* الجزيرة - خاص: لا أحد ينكر الدور الذي يقوم به العلماء والفقهاء والدعاة وطلبة العلم ورجالات الدعوة والتوعية في خدمة ضيوف الرحمن وإرشادهم لأداء المناسك والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم وتوضيح معالم المناسك، وما المطلوب منهم بدءاً من وصولهم إلى المملكة حتى يعودوا إلى بلادهم. وفي الحج تختلف الأجناس واللغات والمذاهب، فيأتي الحجاج من كل فج عميق، بما يؤكد أهمية دور الدعاة ورجال الفتوى والتوعية في التعامل مع هؤلاء جميعاً بلغتهم والإجابة عن استفساراتهم.. ولكن ما المطلوب من الدعاة وطلبة العلم في أيام الحج؟! وما الصفات المطلوب منهم التحلي بها؟! يرى الدكتور مسفر بن علي القحطاني رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد أن للنظر والاجتهاد في أحكام النوازل المقام الأسمى في الإسلام لما له من موصول الوشائج بأصوله وفروعه فله الحظ الأوفى والقدح المعلى، وهو الميدان الفسيح الذي يستوعب ما جدّ من شؤون الحياة والأحياء، وتعرف من خلاله أحكام الشرع في الوقائع والمستجدات الدينية والدنيوية، وأحكام الحج منها ما هو من الأحكام الثابتة القطعية ومنها ما هو من الأحكام الظنية التي وسع فيها الخلاف وتعددت فيها الآراء، ونظراً لسعة هذه الأحكام وكثرة المتغيرات التي تقع للمفتين في الحج نتيجة للزحام وازدياد معدلات الحجيج وقلة الخيارات الصالحة للمستفتين كان من المستحب للمفتي أن يتحرى الآداب التالية في نظره وحكمه لتلك المستجدات ألخصها في النقاط التالية: أولاً: أن يذكر دليل الحكم في الفتوى النازلة: يقوم الإمام ابن القيم - رحمه الله - في ذلك: (ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه ذلك ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجاً مجرداً عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عَطَنِه وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة بنفسه رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته). ثانياً: أن يبين البديل المباح عند المنع من المحظور: وهذا الأدب له من الأهمية في عصرنا الحاضر القدر العظيم، ذلك أن كثيراً من المستجدات الواقعة في المجتمع المسلم قادمة من مجتمعات كافرة أو منحلة لا تراعي القيم والثوابت الإسلامية؛ فتغزو مجتمعاتنا بكل قوة مؤثرة ومغرية كالمستجدات المالية والفكرية والسلوكية والإعلامية وغيرها وحتى مسائل الحج ليست عن ذلك ببعيد، فيحتاج الفقيه إزاءها أن يقر ما هو مقبول مباح شرعاً ويمنع ما هو محظور أو محرم مع بيانه لحكمة ذلك المنع وفتح العوض المناسب والاجتهاد في وضع البدائل المباحة شرعاً حماية للدين وإصلاحاً للناس، وهذا من الفقه والنصح في دين الله عز وجل. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم) وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم. ثالثاً: اعتبار قاعدة رفع الحرج: يقصد بالحرج: (كل ما يؤدي إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حالاً أو مالاً)، فيكون المراد برفع الحرج: (التيسير على المكلفين بإبعاد المشقة عنهم في مخاطبتهم بتكاليف الشريعة الإسلامية). رابعاً: النظر إلى المآلات: ومعناه أن ينظر المجتهد في تطبيق النص؛ هل سيؤدي إلى تحقيق مقصده أم لا؟ فلا ينبغي للناظر في النوازل والواقعات التسرع بالحكم والفتيا إلا بعد أن ينظر إلى ما يؤول إليه الفعل. وقاعدة اعتبار المآل أصل ثابت في الشريعة الإسلامية دلت عليها النصوص الكثيرة بالاستقراء التام، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ}، وقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ}، وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أشير إليه بقتل من ظهر نفاقه قوله: (أخاف أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم)، إلى غيرها من النصوص المتواترة في اعتبار هذا الأصل. يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - في أهمية اعتباره عند النظر والاجتهاد: (النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، ولك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعاً لمصلحة قد تستجلب أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع، لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية بما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة مثلها أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذاب المذاق، محمود الغب، جارٍ على مقاصد الشريعة). خامساً: فقه الواقع المحيط بالنازلة: ويقصد بهذا الضابط أن يراعي الناظر في النوازل عند اجتهاده تغير الواقع المحيط بالنازلة سواء كان تغيراً زمانياً أو مكانياً أو تغيراً في الأحوال والظروف وعلى الناظر تبعاً لذلك مراعاة هذا التغيير في فتواه وحكمه. ذلك أن كثيراً من الأحكام الشرعية الاجتهادية تتأثر بتغير الأوضاع والأحوال الزمنية والبيئية؛ فالأحكام تنظيم أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة، فكم من حكم صدر تدبيراً أو علاجاً ناجحاً لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق. ومن أجل هذا أفتى الفقهاء المتأخرون من شتى المذاهب الفقهية في كثير من المسائل بعكس ما أفتى به أئمة مذاهبهم وفقهاؤهم الأولون، وصرح هؤلاء المتأخرون بأن سبب اختلاف فتواهم عمن سبقهم هو اختلاف الزمان وفساد الأخلاق في المجتمعات، فليسوا في الحقيقة مخالفين للسابقين من فقهاء مذاهبهم، بل لو وجد الأئمة الأولون في عصر المتأخرين وعايشوا اختلاف الزمان للسابقين من فقهاء مذاهبهم، بل لو وُجد الأئمة الأولون في عصر المتأخرين وعايشوا اختلاف الزمان وأوضاع الناس لعدلوا إلى ما قال المتأخرون، وعلى هذا الأساس أسست القاعدة الفقهية القائلة: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان). سادساً: الوضوح والبيان في الإفتاء: وهذا الضابط مهم في تبليغ الحكم المتعلق بالنازلة فلا يكفي الإخبار وحده بحكم الواقعة بل لا بد أن يكون ذلك الإخبار واضحاً بيناً لا غموض فيه ولا إبهام فيه، وألا يفضي إلى الاضطراب والاختلاف في معرفة المعنى المقصود بالفتوى. أعراف المدعوين ويرى الدكتور فهد بن سعد الجهني عميد شؤون الطلاب بجامعة الطائف، أن مما يحفظ ويعين كل داعي إلى الله، معرفة تلك المكانة العالية التي رسمها الشرع لهذه الوظيفة العظيمة والمهمة الخطيرة (الدعوة إلى الله)، فأعلى الله - سبحانه - مكانتها ومكانة الداعين إليه بحيث يصيرون بها من أحسن الناس قولاً عند خالقهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، ويقول الشيخ القاسمي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة (أي لا أحد أحسن مقالاً ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى)، والدعاة إليه سبحانه دعا لهم سيد الدعاة - صلوات ربي وسلامه عليه - بنضرة الوجه وبين أن من دل على خير منهم كان له مثل أجر فاعله.. إلى غير ذلك من الأجور والحسنات. وتفريعاً على ما سبق أقول: إن دعوة الحجيج قاصدي بيت الله الحرام: يتأكد الأجر فيها، ومما ينبغي للداعي أو المفتي مراعاته أمور منها: أولاً: أن موسم الحج موسم عظيم ومشهد كبير، لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، بل قد لا يتكرر على بعض الحجيج إلا مرة في العمر، فبعض الحجيج قد يأتي من أماكن بعيدة أو مجهولة وقد لا يتأتى له سماع دعوة الخير وكلمة الحق ومعرفة أحكام الدين إلا في هذا الموسم العظيم!!. ثانياً: وكما نبه العلماء من قديم؛ أن المفتي وكذلك الداعي يجب أن يراعي أعراف المدعوين وطبائعهم المختلفة التي جبلهم الله عليها، وذلك في غير المنصوص عليه صراحة من الأحكام الثابتة، وموسم الحج يتأكد فيه هذا المعنى، ففيه يجتمع صفوف وألوان من عباد الله، من أعراق شتى وبلدان مختلفة، فيحاول الداعي وكذلك المفتي أن يكون واسع المدارك خبيراً - بقدر الإمكان - باختلاف المذاهب، وطبائع البلدان، وعند عدم مراعاة ذلك فقد يوقع الناس على قول أو مذهب أو طبيعة واحدة، ولنا في رسول الله سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة لمن كان يرجو الأجر ونفع عباد الله، فقد كان عليه الصلاة والسلام يخاطب ويتعامل مع الناس بحسب أفهامهم وطبائعهم ويعطي كل واحد منهم قدره، ويأمر أصحابه بذلك. ثالثاً: سعة الصدر وحسن الخلق ولين الجانب، من أهم الصفات الشخصية والخلقية للداعي، حتى يؤلف ويكسب قبول المدعوين، وبطيبته وابتسامته ورأفته بإخوانه وحرصه على هدايتهم، وهذا مما نبه الله عليه نبيه الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وامتدحه به، حين قال سبحانه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}، فتأمل أخي الداعي: أن هذا الكلام وارد في حق سيد الخلق وحبيب الحق بأبي هو وأمي، فكيف بمن عداه أياً كان قدره وعلمه وعمله؟؟ فإياك وفظاظة اللسان وغلظ القلب وخشونة القول حتى لا ينفض إخوانك من حولك!! رابعاًَ: الإفتاء مرتبة عظيمة في الدين، لا يحل لمسلم أن يقول على الله وفي شرع الله بغير علم، والقول على الله بغير علم أعظم عند الله قبحاً من الفواحش والبغي! وبرهان ذلك قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فبدأ بالأخف وختم بالأشد!! فتأمل وفقك الله. فالعلم الشرعي لا بد منه، ولا يأنف الرجل أو يستحي أن يقول لما يدري: لا أدري، فإن ذلك دليل الخوف من الله ومن كمال الورع والتقوى. العلم.. والحكمة والرفق يقول الدكتور عبدالله بن سوقان الزهراني الأستاذ بكلية القرآن الكريم وعلومه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، فالإسلام دين الرحمة والعدل ودعوة الحق والخير، دين تقره الفطر وتستحسنه العقول، وتركن إليه النفوس فالدعوة إليه دعوة إلى الخير والصلاح: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، والدعاة إلى الإسلام هم خيار الأمة: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، بل الدعاة هم ورثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ومقام الداعي مقام قيادي مهم فينبغي له أن يعرف منزلته ويستشعر مكانته فيكون على جانب كبير من الدين والأخلاق، وقوراً في هيئته وقوله بعيداً عن الجفاء والغلظة فهو مستشعر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبر على الأذى والثبات على الحق والنصح لعموم الخلق: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، وقال عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، فالدعوة لن تؤتي أكلها ما لم تقتبس نوره من فوق سبع سماوات: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. فمما يتعين على الداعي أن يتصف به: - الإخلاص لله تعالى: فإخلاص الداعي - في دعوته إلى الله تعالى - أمر مهم لنجاح دعوته ولحصول الثواب عليها. - العلم: فينبغي للداعي أن يكون عالماً بشريعة الله تعالى، عالماً بأحوال الناس، عالماً بالطريقة المناسبة التي يسلكها لدعوتهم: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وعليه أيضاً أن يجتنب إثارة الخلاف وأن يبتعد عن غرائب المسائل وشواذها بل يتمسك بما يعضده الدليل وبما يفتي به أهل الحل والعقد فما تزال الأمة بخير ما دام صغيرها يعظم كبيرها وخلفها يترحم على سلفها وعليه أن يكون عاملاً بعلمه لئلا يمقته الله وخلقه. - الحكمة والرفق: فعلى الداعي إلى الله تعالى أن يسلك طريق الحكمة فيستعمل الأساليب المناسبة للحال والمقام: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.- الصبر: فيصبر الداعي على ما يناله من أذى ويتحلى بطول النفس وبعد النظر فالأمل دافع قوي للمضي في الدعوة كما أن اليأس سبب للفشل والتأخر: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}. - الثبات على الحق: فلا تزعزعه المضايقات ولا يحطمه اليأس فهو مؤمل النتيجة واثق من الحسنيين واسع الصدر، منبسط الوجه، لين الجانب يألف الناس ويألفونه. العقيدة الصحيحة ويقول الشيخ عبدالعزيز بن محمد الحمدان مدير إدارة شؤون الدعوة والإرشاد بفرع الوزارة بمنطقة الرياض: إن من أعظم منافع الحج وأظهرها القيام بواجب الدعوة إلى الله بين إخواننا الحجاج لتحقيق العبودية لله وحده لا شريك له وحكومة خادم الحرمين الشريفين - وفقها الله - انطلاقاً من هذا الواجب العظيم واستشعاراً منها لمسؤوليتها الكبيرة تجاه المسلمين وخصوصاً تجاه ضيوف الرحمن. والمطلوب من الدعاة وطلبة العلم مضاعفة جهدهم في الدعوة إلى الله تعالى خصوصاً في موسم الحج ذلك الموسم العظيم الذي يجتمع فيه ملايين المسلمين في مكان واحد وزمن محدد، وهي فرصة عظيمة للدعاة لنشر العقيدة الصحيحة وتنقيتها مما علق بها من شوائب الشرك والبدع وأيضاً هي فرصة عظيمة ليخرج المرء من هذا الموسم كيوم ولدته أمه خالياً من الذنوب والآثام. وأذكر الدعاة وطلبة العلم بأهداف التوعية الإسلامية وأحثهم على تحقيقها، وهي بإيجاز كما يلي: 1 - نشر العقيدة الصحيحة وتوضيحها. 2 - توعية الحجاج بمناسبك حجهم وعمرتهم وتوجيههم لتلافي الأخطاء والبدع التي تؤثر في مناسكهم. 3 - الإجابة على أسئلة الحجاج واستفساراتهم وإرشاداتهم لما ينفعهم في دينهم ودنياهم. 4 - تذكير الحجاج بمبدأ الإخوة الإسلامية وتعميق هذا المبدأ في نفوسهم. 5 - تذكير الحجاج بوجوب مراعاة حرمة الزمان والمكان. أما الصفات التي يجب أن يتحلى بها الدعاة وطلبة العلم عند توعية الناس وإرشادهم، فمن أهمها: 1 - الإخلاص لله عز وجل: وهو من أهم ما يجب أن يتصف به الداعية حتى يقبل الله عمله ويجزيه الأجر العظيم، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، ومتى ما أخلص الداعية في عمله لله عز وجل فإنه بإذن الله تعالى سيضاعف جهده ويبارك الله في عمله. 2 - الدعوة إلى الله تعالى على علم وبصيرة: قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، وعلى الداعية أن يكون ملماً بأحكام الحج والعمرة ومناسكهما وما يدعو إليه من أمور الدين، وألا يخوض فيما لا يعلم، وألا يكتم علماً سُئِل عنه وهو يعلمه، وأن يتجنب الجدال العقيم الذي يفرق ولا يجمع وينفر ولا يؤلف. 3- حسن التخطيط والتنسيق المسبقين لبرامج وأعمال الدعوة، وهذا الأمر ينبغي أن يتناسب مع أحوال المدعو وزمانه ومكانه. 4 - مراعاة أحوال المدعوين: وهي من الصفات المهمة للداعية التي تمكنه من تحديد المناسب من الموضوع والأسلوب والوسيلة في الدعوة، ومن ذلك مراعاة الأولويات في عرض الدعوة فيبدأ بالأهم فالمهم، وأيضاً مراعاة أحوال المدعوين عند وعظهم وإرشادهم في اختيار الموضوع والزمان المناسبين وعدم الإطالة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا في الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا). 5 - التحلي بحسن الخلق والصبر على المشقة وتحمل الأذى، خصوصاً في أوقات الزحام قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}، وعلى الداعية أن يبتعد عن كل ما يثير الفرقة والاختلاف والجدال المذموم وأن يحرص على تعميق معنى الأخوة، قال تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}. 6 - الرحمة والرفق بالمدعو: قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق، فقال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه وما ينزع من شيء إلا شانه). وبهذه المناسبة فإنه يسرني أن أقدم عدداً من الاقتراحات من أهمها: 1 - أن يكون للوزارة إسهام في توعية الحجاج قبل قدومهم إلى المملكة، من خلال التنسيق المسبق مع وزارة الخارجية في إيفاد العديد من الدعاة الأكفاء إلى السفارات والقنصليات السعودية في العالم الإسلامي وغيره لعقد دورات مكثقفة لمن يرغب بالحج بهدف توعيتهم بأحكام الحج ومناسكه وأنظمة المملكة المرعية، ويكون حضور تلك الدورات من شروط منح تأشيرة الحج، وهذه التوعية للحجاج في بلدانهم تعتبر مكملة لجهود التوعية التي تبذلها الوزارة داخل المملكة، ولا شك أن الحاج إذا أتانا وهو خالي الوفاض من أي توعية سنجد صعوبة في توعيته، وربما في الوصول إليه من بين ملايين الحجاج. 2 - التنسيق المسبق مع الجهات المعنية كوزارة الحج والكشافة وغيرها، لإجراء المسح الميداني لمواقع حملات الحج والتنسيق مع مسؤوليها لتحديد أمور هامة، منها: - تحديد البرنامج العلمي والثقافي المناسب وتجنب الازدواجية في الأعمال الدعوية. - تحديد لغات الحجاج لتحديد العدد المناسب من المترجمين. - تجهيز الكتب والأشرطة وتراجم معاني القرآن الكريم باللغات المختلفة المطلوبة. 3 - تكثيف الفرق الإرشادية الميدانية التي توافق الحجاج في تنقلاتهم بين المشاعر وحتى نهاية موسم الحج، وذلك للحاجة الماسة فإذا ما عرض عارض أو أراد سائل أن يسأل يجد الدعاة وأهل العلم قريبين منه. 4- التنويع في وسائل الدعوة المعاصرة كالاستفادة من التقنيات الحديثة مثل عرض المحاضرات وكيفية أداء المناسك عبر الفيديو أو البروجكتر داخل مراكز التوعية وأيضاً استخدام الشاشات الإليكترونية الكبيرة التي توضع في الأماكن العامة، والاستفادة أيضاً من الإنترنت بتخصيص موقع خاص للتوعية الإسلامية في موسم الحج لاستقبال الأسئلة والاستفسارات والرد عليها ونشر المعلومات المهمة بإشراف لجان متخصصة تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة خلال موسم الحج. الناصح والمرشد ويرى الشيخ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي، عضو الدعوة بفرع وزارة الشؤون الإسلامية بالرياض أن هذه فرصة عظيمة جداً يجتمع فيها ملايين من أهل الإسلام من كل حدب وصوب ولها شأن عظيم في الاهتمام بتبليغ دين الله تعالى ولذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه بعد خروج الصديق رضي الله عنه وأمره بقراءة سورة (براءة) التوبة ففعل رضي الله عنه، ولذلك ينبغي الاهتمام البالغ بمن يفد إلى هذه الأماكن المباركة ولا سيما والنفوس مهيئة لقبول الخير ويكون فيها من الرقة والإقبال على الخير لاجتماع فضل الزمان والمكان، والأجور مضاعفة فهي عشر فاضلة وأماكن تضاعف فيها الخيرات كل هذا يدفع إلى مضاعفة الجهد والحرص على إرشاد الناس وتفقيههم في دينهم، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيراً لك من حمر النعم)، ولله الحمد بسبب الحج وما فيه من مناشط دعوية رأينا مفاهيم سيئة تتغير ويستفيد الكثير من التوجيه. ومن الأمور التي ينبغي الحرص عليها من قبل الدعاة وطلاب العلم البدء بالأهم فالأهم. بما بدأ الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد كما في دعوته عليه السلام وإرساله للدعاة فقد أمر علياً عندما أرسله إلى اليمن بقوله: (وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات..) الحديث. وكذا في مراسلاته عليه السلام. ذلك أن التوحيد هو الأساس الذي تُبنَى عليه سائر العبادات، ثم بعد ذلك مع كل مجتمع وأهل بلاد بما يناسب الحال ومعالجة ما يحتاج إليه ونشر ما يحسن نشره مع الحرص على الكتاب والشريط المفسوحين من الجهة المختصة - وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة - فلهما الأثر البالغ فكم رأينا ولله الحمد مَنْ ترك ما عنده مِن بدع ومحدثات بسبب ذلك. ومن الصفات التي ينبغي التحلي بها عند إرشاد الناس وتوجيههم: أن يكون الناصح والمرشد على علم بما يبين للناس لأن العلم هو الأساس في تبليغ دين الله تعالى وحاجة الناس له أكثر من حاجتهم للطعام والشراب، وكذا الرفق بهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في خطابه مع الوفود ومع كل سائل، فقد قال له ضمام بن ثعلبة كما في البخاري: (إني سائلك ومشدد عليك في المسألة فلا تجد في نفسك عليَّ)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (سل عما بدا لك) ولما قال له السائل: (لا أدري عن دندنتك ودندنة معاذ..) قال له: (ماذا تقول) قال: أقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار: قال له النبي - صلى الله عليه وسلم: (حولها ندندن). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من يُحرم الرفق يُحرم الخير). ومن الأمور التي ينبغي التحلي بها الصبر في هذا المجال والمصابرة ونشر الدعوة بكل جهد لأن هذا الخير قد لا يتيسر إلا في العام القادم والصبر منزلة كبيرة وهي من صفات أهل الأيمان: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، قال عمر رضي الله عنه: (وجدنا خير عيشنا بالصبر) وقال علي رضي الله عنه: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد) خاصة أنها أيام محدودة قليلة سريعة الانقضاء.
|