مما لاشك فيه أن ديننا الإسلامي مبني على التيسير وعدم المشقة.. ولما كان الحج إلى بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة بيّن فيها أحكامه وشرع للأمة فيه اليسر فما سئل عن شيء فيه تخفيف على المسلم إلا أجاب افعل ولا حرج.. إلخ. ما حصل من رخصة للضعفاء للانصراف من مزدلفة آخر الليل، وغير ذلك من التسهيلات التي لا تخفى فمنذ وفاته صلى الله عليه وسلم والناس يتدارسون أحكام حجته وأمره فيها؛ كما أن حكام المسلمين من وقت الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا يولون الحرم والمشاعر العناية والرعاية لحجاج بيت الله وتوسيع المسجد الحرام والمطاف حوله. حتى مقام إبراهيم عليه السلام لما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه يعوق الطواف نقله من مكانه الأول الملاصق للكعبة حتى يوسع المطاف للطائفين كما جرى توسيع المطاف أضعاف أضعاف ما كان عليه سابقاً وهكذا تعاقبت الإصلاحات وتوسيع المسجد الحرام وإصلاح طرق المشاعر؛ إلى أن وصل الأمر لحكامنا الأجلاء آل سعود.. فمنذ أن استتب الأمن بتوفيق الله للملك عبدالعزيز آل سعود أول ما قام به هو إصلاح أوضاع الحجاج وتأمين الطرق المؤدية إلى الحرمين وتطهيرها من قطاع الطرق ومن به ضرر على أمن الحجيج. وعلى قدر ما لديه في ذلك الزمن من إمكانيات قام بما يستطيع عمله، فرحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً، ثم تعاقب أنجاله على الملك من الملك سعود وفيصل وخالد رحمهم الله تعالى، إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله الذي شهدت بيوت الله عامة والحرمين والمشاعر خاصة أعظم توسعة لها بأحسن عمارة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. ففي هذا العهد المبارك عهد ملك آل سعود من وقت الوالد الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى وقتنا الحاضر فلا تزال الإصلاحات جارية منذ أكثر من سبعين عاماً والعمل متواصل دونما انقطاع في الحرمين الشريفين من توسعة وإصلاح طرق وتوفير مياه إلى غير ذلك، حتى مقام إبراهيم عليه السلام لما كانت عليه بناية كبيرة تضايق الطائفين جرى تشاور بين قادة هذه البلاد وعلمائها الأجلاء حتى توصلوا إلى ما هو عليه الآن من تصغير حجم بنايته، مما خفف الزحام حوله. وكان القدوة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في بعض الآثار أن أول من وسع المطاف هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما ثبت أن عمر رضي الله عنه وسع المطاف أيضاً - بإبعاد المقام عن الكعبة. وقد أيَّد التوسعة للمطاف الأخيرة وتغيير وضع المقام على ما هو عليه الآن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي البلاد في وقته رحمه الله، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وعلماء الأمة على الجميع رحمة الله ورضوانه. وكذلك أزيل الجبل الملاصق لجمرة العقبة في العهد السعودي المبارك. كما سبق كل ذلك التوسعة للمسجد الحرام من عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ومن بعدهم من حكام المسلمين، حتى التوسعة الأخيرة العملاقة العظيمة التي بدأت في عهد الملك عبدالعزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله، ومن بعده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. وبعد هذه المقدمة التي لابد منها، مما تقدم عرفنا أن المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم من وقت النبي وخلفائه رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا والمساجد كلها يجري توسيعها حسب ما تدعو إليه الحاجة فإذا لاصق المسجد بيوتاً أو طرقاً أو أسواق بيع وغير ذلك، فاحتاج المسجد سواء المسجد الحرام، أو مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام أو غيرها من بيوت الله جاز توسعتها مما أحاط بها، فبمجرد إدخالها بالمسجد تأخذ حكم المسجد من أحكام الصلاة والطواف والاعتكاف إلخ من العبادات. إذ روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي. وقال: عمر رضي الله عنه لما زاد في المسجد لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول الله؛ فإذا كان هذا في حق المساجد وأنه يجوز توسعتها. وكما حصل لمقام إبراهيم عليه السلام من نقله أكثر من مرة لتوسعة المطاف وهو جزء من الكعبة. فكيف بموقع رمي الجمرات، حيث لم يجعل للرمي إلا موضع صغير لا يتناسب وأعداد الحجاج الذي يتزاحمون على الوصول إلى الحوض، ويحصل بذلك وفيات وإصابات، الشيء الذي يتكرر كل عام، ومعروف حرمة المسلم ويسر الإسلام وحرصه على سلامة أبنائه. نداء إلى علمائنا الأجلاء أيها العلماء - حفظكم الله ووفقكم للصواب - ألا ترون أنه من الضروري توسعة دائرة أحواض الجمرات أضعاف ما هي عليه الآن مئات المرات، فما دام المسجد الذي هو محل للصلاة وهي أعظم أركان الإسلام جاز توسيعه، بل إن الأرض كلها مسجد، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. فإذا كانت الصلاة تؤدى في أي بقعة من الأرض.. ألا ترمى حصيات الجمرات فيما حول الأحواض المعروفة الآن والتي وسعت عما كانت عليه سابقاً. بل إن الناس اليوم يرمون جمراتهم في الدور الثاني، الذي انفصل تماماً عن أرض منى، إذ إن هذه البقعة تابعة لها، كما يصح الطواف في هواء المطاف وكما قال عليه الصلاة والسلام في حجته وقفت ها هناك وعرفة كلها موقف وكذلك في مزدلفة، وعندما نحر هديه قال: نحرت ها هنا وفجاج مكة كلها منحر أو كما قال عليه الصلاة والسلام. أيها العلماء الكرام: ألا ترون مع توسيع موقع رمي الجمار أن يبنى دور ثالث ويكون من مصب طوله ألف متر 1000م شديد الانحدار ترمى به حصى الجمار ثم تتدحرج حتى تقع في الحوض، وأن يكون به سير كهربائي أو عجلات متتابعة الدفع تدور حتى تقذف الحصى في الحوض، أو أي طريقة هندسية أخرى تؤدي الغرض، إذاً المطلوب وصول الحصى إلى الحوض فمن المعروف أن رمي الجمار عبادة أقيمت من أجل ذكر الله، وهذا يحصل مع توسيع أحواض الجمرات وإقامة الدور الثالث، وكل أرض الله (مسجداً وطهوراً)، بل إن الحاج كلما كان آمناً على نفسه ومن معه اطمأن وذكر الله أكثر. وأخيراً نرجو من علمائنا إيجاد ما يرونه مناسباً لحل مشكلة رمي الجمرات إذ إن حكومتنا وفقها الله قد ذللت جميع الصعاب وأنفقت الأموال الطائلة لراحة ضيوف الرحمن، ولم يبق إلا هذه المشكلة وهي مستعدة وجاهزة لتنفيذ أي مشروع يخدم الحج والحجاج مهما كلف، إذ هدفهم وفقهم الله التيسير على المسلمين وأدائهم لشعائر حجهم بكل يسر وأمان فجزاهم الله على ذلك خيراً. جمرة العقبة يوم العيد أما ما يحصل من الزحام والتدافع على جمرة العقبة يوم عيد الأضحى فعلاجه سهل، فمعروف أن جمرة العقبة يوم العيد ترمى وحدها من أجل إكمال نصاب التحلل من الإحرام، وأن بعض الحجاج ينزلون إلى الحرم لقضاء طواف وسعي حجهم ثم يخرجون إلى منى لرمي جمرة العقبة وذلك باتجاه منى. فيصدمون مع إخوانهم الآتين منه فيحصل التدافع والضرر على الجميع وحل هذه المشكلة هو جعل مصدات للآتي من مكة يريد العقبة ويوجه إلى منى ثم ينحرف وينضم إلى صفوف الآتين من منى ليكون المسار والاتجاه واحداً فيسلم الحجاج من التصادم والتدافع. هذا ما أراه وما زال الناس ينتظرون من العلماء وفقهم الله إيجاد حل لهذه المشاكل في رمي الجمرات إذا اكتملت أو كادت تكتمل جميع مشروعات المشاعر وآخرها هذه الخيام التي أمن الناس فيها من الحرائق ومشاكلها. فوفق الله حكومتنا السعودية لما فيه صلاح البلاد والعباد وحفظ الجميع من كل مكروه، آمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
|