).. إلى (الشَّعبوية)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي*

* هل كنا محتاجين فعلاً، إلى خمس جولات حوارية، لكي نقول من هو (نحن)؟ ومن هو (غير نحن)؟ فنبدأ بعدها، في فهم بعضنا البعض..؟
* ربما كنا كذلك، وربما سوف نظل كذلك إلى أمد ما، هذا على أقل تقدير، ما وشت به تلك المداولات والمبارزات الكلامية، التي دارت رحاها بين أعضاء في الجولات الأربع قبل جولة أبها، إلا أن الجولة الخامسة الأخيرة في أبها، التي جمعت سبعين رجلاًَ وامرأة يمثلون كافة الأطياف في المجتمع السعودي، كانت في رأيي، بوابة حقيقية جديدة، تفتح لأول مرة، على حاجتنا لكثير من الجهد في المستقبل، لتحقيق المزيد من الانسجام والتصالح مع الذات، ومداومة العمل الجاد، من أجل تحقيق الحد الأدنى من الفهم العام، الذي يقودنا بأمان وبأقل قدر من الخسائر، إلى ربط (نحن) كافة، بكل أطيافها ومذاهبها وتوجهاتها، بالوطن الأم، الذي قد يتنكر له (بعضها) في بعض الأحيان، وذلك قبل انشغالنا بعلاقتنا مع ذلك الآخر، حيث هو يظل عادة، في الأفق البعيد والأبعد، من (نحن)، حينما تكون مأزومة مع نفسها.
* جاءت جولة أبها الحوارية أخيراً، لتعزز الظن الحسن في المجتمع السعودي، الذي يختلف مع بعضه أحياناً، لكنه يلتقي معها في كل حين، فها هم السعوديون - كما لم يفعلوا من قبل - يعلنون من (قمتهم) الحوارية في أبها، أنهم (يؤمنون بأهمية نشر ثقافة الحوار والتسامح بين المجتمعات والشعوب، وأنهم يتبنون الحوار والمشاركة مع الآخر، سواء كان دينياً أم ثقافياً، أم حضارياً).
* قالوا كذلك من بعض ما قالوا: إنهم مع شرعية كافة المنطلقات الإنسانية والوطنية في التعاطي مع مختلف الثقافات العالمية وليسوا ضدها، وإنهم مع الجدال بالتي هي أحسن، وليسوا مع الكراهية والعداء والعدوان، وإنهم مع الإفادة من الخبرات الثقافية الرائدة دون المساس بالهوية الوطنية، وإنهم ليسوا مع التقوقع والانطواء على الذات، وأنهم مع التوسع في إنشاء مؤسسات المجتمع المدني، بما يحقق المصلحة لكل الوطن، ويعزز التواصل مع الآخر، وليسوا مع الحجر على عقول الناس، أو الوصاية على أحد، وأنهم مع جلب المصالح ودرء المفاسد، على أن لا يكون ذلك على حساب الغير، وأنهم مع التنوع المذهبي والفكري في المجتمع، بل يعدونه سنة إلهية، فلا يجوز استخدامه لاختراق الوحدة الوطنية، وإنهم مع تحليل الظواهر الاجتماعية السلبية، التي تعاني منها بعض المجتمعات الأخرى لحماية مجتمعنا منها، ولكنهم ليسوا مع التجريم وتلبس صفة الغيبية نيابة عن الخالق جل وعلا، وإنهم يتفاعلون إيجابياً مع قضايا حقوق الإنسان والمرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة في العالم، وإنهم تبعاً لذلك، (سوف) يزيلون كافة العوائق التي تحد من تمثيل المرأة في الهيئات والجمعيات العالمية، وإنهم مع التعامل الإيجابي مع الوافدين، ومع تفعيل الأنظمة التي تحمي حقوقهم.
* تلك كانت، بعض ملامح من إعلان أبها، الذي تبنى ما سماه (رؤى) بدل توصيات، وهي على كل حال، أفكار جيدة (توحي) بالإجرائية، مصاغة في قوالب نظرية، وسوف تظل مثل سابقاتها في نهاية كل جولة حوارية، توصيات أو (رؤى) على الورق، فتبقى أفكاراً جامدة، حتى تنفث فيها روح التنفيذ والعمل، فيجري فيها الدم، فتسري في الحياة العامة كما أراد لها المنظرون.
* طالما عقب أناس كثر، على توصيات وقرارات كهذه، إما بهز رؤوسهم استخفافاً، أو بالتقليل من أهمية ما بعدها، وأحسب أنه من حق كل مواطن على هذا التراب الوطني الطيب، أن يقطف ثماراً يانعة طيبة، من بستان مشروع الحوار الوطني، وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال، إذا لم تترجم الأقوال إلى أفعال، وأن ننتقل سريعاً ب(مسار) الحوار الوطني، من ضفته النخبوية البحتة، إلى ضفته الشعبوية العامة، التي تعني فيما تعني، التبني الفعلي والصادق من كافة الجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية في البلاد، لما وضعه لقاء أبها الأخير، من أطر عامة، ترسخ لوحدة الوطن وأمنه ورفاهية أبنائه، وتسمح بالتنوع الداخلي مذهبياً وفكرياً واجتماعياً، وتكسر عصا الإقصاء والتهميش، وتلغي أحادية الرأي، وتكفل الحقوق المشروعة لكافة أبناء الوطن.
* الذين تابعوا جلسات الحوار في أبها، لاحظوا كيف انصبت انتقادات النخب السعودية في معظم الجلسات، على محورين أساسيين هما: المقررات الدراسية، والخطاب الديني المتشدد والمتطرف.
* لقد كان الحق مع كل المتداخلين في مسار هذين المحورين، فإذا لم نستطع إصلاح الخلل في المقررات المدرسية، بعد خمسة لقاءات حوارية وطنية، توجه نقدها لهذا الخلل، فما الفائدة إذن من هذا المشروع الحواري الوطني..؟ وإلى متى سيبقى (بعض) من (نحن)، متهماً في نصوص دراسية مقرراتية، بأنه علماني، أو زنديق، أو مشرك وكافر..؟!! وإلى متى تظل (الأسر الوطنية) في وزارة التربية والتعليم، تمارس وظيفة البصم على نصوص لمقررات معدة من قبل فرد واحد أو عدد من الأفراد، وكأنها منزهة، فلا تقبل النقد ولا التغيير أو التبديل، على ما فيها من اختلال، يضر بأمن ومستقبل الوطن ومواطنيه.
* وإذا لم تتمكن وزارة الشئون الإسلامية، من التعامل مع رسالة الحوار الوطني، في شأن الخلل الذي يشوب الخطاب الديني، وخاصة الخطاب (المنبري الجمعي)، فما الفائدة إذن من حوار وطني قادم..؟ وكيف نقنع العالم في هذه الحالة، بأننا نؤمن بالتنوع المذهبي والفكري في الداخل والخارج، وأننا مع التسامح والتصالح، ولهذا.. فنحن قبلة كافة المسلمين من كافة أنحاء الأرض، الذين هم على أكثر من مذهب، وأكثر من فكر، وأكثر من توجه، فنحن إذن نستحق هذا الشرف العظيم..؟
* حتى اليوم، لم نسمع صدى واحداً من أي منبر جمعة، يعكس نتائج الحوارات الوطنية، فيتبناها أو يثني عليها، بل الحال كما هو الحال منذ سنوات، وأمامنا مشوار طويل على ما يبدو، لكي يقتنع خطباء الجمعة بهذا المشروع الوطني الحضاري الراقي، الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين منذ أكثر من عامين، والذي توج نتائج بحوثه في جولته الخامسة، بأن قال عنه كلاماً لا يقبل الشك، في التصميم على المضي به إلى آخر مداه، فقد قال حفظه الله وهو يستقبل أعضاء الجولة الخامسة: (المهم في الحوار الوطني هو الإرشاد والتثقيف للشعب السعودي كافة بأهمية الحوار، وأن دخول الحوار في كل منزل في السعودية يعتبر إنجازاً، حتى لو لم تكن هناك نتائج أخرى، وأن الاختلاف موجود داخل كل أسرة، ولكن بالحوار تحل جميع الاختلافات بين الناس، وهذا هو هدف الحوار الوطني، وأن الحوار سوف يستمر إلى الأبد).
* نعم.. حوار إلى الأبد.. لأن هذا هو الأسلوب الحضاري الراقي، المفضي إلى المحبة والسلام والوئام والتفاهم، ولا سبيل آخر غيره، إلا العداء والكراهية والتناحر وهو ما لن يحدث إن شاء الله.

fax 027361552

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved