|
انت في "الرأي" |
|
رضا الناس غاية لا تُدرك.. ركب رجلٌ حماره وسار أحد أبنائه على قدميه بجانبه، فشاهده بعض الجالسين على قارعة الطريق فقالوا: عجباً لذلك الرجل يركبُ على الحمار ويجعلُ ابنه يمشي على قدميه، فنزل ذلك الرجلُ من الحمار وأركبَ ابنه وواصل سيره هو وابنُهُ ومرا على قومٍ جالسين فقالوا عجباً لهذا الابن يركبُ على الحمار ويترك والده يسير على قدميه أين تقدير الوالد؟ فقرَّر أن يركبَ مع ولده على الحمار وبالفعل ركِبا معاً على الحمار ولم يكن هُناك أي معارضة من الحمار أو أي احتجاج! ومرا على قوم جالسين على الطريق فتحدث القوم متعجبين: ألا يوجد في قلب ذلك الرجل وولده رحمة بذلك الحمار؟ كيف يركب الرجل وولده معاً على الحمار؟ من الصعوبة بمكان أن يرضى عنك جميع النّاس لأن رضاهم غاية لا تُدرك، فالإنسانُ يقفُ في حيرة من أمره! ويتساءلُ كيف أكسب رضا الناس؟ وربما أنّه يراجع نفسه كثيراً ويُجيبُ نفسه بقوله: رضا النّاس غاية لا تُدرك. ولعل بعض المواقف تُثبتُ ما توصلَ له ذلك الرجل من أنّ رضا النّاس غاية لا تُدرك، ومن هذه المواقف ما حدثَ أنّ أحد المشايخ سأل رجلاً لديه زوجتان! هل الزوجتان راضيتان عنك تمام الرضا؟ فأجاب هذا الرجل قائلاً: رضا الحريم غاية لا تدرك!! يا ساتر ألهذه الدرجة (وعلى قول إخواننا في بعض الدول العربية: استر يا ساتر). هل يستطيع الرجل المعدِّد أن ينال رضا الزوجات؟ لا أظن ذلك لأن رضا الناس غاية لا تُدرك، وربما أنّ الرجل يحاول إرضاء زوجته بأي طريقة من الطرق ولكنّه رغم اجتهاده في ذلك يجدُ أنّها لا ترضى عنه أبداً ويجدُ فيما يقدِّمه لزوجته كثيراً من الانتقادات، وكذلك الأمر عندما تجتهد الزوجة في محاولة كسب رضا زوجها بطرقٍ متعددة فإنّه لا يرضى عنها ويبسطُ لها كثيراً من الانتقادات. يواجه إمام المسجد اختلاف وجهات نظر المصلين فمنهم من يرغبُ في أن تكون الصلاة خفيفة ويستشهد بقوله - صلى الله عليه وسلم - (أفتانٌ أنتَ يا معاذ)، ومنهم من يرغب أن تكون هذه الصلاة طويلة ويقول نريد أن نستمع للقرآن ونتدبر معانيه وكثيراً ما يقولون للإمام لا تصير مستعجلاً في الصلاة، ومنهم من يقول للإمام: صوت مكبِّر الصوت مرتفع جداً لو تخفض من صوته، ومنهم من يقول له: الله يهديك صوت مكبِّر الصوت منخفض ارفع عليه نريد أن نسمع الصوت، وإنّ إماماً يوجد في مسجده مجموعة من كبار السنّ (الشيبان) يواجه مجموعة من الهموم في كل صلاة يؤديها، حيثُ إن بعض الشيبان لا يرغب في زيادة مستوى تبريد المكيِّف ويشاهدهم الإمام ينتفضون من البرد، ويطالبونه بإغلاق التكييف، وفي المقابل يشاهد الإمام بعض الشيبان في المسجد يفتحون بعض أزارير ثيابهم ويشتكون من شدة الحر! فيقف هذا الإمام في حيرة من أمره ويتساءل: كيف يرضى جميع الأطراف؟ وبعد مراجعة نفسه يستنتج أنّ رضا النّاس غاية لاتُدرك. ولقد واجه أحد الأئمة كثيراً من التدخلات حتى في الخصوصيات، فقد قال له بعض المصلين لماذا لا تلبس المشلح يا شيخ كل المشايخ يلبسون المشلح؟ فاستحسن منهم ذلك الاقتراح فلبس مشلحاً، فقال بعض المصلين (وراه لابس بشت) شايف نفسه مفتي أو معرس! ترك المشلح فأشاروا عليه بلبسه، ولما لبس المشلح ناله انتقادهم. إنّ مسألة عدم رضا النّاس واجهها الأنبياء والرسل؛ فقد تعنّت أقوامهم في مطالباتهم بمعجزات وبالآيات الدالة على صدقهم، ولما أتوا بالمعجزات لمْ يؤمن من أولئك القوم إلا القليل، ومع إيمان النزر القليل مع الرسول أو النبي فإنه يواجه عدم رضاهم عنه، ولا يستطيع أن يحقق رغباتهم جميعاً، وإن صاحب القرار ومن في يده الصلاحية يواجه إحراجاً في عمله، حيث لا يستطيع إرضاء كل النّاس، فمن الصعوبة بمكان أنْ يُرضي جميع من حوله، وإنّ الذي يجبُ عليه فعله حتى يُرضي نفسه وضميره أن يعمل بما يرضي الله - سبحانه وتعالى - ويعمل لرضاه، وألا يهتم بما يريد الناس منه، فإذا فعل ذلك فإنه يستريح من اختلاف الناس عليه. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |